رحبت المملكة المغربية بقرار مجلس الأمن رقم 1920 الأخير حول الصحراء، والذي قضى يقضي بتمديد مهمة بعثة "مينورسو" في الصحراء، مدة سنة، أي إلى غاية الثلاثين من شهر ابريل 2011، وجدد دعوته للأطراف من أجل التحلي ب"مزيد من الإرادة السياسية"، ومواصلة المفاوضات بهدف التوصل إلى حل سلمي عادل ودائم ومقبول من لدن الأطراف لقضية الصحراء.
ودعا مجلس الأمن الأطراف (المغرب، وجبهة البوليساريو، والجزائر) إلى مواصلة المفاوضات من أجل التوصل إلى حل سلمي وعادل يقبله الجميع، مطالبا في الوقت ذاته بالتحلي بـ "المزيد من الإرادة السياسية والعمل في مناخ ملائم للحوار بهدف الانخراط بشكل أكثر حزما في مفاوضات معمقة".
وجدد المجلس التأكيد على "دعمه بدون تحفظ للالتزام الذي عبر عنه الأمين العام (للأمم المتحدة) ومبعوثه الشخصي (كريستوفر روس)، للعمل بهدف التوصل إلى حل لقضية الصحراء". مشددا على أن "الإبقاء على الوضع القائم ليس مقبولا على المدى البعيد".
وجاء في قرار مجلس الأمن الدولي أنه بعدما أقر أعضاؤه ال15 بأن الإبقاء على الوضع القائم ليس مقبولا على المدى البعيد، طلبوا "مجددا من الأطراف وبلدان المنطقة التعاون بشكل أكبر وكامل مع منظمة الأمم المتحدة، ومع بعضها البعض لوضع حد للمأزق الحالي والمضي قدما لإيجاد حل سياسي".
وأعرب مجلس الأمن عن ارتياحه لـ "التزام الأطراف بمواصلة مسلسل إجراء محادثات غير رسمية ومصغرة تحضيرا لجولة خامسة من المفاوضات"، مبينا أنه "من الأساسي أن تتحلى الأطراف بالواقعية وروح التوافق لتحقيق تقدم في المفاوضات".
ولوحظ أن مجلس الأمن لم يشر إلى قرارات ما قبل تقديم "مقترح الحكم الذاتي"، الذي سبق أن اقترحه المغرب سنة 2007. إذ جاء في القرار الأممي "أن مجلس الأمن أخذ علما، في قراره الجديد الذي تمت المصادقة عليه بالإجماع، مرة أخرى ب`"المقترح المغربي الذي قدم في 11 أبريل 2007 إلى الأمين العام لمنظمة الأمم المتحدة"، معربا عن ارتياحه "للجهود الجادة وذات المصداقية التي يبذلها المغرب للمضي قدما نحو إيجاد تسوية" لهذه القضية.
كما طالب المجلس من "الأطراف بمواصلة التحلي بالإرادة السياسية، والعمل في مناخ ملائم للحوار بهدف الانخراط بشكل أكثر حزما في مفاوضات معمقة وبالتالي ضمان تطبيق قراراته 1754 (2007)، و1783 (2007)، و1813 (2008) و1871 (2009)، ونجاح المفاوضات".
واعتبر خبراء في العلاقات الدولية أن في ثني القرار الأممي الأخير على "الجهود ذات المصداقية التي يبذلها المغرب للمضي قدما نحو إيجاد تسوية" لقصية الصحراء، إشارة إلى مقترح منح الأقاليم الصحراوية حكما ذاتيا موسعا، يعد توجيها لمسار المفاوضات المستقبلية.
وتضمن قرار مجلس الأمن الأخير دعوته جميع الأطراف بالتحلي بالواقعية وروح الوسطية، وأن تبدي الإرادة السياسية لإحراز التقدم، وهي رسالة تؤكد أن مطلب الانفصال والاستقلال لم يعد واردا، كما حمَّل وبإشارة ضمنية الجزائر مسؤولية تعطيل المفاوضات بين المغرب والبوليساريو، حين طالب بعدم المكوث في وضعية لا تساعد على الاندماج المغاربي وعلى تطوير العلاقات المغاربية، وهي إشارة قوية على عدم تجاوب الجزائر مع المغرب بخصوص قضية فتح الحدود.
وقال دبلوماسي مغربي أن هذا القرار يعد "جوابا بليغا على بعض محاولات (أعداء الوحدة الترابية) توسيع مهمة المينورسو. وأكد المسؤول المغربي، في لقاء مع الصحافة بنيويورك، أن هذا القرار، الذي تمت المصادقة عليه بإجماع أعضاء المجلس الخمسة عشر، يؤكد من جديد على "أولوية المبادرة المغربية للحكم الذاتي" التي تشكل إطارا ملائما لتسوية نهائية لهذا النزاع المفتعل حول قضية الصحراء المغربية لما فيه صالح الشعوب المغاربية.
