النخلة في الاحساء على شفا حفرة
منذ نشأت واحة الاحساء قبل مايقارب الخمسة آلاف عام اقترن اسمها (باختلاف الاسم التاريخي لها على مر العصور هجر قديما او الاحساء حديثا ) مع ذكر النخلة ، فلا تذكر النخله الا وذكرت الاحساء معها ، والعكس فلا تذكر الاحساء الا وذكرت النخلة الاحسائية والتمر الاحسائي وما يميزه عن غيره من التمور الاخرى . فقالت العرب قديما مثلها المعروف (كحامل التمر الى هجر ) .
ومنذ القدم اعطى الاحسائيون النخلة الكثير من الاهتمام والرعاية لها ، وتميزوا عن غيرهم في كثير من الامور التي تخص النخلة ورعايتها وسبل الحفاظ عليها وجعلها شجرة مثمرة لسنوات طويلة جداً ، فظهرت في الاحساء اثر هذا الاهتمام الكثير من المهن التي تكاد لا تعرف الا في الاحساء ولا تمارس الا من قبل شعب الاحساء . ومن هذه المهن التي لم تعرف الا في الاحساء أو من قبل اهل الاحساء ، مهنة (بط النخلة) على وزن ضرب النخلة ، ويسمى الذي يقوم بهذا العمل (بطاط) على وزن فعال (بتشديد العين ) . وهي عميلة قص الزوائد المتبقية بعد قطع التالف من جريد النخلة (سعف النخلة) من اصلها عند الجذع وذلك بواسطة آله مخصصة لذلك ، مما يجعل النخلة نظيفة من الحشرات التي قد تعيش بين تلك الزوائد والتي قد تؤذيها وقد يتسبب في تلافها وتلاف انتاجيتها من التمور ، كما ان هذه العملية تعطي الفلاح راحة اكبر عن صعوده للنخلة ، بالاضافة الى ذلك تعطي هذه العملية النخلة مظهرا رائع وجميلة ترتاح له النفس عند النظر اليها . اضافة الى تميزهم في رعاية النخلة , تميز تمر الاحساء بجودته العالية التي لا تضاهيها اي تمور اخرى ، كما تميز الاحسائيون في طريق استخدامهم لتمرتها فاستخدموها على عدة اشكال وكان من اشهر الاستخدامات التي تعرف في الاحساء هو (السفسيف) والذي عادة ما يصنع من تمر (الرزيز) مع الدبس المستخرج من التمر ، ويضاف اليه السمسم أو الحلوة (الينسون) أو كليهما ، ويضاف الى ذلك القليل من الزنجبيل حسب الرغبة ليكون شيء يساعد على اعطاء الجسم الطاقة والقليل من الدفء في ايام الشتاء .
ولكن رغم تعلق ابناء الاحساء بالنخلة منذ آلاف السنين الا انه في الاربعين سنة الاخير بدأت مرحلة من الجفاء بينهما ، فذهب الكثير من ابناء الاحساء الى ممارسة المهن الاخرى وبحثوا عن الوظائف التي قد تكون اكثر راحة من الفلاحة ، او ان دخلها اعلى من دخل ناتج العمل في زراعة النخلة مما قد يساعدهم في مواجهة صعوبات الحياة التي بدأت تظهر .فاقتصرت مهنة الفلاحة ورعاية النخلة على فئة قليلة من الناس ، مما جعل البعض من المهتمين بالنخلة من اصحاب الوظائف والمهن الاخرى التي لا علاقة لها بالفلاحة ان استقدموا العمالة الاجنبية ليقوموا بمهام الفلاحة بدلا عنهم في وقت لم يعد لديهم ولا لدى ابنائهم الوقت الكافي للفلاحة . بل اصبح الكثير من الابناء لا يعرف شيء عن النخلة وطرق الاهتمام بها ، ولم تعد النخلة تعني شيء للكثير من الابناء الذين تربوا وعاشوا بعيدا عن اجوائها . في وقت نجد الكثير من المدن والدولة التي لا تعرف عن التمر الاحسائي الا اسمه وطعمه سعت الى زراعة النخلة التي يتم اخذها من الاحساء راجين ان يحصلوا على تمر الاحساء من تلك النخيل المزروعة في لديهم .
وازدادت حدة الجفاء عندما عمد الكثير من ابناء الاحساء الى اقتلاع النخيل وتجريف الاراضي المزروعة بالنخيل المثمرة ، من اجل تحويلها الى اراضي سكنية وبناء المنازل عليها . كل ذلك بسبب قلة الاراضي والمخططات السكنية بالاحساء . وبالذات في قرى الاحساء التي تحتوى على نسبة اكثر من 90 % من النخيل بالاحساء . فنلاحظ ان المخططات تقام وبكثر في جنوب الهفوف وغرب المبرز ، دون ان يكون هنالك مخطط واحد في بقية قرى الاحساء والتي هي في امس الحاجة الى تلك المخططات بسبب قلة الاراضي السكنية فيها .
وقد صرحت بلدية الاحساء منذ فترة طويلة انها بصدد الاتجاه العمراني في الاحساء شرقا ، وتحويلها الى بلدة ساحلية ، بالتجاه القرى التي تفتقر اليها ، وذلك بسبب وصول المخططات بالاحساء الى محجوزات شركة ارامكو غربا ، وفي محاولة الابتعاد اكثر قدر الامكان عن مصنع شركة الاسمنت شمالا .
ولكن حتى الان لم نرى اي مخطط قام شرقا ، واستمر مسلسل تجريف الاراضي واقتلاع النخيل من اجل اقامة المنازل قائم حتى يومنا هذا .
فإلى متى سوف يستمر هذا الحال ؟
ومتى سوف تنفذ البلدية ما وعدتنا به ؟
والى متى سوف تصمت وزارة الزراعة عن هذا الحال ؟
أبعد ان تزال اخر نخلة من موطنها ، وبعد ان لا يبقى في الاحساء من التمرة الا اسمها ، ومن النخلة الا رسمها . سوف نرى قانون يمنع هذا التجريف العشوائي للنخيل ، او مخططات سكنية جديدة قريبة من قرى الاحساء التي تحتضن النخيل . ويروي الاباء في المستقبل انه كان هناك نخلة تعيش في الاحساء منذ خمسة الاف عام . ليصبح بعد ذلك ابناء موطن النخلة يشترون (في حال عرفوه) التمر من البلدان الاخرى !
التعليقات (0)