المناضلة السعودية الشرسة الناشطة في مجال حقوق المرأة السعودية وبالتحديد حقها في سياقة السيارة وخبيرة الأمن الحاسوبي (الكمبيوتر) والأم لطفل واحد وابنة الخُبر (شرقيَّ السعودية) البارَّة (منال الشريف) البالغة من العمر إثنان وثلاثون عاماً ألقت السلطات السعودية (التي تمر بها تغيرات الزمن وهي كأهل الكهف لا علم لها بها ولا خَبَرُ) القبض عليها يوم الحادي والعشرين من أيار/ مايو متلبسة بالجُرم المشهود والذي هو صدق أو لا تصدق قيادة سيارتها بمفردها، وأودعتها السجن تسعة أيام مع المجرمات وصاحبات السوابق وكأني بلسان حالها كان يقول: ربي السجن أحب إلي مما يدعونني إليه. والذي تدعوها إليه سلطات اللحى الصفراء هو الإستكانة والإستسلام للأمر الواقع ولزوم الخِدر مع القواعد من النساء.
وقد استقطب خَبَرُ سجن امرأة الخُبر اهتماما دوليا مكثفا وغير مسبوق ولا معهود وخاصة من النساء حول العالم حتى أن (هيلاري كلينتون مع رفضنا لمكيافيلية السياسة الأمريكية والغربية عموما وازدواجية معاييرها بَيْدَ أن الأسباب في الحالة النسائية السعودية صحيحة) دعت إلى احترام رغبتها ومن خلالها رغبات كل السعوديات في سياقة سياراتهن بمفردهن وفي تعلم السياقة.و كان تدخل منظمة العفو الدولية (أمنستي إنترناشونال مع أنها تكيل بمكيالين وإنْ صحت منها أسباب تدخلها في حالة منال) في قضية منال أسفر عن إذعان الحكومة السعودية المحرجة عالميا إزاء ثورة النساء السعوديات بالإفراج عنها على مضض شديد. وعلى إثر خروجها لم تلزم منال خِدرَها كما تنص الثقافة الذكورية المُبتلاةُ بمركبات النقص وإنما إزدادت إصراراً على المضي قدماً في قيادة حملتها النسوية الثورية الوطنية حتى يتم إصدار رخصة سياقة لها كما صرحت لهيئة الإذاعة البريطانية لأول مرةٍ منذ سجنها وإطلاق سراحها الأسبوع المنصرم والتي إنْ صدرت ستكون الأولى من نوعها في السعودية وقد تدخل كتاب (جينس) للأرقام. لقد صدق (المتنبي) إذ يقول (لو أن كل النساء كمنالٍ) لَفُضلتِ النساءُ على الرجالِ فلا التأنيثُ لاسمِ الشمس عيبٌ ولا التذكيرُ فخرٌ للهلالِ. ليس من شك في أن الحدث الثوري النسائي السعودي لم يولد بمنأىً وبمعزل عن الثورات الشعبية العربية التي يبدو أنها تنتشر كالنار في الهشيم على امتداد الجغرافية العربية على العقول المتكلسة المتحجرة التي لم تكن يوما ولن تكون منتمية لعصرنا الحالي عصر (البوعزيزي) و(منال الشريف)، بل كان العامل الثاني دافعا وحافزا قويين لاستيلاد الظاهرة السعودية الفذة بكل المقاييس والمعايير الإنسانية ونتيجة طبيعية وتلقائية لها ومعامل الإرتباط واضح بينهما. والأسباب تكاد بل هي واحدة بالتمام والكمال - ثُلاثية المطالب الشعبية العربية المتلخصة في الحرية والعدالة والمساواة. وبرغم كل هذا الزخم العالمي النوعي المتضامن والمتعاطف والمتفهم والمساند والمؤيد لحق المرأة السعودية ولا سيما خلال الأسابيع القليلة الماضية في قيادة مركبتها على الطريق العام تستميت الثقافة الذكورية البائسة في الدفاع عن هشاشة منطقها وحجتها التي لا أصل لها لا في القرآن ولا السنة ولا الأثر.
ففي بداية الأسبوع الماضي أصرت محكمة في (جدة) المدينة السعودية على البحر الأحمر في ملاحقة امرأة في الخامسة والثلاثين من عمرها هي الأخرى تجرأت وكسرت التابوه وحاجز الخوف وقادت سيارتها متحدية قرار المنع المتخلف. وقد ادعت أمام القاضي الذي حدد لها موعد المحاكمة في أيلول/سبتمبر أنها لم يكن أمامها من بديل وكانت تريد الذهاب إلى المستشفى لأمر طارئ ولم يكن ثمة من يوصلها واضطرت لسياقة سيارتها. ولأهمية الدعوى القضائية تحدثت (زافي صفر) من جمعية حملة حق المرأة في السياقة مع المرأة التي لم يُعلن إسمها وأخبرتها أنها قالت للقاضي إنه أي- القاضي - لا يتفهم خلفية إقدامها على تحدي قرار الحظر. إن مثل هذا التطور السلبي يبدو أنه لم يجعل المرأة السعودية ترعوي عن المطالبة بحقها والإستمرار في حملتها. فقد ذكرت (منال الشريف) إحدى منظمات ورائدات الحملة أن 1023 إمرأة سعودية من كافة أنحاء المملكة قد اتصلن بالحملة مبديات رغبتهن في السياقة وأن 192 سيدة سعودية أبدين إستعدادهن لتعليم السياقة لأي إمرأة ترغب في تعلم السياقة. وكنتيجة لذلك كله حدث في السابع عشر من حزيران /يونيو وفي شكل توحد إجتماعي تاريخي مع (منال الشريف) حدث فريد من نوعه ويكاد يكون نسيج وحده. فقد خرجت نساء سعوديات كثيرات في كل مدن السعودية تقريبا وهن يَسُقْنَ سياراتهن متحديات محاكم التفتيش الجديدة التي تركت كل قضايا الناس الملحة وتفرغت لمنع نساء ضقن ذرعا بالسائقين الأسيويين وبأزواج الغالبية منهم منانين يذلون زوجاتهم إن هن طلبن منهم توصيلهن إلى مكان ما، كما ذكر كثير من اللواتي تحدثت معهن البي بي سي خلال الأسبوع الفائت.
وكما أكدت منال فإن نساء سعوديات كثر أكدن لها أن يوم الحادي والعشرين من أيار/مايو وهو يوم القبض على منال- قد غير حياتهن بالكامل وأثر إيجابيا فيهن وأن ما بعده ليس مثل ما قبله وأنهن مصممات على انتزاع حقهن في سياقة سياراتهن مهما كلفهن هذا المطلب وأن لا رجعة عن قرارهن حتى ولو أودعن السجون لسنوات وما نيل المطالب بالتمني ولكن تؤخذُ الدنيا غِلابا. ومن المؤشرات الجيدة على تحرك المرأة السعودية الدؤوب أن موقف السلطات السعودية بدأ يلين رويدا رويدا. فبعد أن كانت السلطات تجبر المرأة السعودية التي تتحدى قرار حظر سياقتها للسيارة على التوقيع على تعهد خطي بعدم العودة لتحدي القرار أصبحت الآن تكتفي بتحذيرهن من مغبة تحدي للقرار.
التعليقات (0)