وأضاف أن "قراءة هذا النص تؤكد عدة حقائق، وتجدد النداءات وتقدم بعض الأجوبة" منها الاعتراف بجهود، والتي أسفرت عن بلورة مبادرة الحكم الذاتي، جدية وذات مصداقية"، وأن مجلس يجعلها أولوية.
وأشار أن هذا الوصف المزدوج يجد تبريره أولا في مسلسل ميز المبادرة التي اختارت مقاربة تشاركية للقوى السياسية وممثلي الأقاليم الجنوبية لبلورتها وصياغتها.
ورحب المسؤول المغربي بتفاعل مجلس الأمن مع المطلب المغرب بإجراء إحصاء السكان المحتجزين في تندوف، وتنفيذ التزامات الأمم المتحدة الخاصة بوضع اللاجئين، والتي يتجلى مظهرها الرئيسي في قيام الجزائر بإحصاء السكان وتقديم تسهيلات" للمفوضية العليا لشؤون اللاجئين. حيث تحيل فقرة من القرار الأممي بالأساس على نداء السيد بان كي مون الذي "يطالب بالتفكير بشكل جدي في فكرة إجراء إحصاء للاجئين وتفعيل برنامج خاص بمقابلات فردية".
واعتبر عدد من المحللين أن هذا يعد ضربة قاسمة لجبهة البوليساريو وأطروحة المطالبة بتقرير المصير، واعتبر القرار دعما وتأييدا لخطوات المغرب في الشروع في تطبيق الحكم الذاتي الموسع بالأقاليم الجنوبية.
وبإجماع مجلس الأمن على المصادقة على القرار الأخير بتمديد بعثة المينورسو لمدة سنة بدل ستة أشهر؛ كما طالبت جبهة البوليساريو بجد وبعد تهديد بإعادة النظر في علاقاتها مع البعثة، ومصادقة القرار أيضا على عدم توسيع صلاحيات البعثة، سيكون حاسما في تطورات قضية الصحراء الغربية، وستكون له تداعيات حاسمة على مستقبل جبهة البوليساريو، لأنه أعاد التأكيد على أن مطلب الانفصال لم يعد بالكاد في الوقت الراهن مقبولا.
واعتبر ذلك حسب المراقبين الدوليين أنها النقطة التي أفاضت كأس جبهة البوليساريو، حيث وجهت اتهاما شديد اللهجة إلى فرنسا، معتبرة إياها بأنها السبب في تقويض الجهود الأممية لصالح المغرب. وكانت الورقة الحقوقية التي ركزت غليها جبهة البوليساريو تحديا كبيرا للمغرب قبل المصادقة على قرار مجلس الأمن الأخير، حيث روج بشكل مهول لمقترح توسيع صلاحيات المينورسو في الصحراء الغربية لتشمل مراقبة حقوق الإنسان، حيث كانت الغاية منه تحقيق مظلة لحماية انفصاليي الداخل في أفق تمكينهم من تحريك الشارع الصحرواي ليُنظم عصيانات مدنية وليطالب في كل لحظة بالانفصال العلني عن المغرب.
وتشير عدة تقارير أن المغرب بدل مساعي شديدة ومركزة لإقناع القوى العظمى بإفشال المخطط الجزائري، وبتوفقه في إقناع مجلس الأمن بعدم القبول بتوسيع اختصاصات بعثة المينورسو، يكون قد كسب رهان سيادته القانونية على الأقاليم الجنوبية وأن المواطنين الصحراويين هم مواطنون مغاربة يسري عليهم ما يسري على نظرائهم المغاربة، وأن القضية الحقوقية في المغرب لها مؤسساتها الرسمية وجمعياتها ومنظماتها الحكومية وغير الحكومية التي تنبه إلى تجاوزات الحقوقية كما هو الحال في باقي دول العالم.
واعتبر عدد من المحللين أن توفق المغرب في إقناع مجلس الأمن بعدم توسيع صلاحيات المينورسو يكون قد كبد دبلوماسية جبهة البوليساريو فشلا كبيرا من شأنه أن يعيد حسابات عدد من الدول التي كانت إلى أمد قريب ميالة إلى طرح الجمهورية الوهمية بخصوص ملف النزاع حول الصحراء.
