هناك من الاحداث الجسام في الديانة النصرانية لانعلمها خاصة فيما يتعلق بشخص ومعنوية المسيح عيسي بن مريم وأمه عليهما الصلاة والسلام .حدثت في القرنين الميلاديين الرابع والخامس اي قبل ولادة نبي الرحمة محمد بن عبدالله صلى الله عليه وسلم هذه الاحداث الجسيمة استغرق الجدل والخوض فيها اكثر من 125 سنه دارت حول عبودية أو اولوهية نبي الله عيسي ابن مريم وأمه عليها الصلاة والسلام ..وخلصت النتائج أن من يقول بعبوديتهما فهو مهرطق ..
قبل أن اخوض في التفاصيل اذكر ماذكره القرأن عنهما وفيهما صلوات الله وسلامه عليهما ..فاورد بعض الايات من بعض السور تحدثت بشكل مباشر عن القضية.. فقد ذكر الله تعالي في القرأن الكريم عن كونهما عبدين من عبادة فقال تعالي في سورة مريم من الاية30 .( فَأَشَارَتْ إِلَيْهِ قَالُوا كَيْفَ نُكَلِّمُ مَن كَانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيًّا قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا .وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنتُ وَأَوْصَانِي بِالصَّلاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا . وَبَرًّا بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّارًا شَقِيًّا. وَالسَّلامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدتُّ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا. ذَلِكَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ قَوْلَ الْحَقِّ الَّذِي فِيهِ يَمْتَرُونَ . مَا كَانَ لِلَّهِ أَن يَتَّخِذَ مِن وَلَدٍ سُبْحَانَهُ إِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُن فَيَكُونُ . وَإِنَّ اللَّهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هَذَا صِرَاطٌ مُّسْتَقِيمٌ . فَاخْتَلَفَ الأَحْزَابُ مِن بَيْنِهِمْ فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ كَفَرُوا مِن مَّشْهَدِ يَوْمٍ عَظِيمٍ .) مريم/30
وفي موقع اخر من نفس السورة يقول تعالى... (وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا .لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئًا إِدًّا . تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنشَقُّ الأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا . أَن دَعَوْا لِلرَّحْمَنِ وَلَدًا . وَمَا يَنبَغِي لِلرَّحْمَنِ أَن يَتَّخِذَ وَلَدًا . إِن كُلُّ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ إِلاَّ آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا ). مريم
وقال تعالى : ( إِذْ قَالَتْ الْمَلائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ وَجِيهًا فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَمِنْ الْمُقَرَّبِينَ (45) وَيُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلا وَمِنْ الصَّالِحِينَ (46) قَالَتْ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي وَلَدٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ قَالَ كَذَلِكِ اللَّهُ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ إِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ ) آل عمران /45-47 .وقال في سورة البقرة اية 253 قال تعالي .. ( تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ مِّنْهُم مَّن كَلَّمَ اللَّهُ وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجَاتٍ وَآتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ...الاية).
وقال تعالى في سورة المائدة اية 110 : ( إِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ اذْكُرْ نِعْمَتِي عَلَيْكَ وَعَلى وَالِدَتِكَ إِذْ أَيَّدتُّكَ بِرُوحِ الْقُدُسِ تُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلًا وَإِذْ عَلَّمْتُكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْرَاةَ وَالإِنجِيلَ وَإِذْ تَخْلُقُ مِنْ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ بِإِذْنِي فَتَنفُخُ فِيهَا فَتَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِي وَتُبْرِئُ الأَكْمَهَ وَالأَبْرَصَ بِإِذْنِي وَإِذْ تُخْرِجُ الْمَوْتَى بِإِذْنِي وَإِذْ كَفَفْتُ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَنْكَ إِذْ جِئْتَهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ إِنْ هَذَا إِلا سِحْرٌ مُبِينٌ ).
