النبي هرتسل وسفر العودة
بمناسبة احتفال الشعب الاسرائيلي اليوم بعيد استقلاله الـ 62 أقدم للقارئ بعض المشاهد من سيرة هرتسل صاحب نبوءة دولة اليهود ومؤسس الصهيونية السياسية المعاصرة. ولد بنيامين زئيف يعقوب شمعون هرتسل في بودابست في العام 1860, وتلقى تعليمه بروح حركة التنوير اليهودية الألمانية التي أسهمت في صياغة موقفه الايجابي من الثقافة العلمانية. وفي العام 1878 انتقلت عائلة هرتسل إلى فيينا، حيث حصل على درجة الدكتوراة في مجال القانون من جامعة فيينا عام 1884. وأصبح هرتسل في ذلك الحين كاتبا روائيا ومسرحيا، وصحافيا عمل مراسلا في باريس للصحيفة الليبرالية البارزة انذاك"Neue Freie Press" .
وخلال فترة دراسته في جامعة فيينا عام 1882 وقف هرتسل لأول مرة عن كثب على ظاهرة معاداة اليهود الأمر الذي انعكس جليا على سيرة حياته وعلى مصير اليهود قاطبة في القرن العشرين. وفي العام 1894 انتهى من كتابة مسرحية تحمل اسم : الغيتو ( حي اليهود) عبر من خلالها عن رفضه لفكرة اندماج اليهود في مجتمعات غير يهودية أو تغيير عقيدتهم كسبيل لحل القضية اليهودية. وكان هرتسل يبتغي من نشر مسرحيته، خلق نقاش علني بين العالمين المسيحي واليهودي مدفوعا بالامل بان مثل هذا الحوار من شأنه ان يفضي الى نوع من انواع الحلول بين الطرفين وفق قاعدة التسامح والاحترام المتبادل.
وفي العام 1894 كان الحدث الفارق الذي ترك أثره البالغ على هرتسل حيث وجه احد القضاة الفرنسيين تهمة باطلة الى الضابط اليهودي برتبة نقيب بالجيش الفرنسي، ألفريد دريفوس (Alfred Dreyfus) ووقف هرتسل مشدوها امام مشهد الجماهير الحاشدة التي كانت تصرخ "الموت لليهود". اما هرتسل فكان ينظر الى الجماهير ولسان حاله يقول ان لا حل ولا خلاص ولا نجاة لليهود الا بسيادة ذاتية في دولتهم.. لقد ادرك هرتسل ان مظاهر معاداة اليهود باتت متأصلة لا يمكن ازاءها ان تتكلل بالنجاح اي محاولات من بعض القطاعات اليهودية التي كانت تسعى لاندماج اليهود في مجتمعاتهم. وانطلاقا من هذا المبدأ نشر هرتسل كتابه دولة اليهود "Der Judenstaat" خلال العام 1896 عمل من خلاله على إحياء فكرة القومية اليهودية قائلا إن السبيل الوحيد لحصول اليهود على قبول دولي يتمثل في تعزيز وحدة الشعب والمصير ومن خلال التعامل مع المسألة اليهودية في اطار السياسة الدولية ونيل اعتراف المجتمع الدولي والقوى الفاعلة على المسرح الدولي وصولا الى اقامة دولة يهودية نموذجية ومعاصرة تحمل رايات التنوير والعلمانية وتلتزم الحياد وتنحاز الى مبادئ المحبة والسلام.
وقد لاقت افكار هرتسل هذه رواجا وقبولا جماهيريا افضى في النهاية الى عقد المؤتمر الصهيوني الأول في مدينة بازل السويسرية بين 29 و-31 أغسطس آب 1897 برئاسة هرتسل حيث كان هذا المؤتمر الاول من نوعه الذي ينعقد على أساس وطني وعلماني. وقد انبثق عن المؤتمر اعتماد "خطة بازل" من قبل المشاركين حيث عملت هذه الخطة على رسم أهداف الحركة الصهيونية. كما أعلن المؤتمرون عن الهدف الاسمى للصهيونية وهو اقامة وطن للشعب اليهودي في ارض اسرائيل، فضلا عن تأسيس المنظمة الصهيونية كذراع سياسي للشعب اليهودي, وتم انتخاب هرتسل كاول رئيس له. وشهد العام ذاته تأسيس المجلة الأسبوعية الصهيونية Die Velt ومن ثم سعي هرتسل الدؤوب للحصول على اعتراف دولي رسمي يُسمح بموجبه ليهود المهجر بالعودة الى ارض اسرائيل.
