مواضيع اليوم

النسيب والغزل والتشبيب (حلقة 2)

الحلقة (2)

 

شِـعْــرُ الغـَــــزَلْ

 

(النّسيب والغزل والتّشْبيبُ)

 

النَّسِـيبُ هو : رَقيقُ الشِّعْر في النساءِ؛  ولا يكون إلاَّ في النِّساءِ.

والغَزَلُ هو:  حديثُ الفِتْيان والفَتَيات. .. ويقال أن الغَزَلُ هو الّلهْـو مع النساء.

وتَشْبِـيبُ الشِّعْر: تَرْقِـيقُ أَوَّله بذكر النساءِ، وهو من تَشْبـيب النار .

...........

ومُغازَلَة النساء هي مُحادثـتُهن ومُراوَدتُهنَّ. وكذلك تفعل المرأة بالرجل ..... أما التَّـغَزُّلُ فهو  تكلّف الغَزَل ... ويُوصف الرجل ممن يحب مغازلة النساء وفق هذا المعنى بأنه رجل غَـزلٌ (بكسر الزين) .. وتوصف المرأة التي تحب مغازلة الرجال ومراودتهم أيضا بأنها غزلة ومُتَغَـزِّلَةْ سواء أكانت تهوى حديث اللهو مع الرجال أو تقول فيهم شعراً وإن كان بغرض المدح  فمدح المرأة للرجل إعجاب وتعبيرها عن هذا الإعجاب هو غزل.

وكانت العرب ترى انه لا يقول الرجل في المرأة شعرا غزلا كان أم نسيب إلاّ وكان عاشقا لها ..... ولكن زماننا الحالي بات مليئا بالمفارقات فبتنا نسمع عن من يتقرب للمرأة بمعسول الكلام ليس حبا لها وإنما لمجرد التسلية وقضاء مأرب عرضي.

وتقول العرب ايضا عن المرأة الشاعرة أنها إذا عشقت تـغـزّلت .....

وقد ظل هذا المعنى سائدا دون ان يطرا عليه تعديل في التاريخ المعاصر وربما ما عاد احد يهتم .... لكن المشاهد ان العرب ولأسباب تتعلق بحساسيتهم المفرطة تجاه المراة قد ذهبوا إلى ما ذهبوا إليه في تفاسيرهم .

والغزل هو ضرب من ضروب الخِفّة العاطفية لعوامل جينية وإستعداد نفسي فطري موروث فوق السيطرة وليس للبيئة دخل فيه ..... فقد تجده في الأمي والمتعلم ، الجاهل والمثقف ، البدوي والبدوية ، القروي والقروية ،الحضري والحضرية ، ولدى إنسان الأدغال وساكن قمم الجبال على حد سواء .... ومنه يقول العرب لبعض أنواع الظباء (غزال) لخفة حركته....

والحب والعشق والنسيب والغزل لدى البدو وأهل القرى اوضح وأقوى من أهل المدينة بسبب عدم تلوث النفس بجفاء المدينة وغربتها .... وكذلك لتوافر مساحة الحرية الواسعة في العلاقة الظاهرية بين الرجل والمرأة في المجتمع البدوي والقروي كونهم جميعا أبناء عشيرة واحدة أو قبيلة يتعارفون فيما بينهم واكثر إطمئنانا للحب العذري.

والبدوي إذا تملكه الهوى مرض واصابته الحمى ولزم الفراش فيعرف أهله انه عاشق وكذلك تصاب الفتاة الكاعب بالأرق والذهول وينحل جسدها وتذبل .... على العكس من إنسان الحضر بوجه عام حيث يكون أقدر على التماسك وتغليب العقل والموازنة بين الممكن والمستحيل والمنفعة المتبادلة متأثرا بمعطيات وقناعات الحياة المادية فتجعله لا يمنح الحب كل قلبه ومشاعره ... وتكون للواقعية دور كبير في إنشاء حوائط الصد العاطفية لديه.

وللتبسيط يمكن تعريف المصطلحات على النحو التالي:

 

(الغـَـزَلْ)

وبنحو عام فإنك إذا قرات قصيدة فيها حوار بين الرجل والمراة من قبيل قالت لي وقلت لها غضبت مني .. ابتسمت .. خجلت .... أو حتى اشاحت بوجهها فهذا هو ضرب الغزل بينها وبينه مكتمل الصورة والأركان..... وهو اوضح في شعر البدو  لسبب سهولة اللقاء والاختلاط الذي تفرضه البيئة ومشاركة المراة للرجل في الأعباء من رعي وزراعة وسقاء وورود ماء .. إلخ .