وفي سورة المائدة اية 116 قال تعالي .. وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنتَ
قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِن دُونِ اللَّهِ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِن كُنتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلاَ أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنتَ عَلاَّمُ الْغُيُوبِ . مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلاَّ مَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُواْ اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ وَكُنتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَّا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنتَ أَنتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ . إِن تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِن تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ) المائدة 116..
كما قال الله تعالى : ( إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ ) آل عمران /59 .صدق الله العظيم.
قبل ان ابداء حديثي اقول هذا هو قول الحق قولا واحدا في ايات الله البينات. وكما ذكرت كان هناك حوارات وجدال بين اساقفة كبار حول هذه الحقائق انتصر فيها من قال بالوهية المسيح . كما هو الحال بيننا اليوم ومن قال بغير ذلك من الاساقفة وتشدد في قوله بأنه وامه عبدين من عباد الله لقي تعنيفا وتشهيرا من باقي الاساقفة . ومن اشهر من تجراء بهذا القول اسقف القسطنطينية نسطور الذي تشكل من فكره مذهب مسيحي رًبِطَ تأسيسه باسمه الاسقف نسطوريوس ( 386 م- 451 م) وهو المرادف اليوناني لنسطور الذي عاش بدمشق ثم انتقل للقدس فتتلمذ علي يد الاسقف تيودور المصيصي الذي مات عام 428م فحمل نسطور افكاره , وقد كانت لتيودور تحفظات واضحة علي بطاركة الاسكندرية وافكارهم خاصة قتل ابنائها للاسقف جورجيوس لانه كان لاينكر اراء الكاهن اريوس بل كان يوافقه الرأي( سأتي علي فكر اريوس)... انتقل بعدها نسطور لانطاكيه واستقر بضواحيها عامين بدير يوبربيوس قبل ان يصبح بطريرك القسطنطينية- عاصمة الدولة الجديدة - بقرار من الامبراطور(ثيودوسيوس الثاني) عام 428 م .عندها بدأت شرارة الخلافات
عندما صرح احد الكهنة بكنيسة القسطنطينية ويدعي أنسطاس بأن لايصح أن تدعي مريم بنت عمران بأم الإله بل هي أم يسوع النبي . وقال هل يمكن لمخلوق ان يلد إله . ازعج كلامه الكثيرين وطلب اساقفة الاسكندرية عندما سمعوا ماقال من الاسقف نسطور نفيه كونه صادر من احد كهنة كنيسته. رفض نسطور وسبب ذلك لانه اشاع فكره وفكر استاذه من قبل الاسقف تيودور . بل أن نسطور تخطي تلك المرحلة فكان يجرد كل من يخالف هذا الرأي من رجال كنيستة من رتبهم الكنسية..