ومعلوم أن استقراء محتوى المادة الإعلامية لبوابة وكالة ما يسمى بجبهة البوليساريو، لم يعد للأخبار، وإنما تحول إلى موقع لمناشدات للأمين العام ومنظمة الأمم المتحدة للتدخل عبر تطوير آليات عمل بعثة المينورسو لمراقبة الوضع الحقوقي في الأقاليم الجنوبية، وهو المشروع الذي يرفضه المغرب جملة وتفصيل بحكم عدم انسجامه واختصاصات بعثة المينورسو التي تشكلت لمراقبة تطبيق شروط وقف إطلاق النار بين الطرفين سنة 1991، وهو ما يراه المغرب خارجا عن الاختصاصات القانونية والأخلاقية لهذه البعثة، ولأن المغرب يتفهم أن الغاية من هذا المطلب الذي تلح عليه البوليساريو إنما تضليل دعائي سياسي، يقوض الوضع القائم للمغرب وينازع سيادة المغرب وسيطرته على المنطقة عبر قوانين ومقتضيات الدستور المغربي.
وبالتالي الإدعاء أن هناك اعتراف دولي وإجماع بأن الصحراء الغربية يجب أن تتعايش بوضع قانوني خاص بعيدا عن إخضاعها للقانون المغربي، ومن جهة أخرى فلأن نية البوليساريو من وراء ذلك توفير مظلة أممية لحماية التحركات الاستفزازية لانفصالي الداخل، وتحريك عناصر انفصالية على العصيان المدني، مما يفسح المجال لتدخل المنظمات الحقوقي في الشأن الداخلي المغربي، أو على الأقل لمزيد من إثارة الرأي العام الدولي بقضية الصحراء، وتحريضه عبر مدخل حقوق الإنسان.
وتواصل ضغط جبهة البوليساريو عبر هذا المدخل بتنظيم عدد من انفصالي الداخل، والذين يتابعون بتهمة التخابر مع العدو إضرابات عن الطعام بسجن سلا ومراكش، وذلك في تنسيق تام مع الدرع الدبلوماسي للبوليساريو ليقوي مفاوضاته مع المنتظم الدولي، لفرض أجندة سياسية.
كما عمدت البوليساريو عشية الإعلان عن تقرير الأمين العام بان كي مون عن الحالة فيما يتعلق بملف الصحراء (لسنة 2010) إلى تنظيم حملة إعلامية اتهمت تقرير الأمين العام بالمنحاز وبتقرير الميوعة، واتهمت الأمم المتحدة بالرضوخ للضغوطات المغربية، والتنكر لمبادئ الإنسانية القاضية بتقرير مصير الشعوب.
وللرفع من شدة انتقاداتها لوحت جبهة البوليساريو كعادتها بالعودة إلى حمل السلاح، حيث يقول السيد امحمد خداد: "إن الصحراويين ليس بوسعهم البقاء مكتوفي الأيدي إلى الأبد أمام الغطرسة المغربية وخضوع الأمم المتحدة لضغوط فرنسا" و"استعدادهم للدفاع عن أنفسهم وحقوقهم بجميع الوسائل ضد الاحتلال المغربي للإقليم".
وأضاف المسؤولون المغاربة ردا على المطلب بالقول: "نحن مقتنعون بأن مجلس الأمن يدرك إيجابية المغرب وروح المسؤولية السياسية والجيوسياسية لديه، وبأنه إذا كانت هناك منطقة في المغرب العربي تحترم فيها حقوق الإنسان وانخرطت في الممارسة الديمقراطية، منطقة يستطيع المعارضون فيها أن يعبروا عن رأيهم بحرية، فإن هذه المنطقة هي المغرب وليس تندوف ولا الجزائر.
وتشير بعض التقديرات أن هذا النجاح الذي وصف بالكبير وإن على المستوى التكتيكي؛ من شأنه أيضا أن يقوي موقف المغرب ويضع أطروحة البوليساريو الانفصالية في مهب الريح، بعدما كبدها المغرب مؤخرا فرار عدد من اللاجئين نحو المغرب ومطالبتهم الجميع باقتناص الفرص للعودة إلى المغرب. وقد اعتبرت سلسلة العودة التي دشنها عدد من العائدين بأنها بمثابة نزيف حقيقي تعيشه مؤخرا جبهة البوليساريو، يربك حساباتها على مستوى ضبط أمنها الداخلي، بحيث لم يسبق تصاعد مسلسل العودة من بالعشرات في دفعات متتالية، كما يحصل مؤخرا، ويتوقع عدد من المحللين استمرار مسلسل العودة.
وقد علم نهاية الأسبوع الفائت عودة عضوين من مجموعة "الوحدة" للتراث الموسيقي الصحرواي إلى المغرب، من بالماس الإسبانية حيث كانا ضمن مجموعتهم للترويج للأطروحة البوليساريو فنيا، وندد الملتحقون بالاستغلال والتغرير اللذين تعرضا لهما من قبل انفصاليي "البوليساريو" بجزر الكناري.
