النساء أيضا يتحرّشن بالرجال وللسبب نفسه
لا يمكن التعامل مع التحرش الجنسي، كحالة اجتماعية ونفسية، إلا بصفتها سلوكا يقوم على مبدأ التعبير ومبدأ الكبت. ففي مبدأ التعبير يأتي التحرش ليعكس رغبة طرف بالتقرب أو اللمس أو إبداء رغبة الاتصال الجسدي، وهنا تصبح تحرشا لأنها من طرف واحد ولأنها تتجاوز حرية الاختيار والقبول. أما مبدأ الكبت فيكمن في التحرش لأن من أسباب التحرش، بدون الاهتمام برأي الشريك وقبوله، هو قوة الكبت. ومابين التعبير والكبت يصبح التحرش فعلا متدرجا بدءا من التغزل وانتهاء الى محاولة الحصول على الطرف الآخر بالإكراه، مهما كان هذا الإكراه لفظياً وصوريا.
وللتحرش أشكال مختلفة، منها اللغوي ومنها الجسدي، في التحرش اللغوي يكون الحد الأدنى في التغزل الفاضح كما يجري في شوارع المدن العربية حيث تلقى الفتاة المرتدية لتنورة قصيرة أو بنطلون جينز ضيق على مقاس الجسد كثيرا من الألفاظ الدالة على التحرش الفاضح، كإسماعها كلاماً عن مؤخرتها أو عضوها أو نهديها. وفي التحرش الجسدي، فهو أيضا متدرج إذ يبدأ بمسك اليد أو جذب الشريك بالقوة أو مد اليد الى الخصر أو الكتفين. وإذا تحول التحرش من محاولة الإغواء القسرية إلى محاولة سيطرة جسدية كاملة يصبح اغتصاباً أو محاولة اغتصاب.
الفارق بين التحرش والاغتصاب، أن الأول هو نوعٌ من الإغواء القسري الذي يقوم على فكرة الحصول على الشريك قبل معرفة القبول لديه أو الموافقة، ولذلك يتم تداول الكلام الجريء أو الوقح دون أن يفكر الرجل بأنه في المبدأ لاينم عن ذوق فمابالك بفشل المسعى ولاقانونيته. أما الاغتصاب أو محاولة الاغتصاب فهو الحصول على الشريك بالعنف بعد فشل الإغواء اللفظي أو التحرش الجزئي. وهنا يصبح جريمة بكل معنى الكلمة.
الحالات الأشهر للتحرش هي مايقوم به الذكور إزاء الفتيات، فهي الأعم والأكثر تداولاً، وعادة ماتكون مع سن البلوغ الجنسي وهي أيضا تستمر الى مابعد سن البلوغ في حالات مرضية متطورة ومتراكمة. لكن الحالات الأكثر ندرة للتحرش هي محاولات تحرش النساء بالرجال، وإن كان هؤلاء الرجال أقرب الى الفتيان منهم الى الراشدين. لأن من طبيعة التحرش النسائي بالذكور أن يكون الهدف بالأصغر سنا، تسهيلا لإمكانية أن يترك التحرش أثرا إيجابيا دون مقاومة. وكذلك يكون للخجل دور في العملية فيترك الفتى أسير رد فعل غير مختبر ولاتجربة سابقة لديه. أكثر حالات تحرش النساء بالفتيان تتمثل باللمس والضغط والتقريب، إذ لاتعمد النساء الى زيادة جرعة التحرش أكثر من هذا الحد، ويكون التحرش هنا لسببين، الأول إخبار الفتى بمقبوليته، والثاني تفريغ الدافع الجنسي عبر ضغط الجسد على الجسد ولمس بعض الأجزاء منه وكذلك إحداث القبلات على الوجه وعلى الفم. في حالات الرشد لايكون تقرب المرأة من رجل تحرشا، فهو يملك إمكانية الرفض على المستوى الجسدي والمستوى النفسي، وتكون الحالة هنا مجرد دعوة للعملية الجنسية إنما من طرف المرأة لا الرجل.
في العموم التحرش يعكس الدافع الجنسي وأزمات التعبير عنه ولايتحول ظاهرة إلا إذا صار علنيا وفاضحا كما يحصل في كثير من البلدان العربية حيث تعود الفتيات الى بيوتهن باكيات بسبب سماعهن كلاما بذيئا ما اعتدن عليه في السابق، أو محاولة بعض الرجال أو الفتيان لمس الفتاة من أمكنة حسّاسة مما يترك لديها انطباعا بتعرضها للإعجاب القسري. والفتى المتحرش بحاجة الى تفهم خاص فهو قد يكون متمتعا بدافع جنسي قوي أو بلوغ مبكّر، لذلك لايجب التعامل معه بصفته مرتكبا جرما، بل يجب احتواء قوة دافعه الجنسي في رياضات معينة وإشغالات وعلاقة متوازنة من المجتمع والأهل
التعليقات (0)