ويتلخص فكره في إنكار لاهوت المسيح وفي رفض اتحاد الطبيعة الالهية في جسد البشر. أي ان يكون جسد المسيح متحد فيه الانسان والإله وقد سبقه في هذا الرأي الكاهن اريوس الليبي الاصل والتابع لكنسية الاسكندرية , فكان يقول بأن الكلمة قد وُلد- اي المسيح - والله الآب وحده لم يولد ، فينبغي التسليم بزمن سابق للكلمة ، زمن لم يكن الله فيه أبا لأحد ، وإلا كان هناك اثنان "غير مولودين" بدون أصل ، وهو مخالف لوحدانية الله . إذن هناك زمن لم يكن فيه الكلمة -اي المسيح- موجوداً . ويتابع آريوس قائلاً: إنه من الخطأ في هذه الحال التكلم عن ولادة . فالكلمة - اي المسيح- لم يكن ممكناً له أن يصدر عن جوهر الآب ما لم يشركه الآب بشيء من ذاته الخاصة. فيكون هذا الشيء "مركباً ، منقسماً ، عرضة للتغير، جسمياً " ، كل ما لا يليق بالجوهر الإلهي ، ثم يقول ولذلك فالكلمة مخلوق . بالتالي
الكلمة –اي المسيح- ليس الله ، ولا يكون المسيح مساوياً للآب ، ولا هو مـن جوهر الآب نفسه ، ولا وجود له إلا بإرادة الآب ، نظير كل خليقة أخرى. ولا هو يدعى ابن الله إلا مجازاً أو مبالغة في الكلام .(في هذه اشارة للغلو الذي وقع فيه الاساقفة) ولن تكون هناك ولادة إلا عن سبيل التبني اللائق بقداسة الكلمة . والابن ليس مساويا للاب في الازلية. وان الرب الاب هو الاله الواحد والمسيح مخلوق وكلمته متجسدة فيه , بالتالي هو ادني من الرب مرتبة ). نلاحظ من هذا الرأي ان قضية الاب والابن كانت تشغل فكر بعض رجالات الدين المسيحي منذ القرون الاولي وقبل ظهور الاسلام . وكان بعضهم يحاول تصحيح المفاهيم منهم أوسابيوس أسقف نيكوميديا ، وثاؤغنس مطران نيقيه. ولكن بعد ان اتسعت الافكار من مجرد لفظ الي تصحيح للعقيدة يتعارض مع ماالفه المجتمع النصراني عقد اول مجمع مسكوني في نيقيه عام 325 م بطلب من البابا الاكسندروس للامبراطور الروماني قسطنطين الكبير شارك فيه حوالي اكثر من 300 اسقف اعتبروا اريوس واتباعه مبتدعين فاقروا عزله وفصله وحرق كتبه فغادر( اريوس) الاسكندرية الي الشام حيث اعاد نشر فكره فوافق علي ارائه اساقفة فلسطين وطرسوس وبيروت وخلقدونية , الأمر الذي زاد من انشقاق الكنيسة . ولكن بعد تدخل بعض الاباطرة في عام 334 أعادَ الأمبراطور قسطنطين آريوس من منفاهُ واعيد الاعتبار لاريوس فانتشر مذهبه الذي سمي باسمه ( الاريوسي) فاتخذته الدولة الرومانية مذهبها الرسمي عام 359م . لكنه انتشر بعدها لعشرات السنين بالعراق والشام ووسط اسيا وكذلك وسط اوروبا .وكان قد سبق اريوس لنفس الفكر بطريرك انطاكية بولس السمسياطي الذي كان يري ان المسيح ابن مريم مخلوق انعم الله علية بقدرات ومعجزات ..
في عام 381 قد المجمع المسكوني الثاني بطلب من الامبراطور ثيؤدوسيوس الكبير بالقسطنطينية لمحاكمة الاسقف مكدونيوس اسقف القسطنطينية حضره 150 اسقفا .لمناقشته في قوله منذ عام 362 (أن الروح القدس عمل إلهى منتشر فى الكون وهو مخلوق يشبه الملائكة وليس ذو رتبة اسمى او متميز عن الاب والابن ) في اشارة الي ان الروح القدس هو جبريل وهو مايقوله المسلمون . فعزل من وظيفته وتم نفيه وتحريم تعاليمه..
نعود للاسقف نسطور موضوع هذا البحث فيقول ان الكلمة هي الإله وأن المسيح (عليه السلام) انسان ولم يكن إلهاً بل هو مخلوق وامه مريم (عليها السلام) ولدت ذلك الانسان ولم تلد كلمة الله فهي بذلك ام الانسان وليست بام الإله . وأن الله منزه عن الاتصال او الاتحاد أو التجسد في بشر .فالطبيعة الالهية لايمكن أن تولد أو تصير بشرا . فالله واحد فرد باق علي كماله الازلي لايلد ولا يموت .
