مواضيع اليوم

النجف

رانيا جمال

2012-02-27 06:32:16

0

فليحة حسن

كنتُ وفي كلّ يوم حين يركن الراحلون الى لحظات أبديتهم الأولى، ويدبُّ النسيان الى أعماق ذويهم فينامون متأسفين، أتسللُ إليكِ اسحب نفسي رويداً رويداً، وأمدُّ يدي صوّب كتفكِ بهدوء أربتُ عليها، تستيقظين ونتسامر حكايا عما كان وما سيكون، أخبركِ... وتخبريني!

أقول سيدتي.....

وابتسم إذ أرى كلّهم فيكِ كلّ عالمي أنتِ أقول لكِ....ومشاكسة مثلكِ كنتُ، وكنتِ حنونة مثل جدتي.لم أكن (آريةً) كبقية أولادكِ وسمرتي سجني ومغايرتي لهم تميزاً لا اختلافاً، غير أنّكِ كنتِ والدتي عن صدق وأبنائي منكِ ينحدرون.

أيتها العاشقة الأبدية وهكذا سميتك قبلاً، غير أنكِ اليوم أرعبتني فهربتُ، ألا تذكرين حين أيقضتكِ على وقع حلم مثل كلّ يوم، فوجئتُ وأنا أراكِ تعتمرينها قسراً فوق رأسكِ، سميتَها جاهاً وعلواً ورمزاً، وهي لم ولن تك كذلك إذ تزورّ النوافذ عنها، وبها تمحى دروب الشمس، وأزداد رعباً وأنا أرى لحية لكِ تستطيل، وأظافر تنشب وأنياب تسن.

ركضتُ........ وصرتُ أعدو فراراً وأنا أراكِ تلتهمين كبد أمي يا فلذتها.... وتمضغين روح أبي - أكان مخطئاً حين دفع عن وجهكِ الليل، وسوّرك بذراعيه لتنامي؟، وتقطعين حبل المشيمة عن طفلي ولم يتجاوز بعد الحلم الى الرؤية، فيسقط نحو الآخرة الغابرة الغادرة.عدوتُ بعيداً عنكِ فأنتِ مدينة تعرف من أين تُنهش الروح،شوارعكِ اكتظت بأسلاكهم الشائكة الشائنة المشينة المهينة، جاؤوا بها لتعليق مِزقنا عليها كشواهد حرب لا تنتهي.

هل تصدقينني وأنا المولودة فيكِ حين أقول معترفة بانني تهتُ،

أجل تهتُ، فقد ضاعت شوارع طفولتي ضاع (المشراك والبراك والحويش والعمارة وعكد اليهودي والولاية وخان المخضر والجديدة وشارع المدينة وحي أبو خالد)ضيعوها مثلما ضاعتْ ملامحكِ،

أيتها المدينة المسترجلة لم يعد حرف الإشارة (هذه) يصلح لملامحكِ فلستِ أنثى لنقول (هذه النجف).

لا، وتستغربين فراري وأنتِ التي كنتِ تعطينه كلّ يوم خنجراً شرعياً ليطعن أيامي،وتطلبين مني المهادنة،قطّعتني إلى نصفين نصف عندكِ وربع نصفي الآخر معي، لا تستودعيني على ما لم تستطيعين حفظه مني،

غير أني مضطرة للابتهال إليكِ كلّ حين لأستودع ما تبقى مني لديكِ،

فسبحانكِ من ظالمة!ماذا لوعدتِ كما الأمس بلهجة نجفية تتكلمين، وركنتِ إلى حائط النسيان قاموسهم الفارسي المقيت؟

يا حبيبتي المهادنة...... لِمَ جعلوكِ تفقدين بهاءك رويداً رويداً وتتصالحين مع حرابهم المفجعة؟لمَ تصمتين الآن وأنتِ ترينهم يقتلعون أشجاركِ ويستبدلونها بالجدب،يقلعون أفراحنا من مضانها ويزرعون صلوات زائفة تفتقد الى ربِّ حنون؟أنتِ مريعة الآن يا حبيبتي بثآليلك التي نبُتتْ بوجودهم،

لمَ لم تشعري بأرواحنا وهم يلتفون عليها خانقين؟

أيتها المدينة التي أحبها بمقدار كرهي وكرهها لي، أجيبيني إن كنتِ عالمة عن بحركِ وقد جفّ، عن صحرائكِ وقد لامستْ السماء،

عن يتم أيامنا، عن صور يعلّقونها بمسامير الكره عنوة فوق صدور شوارعنا، ألا شاهتْ الصور وشاه معلقها وشاه الشاخص إليها من الأبصار،

كيف لكِ أن تميّزين اليوم بين وجوه نساءك وقد تنقبنّ؟، أفهمتِ إذن سبب عشق الرجل مثيله وتكدس العانسات في بيوت أهلهن؟

لن أطالبكِ بعدِّ أيادي المتسولات في (كراجاتكِ)

فهن أكثر من كثروليس لي أن أُحصي الأسبوع فيكِ فهو يبدأ بفاجعة وينتهي (بمقتل)،حتى العيد زحفتْ عليه (الوفيات) وتقلّص،

اعلمي أنني هربتُ بصغيري من رجالكِ وهم يراودونه عن براءة طفولته،

من لحاهم وهي تفّح ورائي بـ(متعة) كذباً حلّلوها، هربتْ من القتل على الحبّ،

أيتها العجوز المختلة، بأي حق تركلين أولادكِ بعيداً عن هدأة حنينكِ، وتدنين الى حضنكِ غرباء العجم؟تمحين أراجيح طفولتنا وتهدينا سلاسل لطم، وقوافل نواح لا تنتهي؟هل تفقهين تسبيحنا الآن، ونحنُ بعيدون عن ثراكِ نغتسل بدموع هجرانكِ؟أبداً لن تتعرفين على ملامحنا بعد الساعة، فقد أسدلوا غيومهم الخانقة على عيونكِ ولم تعودي قادرة على التمييز بين أبنائكِ والتراب بين أعمارنا والخراب،

حباً لكِ يا صالحة للموت وحده،

وتباً لكِ من فاضلة!

شاعرة عراقية

http://www.beladitoday.com/index.php?aa=news&id22=3499




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

من صوري

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي صورة!

فيديوهاتي

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي فيديو !