كان المؤتمر الصهيوني الاول بمثابة ضربة البداية التي مهدت الطريق لعقد مؤتمرات صهيونية تباعا ، وفي العام 1936 أقدمت الحركة الصهيونية على نقل مكاتبها الى أورشليم القدس. جدير ان نذكر ايضا ان هرتسل نشر خلال عام 1902 كتابا بعنوان "الأرض القديمة الجديدة" Altneuland وصف فيه الدولة اليهودية العتيدة ب "المجتمع المثالي". حيث رسم هرتسل صورة المجتمع اليهودي الجديد في ارض اسرائيل الذي يسعى بشكل دؤوب الى تطوير ذاته استنادا الى اركان التعاون المشترك واخذا باسباب العلم والتكنولوجيا الحديثة الى جانب سن القوانين وتحديد طبيعة العلاقة بين الدين والدولة وغير ذلك. واصفا الدولة اليهودية باعتبارها مجتمعا تعدديا متقدما جديرا بان تحذو الشعوب حذوه او كما قال بان هذا المجتمع سيشكل "قبسا تهتدي بنوره الامم". وقد ظل هذا الكتاب بمثابة القاعدة الاساس للرؤية الصهيونيه فيما بعد.
وفي العام 1903 قام هرتسل بزيارة الى روسيا حيث اصابه الفزع من هول المذابح التي تعرض لها يهود روسيا ثم حضر المؤتمر الصهيوني السادس في نفس العام حيث حمل الى المؤتمرين عرضا بريطانيا لنقل يهود روسيا على وجه السرعة الى أوغندا كملاذ مؤقت او كما وصفه هرتسل "ملجأ ليلي" على طريق العودة الى ارض اسرائيل.. لكن المبادرة البريطانية هذه كان وقعها كالصاعقة على اسماع الحضور وزلزلت اركان المؤتمر وكادت تقع انقسامات في الحركة الصهيونية بل اصبح المشروع الصهيوني برمته على كف عفريت لكن في التالي تم تدارك الامر خلال المؤتمر الصهيوني السابع ورفضت خطة أوغندا جملة وتفصيلا.
وفي هذه المرحلة بدأ هرتسل يشعر بالارهاق نتيجة للجهود المضنية التي بذلها في خدمة الفكرة الصهيونية حيث أصيب على أثر ذلك بالتهاب رئوي كان سببا في وفاته عام 1904 مخلفا وراءه موروثا فكريا هائلا أفضى في نهاية المطاف الى اقامة دولة اسرائيل عام 1948 ، ومن أقوال هرتسل الشهيرة " لا مستحيل مع الارادة " او بصيغتها الحرفية " اذا صدق عزمكم ستتحقق المعجزة " .. وقوله ايضا " وضعتُ أركان الدولة اليهودية في بازل " ..
بقي ان نذكر ان هرتسل تربى في بيت يهودي محافظ وعرف عنه مرافقته لوالده الى الكنيس ايام السبت. كما يظهر جليا من خلال كتاباته اقباله على اللغة العبرية منذ نعومة اظفاره ومحافظته على الاعياد والمناسبات اليهودية ، واما والده يعقوب فكان من المتحمسين لفكرة تحقيق حلم العودة الى ارض اسرائيل وقد تتلمذ على ايدي الحاخام والمفكر اليهودي القلاعي ، كما عرف عن شمعون جد هرتسل تدينه ومحافظته على الصلوات مع الحاخام القلاعي ايضا وكان يؤدي مهمة النفخ في البوق (شوفار) في المناسبات اليهودية اضافة الى الدعم السخي الذي كان يغدق به على الحاخام القلاعي اذ ان الاخير كان من كبار دعاة الصهيونية ومن الذين تركوا أثرا بالغا في نفس هرتسل ..
بنيامين زئيف هرتسل اثناء مؤتمر بازل عام 1898
هرتسل برفقة الوفد اليهودي في أورشليم القدس خلال زيارة تاريخية لارض اسرائيل عام 1900
هرتسل خلال المؤتمر الصهيوني الاول الذي عقد عام 1897
هرتسل خلال القاء كلمته امام المؤتمر الصهيوني في بازل
كنيس يهودي كان يصلي به هرتسل ايام شبابه
ديوان هرتسل
هرتسل في بلدة ريشون لتسيون خلال تواجده في ارض اسرائيل
التعليقات (0)