أي ان فكر نسطور الذي هو في الاصل فكر الاسقف تيودور تبناه ايضا عدد من كهنة واساقفة زمانهم .. فدارعلي اثر هذه الافكار جدل عقيم , وبداء النزاع الفكري الديني بين الاسقفين نسطورالشاب اسقف القسطنطينية وبين بطريرك الكرازة المرقسيه بالاسكندرية العجوز كيرلس الكبير الذي قبل ان يطلب عقد مجمع مسكوني سعي للتحالف مع اسقف كنيسة انطاكية وواسقف كنيسة روما اسقف كنيسة القدس بهدف اضعاف نسطورس اسقف كنيسة القسطنطينية وشخص نسطور بالذات واضعا نصب عينه الصداقة بين نسطور والامبراطور. فكتب الي بابا روما القديس سلستان بصفته رئيس الاساقفه وبونيياس أسقف القدس والي الاسقف أكاكيوس أسقف حلب موضحا لهم مايقوله نسطور واثر ذلك علي النصرانية تاحقه من وجهة نظره, وارسل رسائل الي كليسنينوس اسقف روما موضحا له مادار ويدور بينه وبين نسطور فاستماله لجانبه. وكان اسقف روما يسعي للسيطرة علي كل الكنائس بما فيها الاسكندرية . أما اسقف انطاكيا يوحنا فكان في جانب نسطور ولكنه قبل التخاطب مع اسقف الاسكندرية في ذات الشأن ورغم ذلك لم يحضر المجمع المسكوني. ولم يصل مع كيرلس لرؤيا الا عام 433م بصيغه توفيقه للإله والانسان. تقول هذه الصيغة ( إن يسوع المسيح ابن الله الواحد, اله كامل وانسان كامل ,مركب من نفس عاقلة ومن جسد وهو بحسب لاهوته مولود من الأب قبل العالم وبحسب ناسوته مولود في الازمنة الاخيرة من مريم العذراء فهو مساو للاب في الجوهرمن حيث لاهوته مساوي لنا من حيث ناسوته وفي اتحاد الطبيعتين يتعرفون برب واحد مسيح واحد,ابن واحد وان العذراء المباركة ام الإله ). أي ان كل فريق وضع في الصياغة رؤيته للمسيح . فقالوا انه إله كامل ولد قبل العالم ثم اردفوا بانه ايضا انسان كامل ولدته امه!!. المهم ان يضعف كيرلس نسطور. وبعد أن ضمن كيرلس موقف اسقف روما كتب للامبراطور ثيؤدوسيوس الصغير بطلب عقد المجمع المسكوني فكتب للامبراطور وهو يعلم انه صديق نسطور. قال له في مضمون الرسالة (إن آباءك كانوا غيورين على الكنيسة مؤيدين لها مدافعين عن عقائدها , وقد عاونوا رجالها فى تثبيت الإيمان الأرثوذكسى الصحيح , فنالوا منهم البركة , وها إنه فى عهدكم الزاهر قد ظهر نسطور هذا الذى يريد أن يشتت البيعة بضلاله , لهذا نسأل جلالتكم أن تأمروا بعقد مجمع عام للنظر فى موضوع هذا الرجل فندعوا لك ونبارك ملكك ) فوافق الامبراطور بعد تردد علي عقد مجمع افسس باسيا الوسطي وحدد عام 431 م لاجتماع مجمع مسكوني كنسي حضره عشرات الاساقفة ويقال 200 اسقف واحتجب عنه اساقفة انطاكية والشرق, عندها اعتذر نسطور عن المناظرة لان حلفاؤه لم يحضروا . لكن المجمع قرر عزل الاسقف نسطور ومعه اساقفة اخرون واعلنوهم مهرطقين لان افكارهم خرجت عن التعليم المستقيم للكنيسة وعما الفه عامة المسيحيين. كذلك اطلقت نفس الصفة علي اتباعه . في المقابل رفض نسطور القرارات واطلق علي نفسه لقب عدو الهراطقة في اشارة واضحة ورد مباشرعلي البطريرك كيرلس... المهم نفي نسطور الي اخميم بصعيد مصر وتوفي فيها..
من ردود كيرلس علي نسطور اورد التالي... ( ان الكلمة اتحدت بالجسد لذلك هم يسجدون لابن واحد يسوع المسيح فلا يجزاء او يفصل الانسان عن الله فالمسيح ابن ورب وبالتالي هو اله ورب الجميع وليس عبدا لنفسه ولا سيدا لنفسه. وأن مريم هي والدة الرب. وشدد الاسقف كيرلس بأن من لايعترف بذلك هو ملعون ومحروم ).. وهذا هو الغلو بعينه بدأ في شكل صراع فكري ولفظي تطور حتي اصبح من يعقتد به انسان مهرطق..