وقد قدما اعتذارهما إلى الملك محمد السادس وإلى الشعب المغربي عن موقفها المعادي للوحدة الترابية للمملكة، ولارتكابهم خطأ الانقياد وراء دعاية (البوليساريو) بجزر الكناري، جدد عضوا المجموعة تشبثهما بمغربيتهما وبالعرش العلوي، مؤكدين أن عودتهما تأتي استجابة للنداء الملكي "إن الوطن غفور رحيم".
كما التحقت مؤخرا بأرض الوطن مجموعة جديدة من الفارين من مخيمات تندوف تتكون من 45 شخصا، وبعودة هذه المجموعة، يبلغ عدد الأشخاص الذين وصلوا إلى العيون هاربين من جحيم المخيمات منذ 25 مارس الماضي 229 شخصا ضمنهم 37 امرأة.
وفسرت هذه العودة على أنها تعكس الأزمة الخانقة التي تسود بمخيمات تندوف وعلى الظروف المأساوية التي يئن تحت وطأتها المحتجزون بها"، مما "يؤكد قرب نهاية أطروحة الانفصال.
واعتبر عدد من مستقرئ القرارات الدولية، أن أطروحة البوليساريو قد لا تصمد إلى سنة 2011 موعد استصدار مجلس الأمن لقرار جديد لأنه سيتسرب اليأس إلى مخيمات تندوف وستقرر جماعات النزوح نحو المغرب بدل الانتظارية التي أشارت عدة تقارير من داخل المخيمات بأنها صارت مقلقة، وأبات يثير خلخلة حقيقية في بنية جبهة البوليساريو وهو ما ترتب عنه حملة اعتقالات واسعة داخل المخيمات في حق المعارضين للبوليساريو.
وتعزز الموقف التفاوضي المغربي عشية انعقاد اجتماع مجلس الأمن حول قضية الصحراء، بعث أعضاء من مجلس الشيوخ الأمريكي، الأمين العام للأمم المتحدة السيد بان كي مون على تقوية مسلسل المفاوضات الجارية على أساس المبادرة المغربية للحكم الذاتي بالصحراء، التي كان مجلس الأمن قد وصفها ب`"الجادة وذات المصداقية".
وأكد هؤلاء الأعضاء في رسالة موجهة للأمين العام الأممي السيد بان كي مون بمناسبة المشاورات التي جرت بمجلس الأمن بخصوص تمديد ولاية بعثة (المينورسو) أنه "يتعين على مبعوثكم الشخصي (كريستوفر روس) دعوة الأطراف ولاسيما الجزائر، إلى الانخراط بجدية في مسلسل المفاوضات، مع الأخذ بعين الاعتبار الجهود المبذولة من قبل المغرب منذ سنة 2006".
وأبرز موقعو هذه الرسالة، من جانب آخر، أن المقترح المغربي للحكم الذاتي الذي "يتماشى تماما مع الشرعية الدولية، ويستجيب لمبدأ حق تقرير المصير، شكل أساس دينامية جديدة أثمرت مفاوضات واعدة، بهدف نهائي يتمثل في التوصل إلى حل سياسي عادل ودائم ويحظى بقبول جميع الأطراف".
وبما أكده رئيس المركز الأوروبي للاستخبارات الاستراتيجية والأمن السيد كلود مونيكي أن تحويل المساعدات الإنسانية الموجهة إلى سكان مخيمات تندوف "عمل مشترك بين قيادة البوليساريو وبعض الأوساط الجزائرية القريبة من السلطة".
وكان المكتب الأوروبي لمكافحة الغش كشف مؤخرا، في تقرير سري، آليات تحويل المساعدات الإنسانية الموجهة للسكان المحتجزين بمخيمات تندوف.
وعلى غير عادتها علقت البوليساريو فشلها في تحقيق مطالبها في قرار مجلس الأمن الدولي على فرنسا، وحملت على لسان ممثلها في الأمم المتحدة مسؤولية فشل مجلس الأمن في التوصل لقرار جديد متوافق عليه حول توسيع صلاحيات بعثة المينورسو لتشمل مراقبة حقوق الإنسان بالصحراء الغربية.
اتهمت الجبهة في بيان رسمي في نيويورك فرنسا بالقيام بجهود متواصلة لعرقلة مقترحات إنشاء آلية دولية لمراقبة وحماية حقوق الإنسان في الصحراء الغربية.
وذكر البيان أن فرنسا "عملت بكل ما أوتيت من قوة طيلة 35 عاما لمنع الصحراويين من الاستقلال وها هي اليوم تعارض احترام حقوق الإنسان في الصحراء الغربية.
عبـد الفتـاح الفاتحـي
كاتـب ومحـلل صحفـي
Elfathifattah@yahoo.fr
التعليقات (0)