 

(النّسيبْ)

وإذا وجدت اقتصار موضوع القصيدة على الوصف لمحاسن المرأة ومفاتنها والسهر وعد النجوم ... إلخ دون تواجد للمحبوبة في مسرح القصيدة وبالتالي لاتشارك المحبوبة بردود افعال حاضرة إيجابية أمام شاعرها فهذا هو النسيب والسلام ... وهو اوضح في شعر الحضر .... وربما لو تَمَعّنْتَ في شعر أبناء العاصمة والمدن بوج عام لوجدت ذلك واضحا وحيث يغلب وصف جسد المراة ومفاتنها على الحوار اللفظي بينها وبين شاعرها. 

 

إذا كَانَ مَدْحٌ فالنّسِيبُ المُقَدّمُ:

وكانت العرب لا تمدح إلا إذا افتتحت للقصيدة بالنسيب .. وتقول القاعدة في هذا المجال (إذا كَانَ مَدْحٌ فالنّسِيبُ المُقَدّمُ) .. ولأجل ذلك كانت افتتاحية الشاعر المخضرم كعب بن زهير الذي جاء يطلب العفو ويعلن إسلامه وهو يتشرف بالوقوف أمام رسول الله صلى الله عليه وسلم لينشد قصيدته العصماء والأكثر شهرة في مدح  سيد الخلق (بانت سُعَادُ):

 

بَانَتْ سُعَادُ فقَلْبـِي اليَوْمَ مَتْـبُولُ .....

مُـتَـيّمٌ عِنْدَهَا لَمْ يُـفْـدَ مَكْبُولُ

ومَا سُعَادُ غَدَاةَ البَيْن إذْ رَحَلُوا .....

إلاّ أغَنّ غَضِيضُ الطّـرْفِ مَكْحُولُ

هَيْفَـاءُ مُقْبلَةٌ عَجْـزَاءُ مُـدْبــِرَةٌ .....

لا يُشْتَكَىَ قِـصَـرٌ مِنْهَا ولا طُـولُ

تَجْلُو عَوَارضَ ذِي ظَلْم إذَا ابْتَسَمَتْ .....

كَـأنـّهُ مُنْهَـلٌ بالـرّاحِ مَعْـلُـولُ

شُجّتْ بـذِي شَبـََمٍ مِنْ مَـاء مَحْنِيَةٍ .....

صَافٍ بأبْطَحَ أضْحَىَ وَهْوَ مَشْمُولُ

 

... إلخ وهي قصيدة طويلة من (56 ) بيتا حسب ما جاء في سيرة إبن هشام عن رواية محمد بن إسحاق .  

وربما تطرقت لهذه القصيدة في المستقبل بالشرح والتحليل وفق مقتضيات ذاك العصر والموقف إنشاء الله في محلها ولما لها في القلب من مكانة خاصة.

 

(التّشْبيبْ)

جاء في لسان العرب لإبن منظور قوله :

وتَشْبِـيبُ الشِّعْر: تَرْقِـيقُ أَوَّله بذكر النساءِ، وهو من تَشْبـيب النار .

ويقول الجوهري في (الصحاح في اللغة) : وشَبَبْتُ النار والحَرْبَ أَشُبُّها شَـبّاً وشُبوباً، ? إذا  أَوْقَـدْتـَها.

وشَبَّبَ بالمرأَة: معناه أنه قال فيها الغَزَل والنَّسِـيبَ؛ وهو يُشَبِّبُ بها أَي يَنْسُبُ بها.

والتَّشْبِـيبُ: النَّسِـيبُ بالنساءِ.

ويقتصر التشبيب على شعر الرجل في المرأة ولايعتبر تغزل المرأة في الرجل تشبيبا وإنما هو في كل الأحوال غزل حتى لو  استتر تحت عباءة شعر الحماسة والفخر والمدح.... هكذا استقر قدماء العرب وكبار النقاد في ذاك الزمان على هذا الرأي .... ولا يزال هذا التفسير هو السائد لعدم تجديده وفق مقتضيات العصر ... ولا شك أن السبب يكمن في أزمة النقد الأدبي .