قال تعالى (يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ وَلَا تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَلَا تَقُولُوا ثَلَاثَةٌ انْتَهُوا خَيْرًا لَكُمْ إِنَّمَا اللَّهُ إِلَهٌ وَاحِدٌ سُبْحَانَهُ أَنْ يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ) النساء ايه 171.
وبعد ان توفي الامبراطور (تيودوسيوس الثاني) عقد مجمع خلدونية في روما عام 451م . حضره قائد الجيش الذي اصبح الامبراطور ماركيان بعد ان تزوج من الامبراطورة بولكاريا اخت الامبراطور تيودوسيوس الثاني .لكن بعد وفاته وتولي ماركيان وبولكاريا الحكم كانت نهاية حقبة وقوة كنيسة الاسكندرية . فمن انتصر وفاز قبل عشرون عام في مجمع افسس عام 431م حين تم إقصاء الفلسفة النسطورية الخاصة بطبيعة المسيح ومنعها من قبل آباء الكنيسة سقط في مجمع خلدونية الاخير خاصة عندما قال بعض الاساقفة ان الاسقف كيرلس اجبرهم تحت تهديد السلاح بالتوقيع علي قرارات المجمع المسكوني في مجمع افسس الثاني لادانة نسطور. فكان التحول بما يوحي انه كان لكل بطريرك مناصر من قياصرة روما ومع وفاة احدهم وتولي اخر ترجح كفة فكر علي أخر حتي.. لكن أدى الصراع بعد ذلك حول هذه النظرية إلى تصدع االكنيسة ففصلت الكنيسة السريانية الشرقية عن باقي الكنائس المسيحية في ذلك الوقت. توفي الاسقف يوحنا الانطاكي عام 442م وبعده بعامان توفي كيرلس فنقض الاتفاق بين الكنيستين .فعادت الامور الي سابقها .
وفي عهد القيصر ثيودوسيوس الثاني تولي البطريرك ديسقورس امور كنيسة الاسكندرية وسار علي نهج سلفه كيرلس .وظهر في القسطنطينية الاسقف اوتيخا الذي حاول الدفاع عن اراء كيرلس لكنه خلطها بافكار جديده فلم يستطيع ديسقورس معالجة الامر لانه كان يعتقد ان تيخا امتداد لنسطور . ثم ظهر الاسقف فلافيانوس الذي نادي مرة اخري بالطبيعتين للمسيح اي طبيعته الانسانية وطبيعته كإله في اشارة لاستكمال فكر المذهب النسطوري كما فهمها ديسقورس فكان صراعا مريرا بين الاساقفة اوتيخا وفلافيانوس وديسقورس ومجموعة من اساقفة الاسكندرية من جهه والقسطنطنية وانطاكيا من جهة اخري ومعهم اسقف روما لاون الذي كان ميالا لفلافيانوس ويميل ايضا للنسطوريين . لكن الامبراطور ثيودوسيوس الثاني حسم الامور بعقد المجمع المسكوني عام 449م وعزل فلافيانوس اسقف القسطنطينية الجديد وسجنه. ولكن رفض انصاره ذلك فكانت كل مجموعة لاتعترف بنتائج المجمع الذي تصب قراراته لصالح طرف ضد أخر. فكان ان سجل التاريخ لهذا المجمع استخدام العنف كما منعت فيه قرأة رسالة البابا لاون اسقف روما بضغط من الاسقف ديسقورس . كما ضرب في هذا المجمع بعض القساوسة والاساقفة واجبروا علي المصادقة علي قراراته.
وكما ذكرت من قبل فعندما تزوج قائد الجيش من اخت الامبراطور طلب مرقيانوس أو ماركيان عام 451 ميلادية عقد مجمع ينهي خلاف الكنائس تحت رئاسة البابا لاون الذي كان منشغلا بحروب اوروبا فلم يحضر الاجتماعات واوفد نائبا عنه الاسقف باسكاستيوس من اساقفة روما وهي اول مرة تترأس فيها كنيسة روما مجمعا مكسونيا قيل حضره حوالي330 وقيل اكثر من600 اسقف معظمهم من الشرق فيهم البابا ديسقوروس اسقف الاسكندرية حضر معه بعض أساقفتها ، و حضر بونيناليوس أسقف القدس ومكسيموس بطريرك إنطاكية واتاطولبوس أسقف القسطنطينية. وتاووربتوس أسقف تورس المؤيد لنسطور وأوسابيوس أسقف دولاوس. قرئيت فيه بعض رسائل كيرلس لنسطور .
واعيد قرأة رسالة البابا لاون التي لم تقراء في مجمع افسس عام 449 ميلادية . وحدثت مفاجأت حين اوضح الاسقف باسيليوس أسقف سالونيا انه لم يصادق علي قرارات مجمع افسس تبعه اساقفة اخرون ابدوا ندمهم وتوبتهم علي مصادقتهم علي قرارات مجمع افسس. فتم لوم الاسقف ديسقورس فاعترض واحتج اساقفة الاسكندرية وكذلك اتباعهم لكن تقرر نفي اسقف الاسكندرية ديسقورس الذي توفي عام457م .
واعاد المجمع المسكوني الاعتبار لفلافيانوس اسقف القسطنطينية المتوفي . ووصل المجمع لصيغة توافقية وسطية هي ان المسيح شخص بطبيعتين انسان وإله. لكن لم تعجب هذه الصيغة اساقفة الاسكندرية فرفضوها ورفضوا نتائج المجمع فهم يصرون بطبيعة واحده الهية للمسيح ( لاهوته لم يفارق ناسوته إله واحد بلا إختلاط ) اي طبيعة واحدة ومشيئة واحدة وانفصلوا بعدها بكنيستهم واطلقوا علي نفسهم الارثذوكس أي اصحاب الرأي القويم . أما اتباع روما فاطلق عليهم بعد ذلك بالكاثوليك وهم يعتقدون أن للمسيح طبيعيتين ومشيئتين ..
يصنف المذهب النسطوري بالنسبة للمذاهب المسيحية (الكاثوليكية والأرثوذكسية و معظم الكنائس البروتستانتية) بالمهرطقين والمبدعين لان نسطور يقول بانه لا يوجد اتحاد بين الطبيعتين البشرية والإلهية في شخص يسوع المسيح . بل مجرد
صلة بين إنسان والألوهية ، كما لا يجوز ولا يصح إطلاق اسم والدة الإله على السيدة مريم العذراء كما تقول بذلك الكنائس المسيحية الكاثوليكية والأرثوذكسية , ومريم (عليها السلام) لم تلد إلها بل ولدت إنسان. ويكمل فيقول نسطور كيف يكون الإله جنين ثم طفلا يكبر مع الايام ياكل ويتبرز ويرضع من امه الانسانه الحليب لينمو اي عقل يقبل بذلك .- وهذا مايقوله المسلمون_. مع ملاحظة ان الاسلام ظهر بعد وفاة نسطور. ويقول نسطور عن المسيح عيسي ابن مريم هو انسان حلت عليه كلمة الله أثناء العماد وفارقته عند الصليب . بهذا يكون المذهب النسطوري مخالف للنصرانية التقليدية القائلة بوجود أقنوم الكلمة المتجسد الواحد ذو الطبيعتين الإلهية والبشرية . اما من يقول برأي نسطور فهو مهرطق .
صراع استمر لقرن وربع قرن من عام 325 م الي عام 451م . بعدها تشكلت فرق للنسطوريين من أساقفة المشرق، اعلنوا تحزبهم لمذهب نسطور والانشقاق عن الكنيسة السريانية الأرثوذكسية، وابتعدوا عن الصراع مع كنيسة الاسكندرية فذهبوا إلى المناطق الخاضعة لنفوذ الفرس في المشرق ، وأسسوا لأنفسهم كنيسة خاصة بهم أطلقوا عليها اسم كنيسة الفرس النسطورية. وذهب تلميذهم النجيب الأسقف النسطوري برصوما النصيبيني إلى العراق، فكان يقتل من لايعتقد بفكرهم – وحسب رأي الاقباط - فقتل آلاف المسيحيين العراقيين بدعم من ملك الفرس الوثني ، وتم تحويل جل المسيحيين العراقيين الى النسطورية ، فتوغلت النسطورية في المشرق، وتعاظم نفوذهم في منطقة ما بين النهرين .وهنا لنا ملاحظة كيف يدعم ملك وثني ديانة سماوية. والاساقفة من اصحاب الديانة ذاتها تناحروا علي لفظ انقلب لمعتقد ومذاهب ؟!..