وربما ذهب الرُواة وقدماء النقاد مثل الأصمعي (الذي ذاع صيته خلال العهد العباسي) إلى تحديد تلك المصطلحات أو تبنِّيها من لدن السابقين لسبب أن النّسيب متصل بوصف المفاتن والمحاسن المثيرة في المرأة .... وهذه المفاتن والمحاسن بالطبع لا يوجد لها شبيه في الذكر الرجل .... فلا يعقل مثلا أن تقول المراة في الرجل (النّسيب) من قبيل أن كفله كذا وخصره كذا واردافه على هذا النحو وشفتيه كالفراوله .... إلخ

وبالتالي فإنه إذا نظمت المرأة شعرا في الرجل لا يقال لشعرها هذا (نَسِـيـبـَا) وإنّمَا (غَــزَلاً) فالنسيب كما قدمنا هو في المرأة فقط ولا يكون في الرجل.

ولكن يجوز للرجل أن يقول في المرأة :  غازَلْتُها وغازَلَتْني. .. أمّا المرأة فتقول في الرجل غَازَلْـتَهُ وغَازَلنـِي إذا تحدثا معا على سبيل المداعبة واللهو البرئ أو غير البريء المقيم أو العابر خلف باب مغلق أو في وسط المدينة والحدائق والمواصلات العامة ومواقع الدراسة والعمل دون ملامسة...

فإذا ذهبا إلى ملامسة ولو من قبيل التقبيل أو المعانقة أو مجرد تلامس الأيدي وتشابكهما تكون مرحلة الغزل قد انتهت وبدأت مرحلة أخرى هي أولى مراحل الممارسة... وهذه أيضا قد تعقبها أو لا تعقبها بحسب الأحوال درجات أخرى متطورة أقصى قمة مراحلها المضاجعة ودخول المِرْوَدْ في المُكْحُلِة المُوْجبُ للغُـسْل وإن لم يحدث إنزال ...

 

عراقيل حرية التعبير لدى المراة :

وفي كل الأحوال وفي ظل النظرة العامة لطبيعة العلاقة بين الرجل والمرأة في كافة أنحاء العالم ... وعبر مختلف العصور والأديان والقناعات العقائدية من الشيخ الترابي (الأصولي السوداني المعروف) إلى عبد الخالق محجوب (مؤسس الحزب الشيوعي السوداني) . ومن شنغهاي إلى شنغهاي والقطب الجنوبي إلى الشمالي ... . تظل الأنثى الشاعرة مقيّدة في شعرها الغزلي . ولا يميل غيرها رجل كان أو إمرأة إلى تقبّل احتفائها المُعْلن المكشوف بالذكر الواحد أو عدة ذكور في مراودة عاطفية أو ممارسة جنسية وكيف فعلت به وفعل بها وكيف إصطادته واستدرجته .... إلخ من تفاصيل اعتاد البشر ما بين المَشْرقَيْن والمغربَيْنِ أن ينفرد الذكر  بوكالتها الحَصْرية وإدعاء فعلها صادقا كان أو كاذبا لايهم ...... ولكنها بالمقابل تصبح مُستهجنة غير مستساغة إذا بادرت بها الأنثى صراحةً في العلن وسط الجمهور اللهم إلا إذا كانت هذه مِهْنَتِهَا ... ومن ثم يرون فيها دعارة وتبذّل رخيص وتزهيد قيمة وتبخيس  لا تأتي به سوى مومس تعتاش من عرق فخذيها  .....

كذلك من المعوقات عدم استساغة تـَـنَـقُّـلُ الأنثى العبثي بين مضاجع الرجال ونعتها في هذه الحال بالعاهرة أو المومس ولو جاء تنقلها هذا على سبيل الخيال لا الواقع أو حتى المزاج دون أجــر .

وطالما كان الأمر كذلك .. وإن كانت لا محالة فاعلة. فربما يصبح من الأفضل للأنثى ذات المزاج العاطفي الإنفعالي المتدفق تجاه عشيقها أو الذكر أن تكتفي بالتعاطي معه في شعرها (إن كان غزلا) في  أسمى مراتبه العذرية .... وأن تُـوفَّـر تَـبَذُّلُهَا العاطفي والجنسي له بممارسة هذه النزعة في الـخفاء داخل مخدع مغلق الأبواب عليهما عِوَضاً عن صفحات الإنترنت والكتب والصحف والمجلات وفضائيات بزعم مجاراة أفكار المساواة بين الرجل والمرأة.....

 

 

 

 

المصادر:

 

لسان العرب                             ابن منظور

الصحاح في اللغة                    الجوهري

سيرة ابن هشام                      عبد الملك بن هشام




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

فيديوهاتي

LOADING...

المزيد من الفيديوهات