انتشر المذهب النسطوري بعد ذلك بشكل رئيسي بين مسيحي العراق وبلاد الفرس بتشجيع من الساسانيين وذلك لاعتقادهم بأن ابتعاد المسيحيين القاطنيين في
مملكتهم عن إخوانهم من مسيحيي الإمبراطورية الرومانية سيسهل لهم السيطرة عليهم ، ومن ثم اعتنقت النسطورية جماعات من مسيحي الهند . وفي القرن السابع الميلادي امتدت النسطورية إلى الصين حتى منغوليا ويوجد في مدينة شيآن الصينية نصب حجري أقامه أحد المبشرين النساطرة سنة 781 م . كما كان هذا المذهب هو السائد بين مسيحي شبه الجزيرة العربية قبل ظهور الإسلام ومنهم الراهب ورقة بن نوفل. وكانت البحرين مركزهم الرئيسي . وكان تاريخ هذا المذهب في الجزيرة العربية مرتبط فيها بتاريخ الدولة الساسانية و الصراع مع الدولة الرومانية وصراع المناذرة . كما كانت كل من كنيستي المشرق القديم و الآشورية الشرقية تتبني هذا المذهب ومازالتا حتى يومنا هذا ولهم وجود في العراق والصين وايران واسيا الوسطي .
ماذا قالت الاناجيل في وحدانية الله وعبودية المسيح وكونه رسول ....
من انجيل مرقس (الاصحاح١-٣٥)عن المسيح تقول الايه.." وفي الصبح باكرا جدا قام وخرج ومضى الى موقع خلاء وكان يصلي هناك" ... أي ان المسيح عليه السلام يصلي لله..
وفي انجيل مرقس ايضا (الاصحاح ١٢-٢٩)عن المسيح تقول الاية.." فأجابه يسوع أن اول كل الوصايا هي : اسمع ياإسرائيل الرب إلهنا رب واحد"..
ومن نفس(الاصحاح -١٢الاية ٣٢ ) .." فقال له الكاتب : جيد يامعلم . بالحق قلت,لأنه الله واحد وليس اخر سواه ".
وفي انجيل يوحنا (الاصحاح ١٧-٣) .. وهذه هي الحياة الأبدية : أن يعرفوك أنت الاله الحقيقي وحدك ويسوع المسيح الذي ارسلته"..
مما ورد نجد أن هناك اقرار بأن الله اله واحد ويسوع المسيح عليه السلام رسول الله..
النتيجة المستخلصة من هذا البحث انه كان هناك دعاة اصلاح في النصرانية ينفون عن المسيح عيسي ابن مريم صفة الالوهية وعن أمه ذات الصفة لكنهم ورغم توزعهم علي انطاكيا والقدس وبيروت والقسطنطينية وروما وغيرهم من المدن إلا انهم لم يستطيعوا ان يفرضوا العقيدة الصحيحة وانتصرت الكنيسة المرقسية بالاسكندرية عليهم رغم نفي عدد من اساقفتها . هذا يؤكد أن مايدعوا اليه الاسلام له أصل ومرجعية في النصرانية. وان هناك قساوسة ورهبان واساقفة بذلوا جهدا لإعادة النصرانية الي طريقها الصحيح لكنهم لم يفلحوا .. شاء الله وماقدر فعل.
واختم حديثي بقوله تعالى ( لَّقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَآلُواْ إِنَّ اللّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ) وقوله تعالى ( لَّقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُواْ إِنَّ اللّهَ ثَالِثُ ثَلاَثَة ) ..
التعليقات (0)