الناس بين الوعظ والواقع
الوعظ في اللغة العربية هو التذكير بالخير بما يرق القلب وهو ايضاً رسالة الحق والخير لمخاطبة القلب والعقل قال تعالى في كتابه العزيز :
{وَإِذْ قَالَتْ أُمَّةٌ مِنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْماً اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَاباً شَدِيداً قَالُوا مَعْذِرَةً إِلَى
رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ} (لأعراف:164) .
والدين الاسلامي دين موعظة ورحمة، وكتاب الله تعالى غني بالمواقف التي اتسمت بالمواعظ والحكم واحاديث الرسول الاعظم كلها مواعظ.
والوعظ سابقاً كان سلاح الاولياء الصالحين ورجال الدين لتقويم المجتمعات ومحاربة الفساد والظلال واحقاق الحق ونشر العدل بين بني الانسان.
كان الواعظ في زمن الرسول الاعظم ذو منزلة عظيمة في قلوب الناس فهو يأخذ من النبي الكريم التعاليم الدينية وينشرها بين الناس دون غاية، سوى طلب الاجر من الخالق عز وجل وبقي الوعظ على هذا الحال حتى بعد وفاة النبي وفي زمن الخلفاء الراشدين ايضا.
اما اليوم فقد بات الوعظ سلعة يباعان ويتشرى من قبل رجال الدين الذين حملوا الرسالة المحمدية السمحاء على عاتقهم وعكفوا في قصورهم العاجية عن الناس بدلاً من النزول منها وتوجيه الناس الى طريق الصواب.
بدء الوعظ يتراجع عندما انشغل الواعظون بمايغدق عليهم الملوك والسلاطين من اموال وعطايا فباتوا لايعظون سوى الناس البسطاء الفقراء الذين لاحول لهم ولاقوة ويغظون الطرف عن مايفعله الملوك والامراء من ظلم وطغيان.
مشكلة الوعظ عندنا هي ان الواعظون نسوا مهمتهم الدينية والاجتماعية والانسانية وسكنوا قصور العاج يدعون الله بنصر الخلفاء والسلاطين وبطول العمر ويتوعدون الناس بجهنم الحمراء اذا عصوا امر الحاكم ويحملوهم اموراً لاذنب لهم فيها سوى ان اولي امرهم خرجوا عن طاعة الله ورسوله ونسوا ماجاء به الدين الاسلامي الحنيف من عدل ومساواة بين الناس.
الواعظ في مجتمعاتنا العربية اتخذ المنطق الارسطوطاليسي شعاراً له من حيث لايدري ، يقول الدكتور علي الوردي في كتابة (وعظ السلاطين) : ان منطق الواعظين هو المنطق الارسطوطاليسي فهو منطق المرتفين والظلمة فهم يشغلون الناس بهذا المنطق قائلين لهم :لقد ظلمتم انفسكم وبحثتم عن حتفكم بظلفكم ، وبهذا يستريح الظالم لاهياً بترفه وملذاته بينما يستغيب المظلوم ويطلب الغفران).
والوعظ كثيراً مايخرج عن نطاق الافكار السامية التي جاء من اجلها مما يخلق مشكلة كبيرة يجد الباحثون في علم النفس صعوبة بالغة في حلها.
فالمتلقي يقع في حيرة من امره فهو حين يستمع للواعظ تحدثه نفسه بأعتزال الدنيا والاعتكاف وتخصيص كل الاوقات لعبادة الله والالتزام بتعاليم الدين، وهو حين يخرج من عند الواعظ يصطدم بالدينا وبمافيها من مغريات قد تدفعه دفعاً الى اشباع رغبة مافي داخله قد تتعارض وتعاليم الدين
ومما يجعلنا نقف بين سطور الراقصة حروفها ...ان كثرة الواعظون كان من الاجدر ان يكون افضل ولكن مع كثرتهم كثرة اختلافاتهم في مابينهم مما اوقع المتلقي في ازمة من اسمع؟ ومن هو على صواب؟
واغلب الواعظون لا يتكلمون عن مغريات الحياة واسباب العيش المزري
فاغلب تصريحاتهم تكون مفتقرة لواقع الحال...ونفسية الانسان
يتكلمون عن الجحيم الاخرة وعقاب الله
متناسين تماما جحيم دنيا وجمالها ... ولكن ممايجعلنا امام سوال غطه غبار الحياة المتطايرة
هل يهتم الواعظ بالناحية نفسية للمتلقي
ام هدفه الاول او رسالته الاخرة والعذاب ومتناسي الثواب ...؟؟؟
ان رسالة الواعظ يجب ان تعنى بالناحية نفسية والفروق الفردية بين الافراد
نظرا ان لكل انسان طبيعة ونظرة معينة للحياة
فيجب ان تكون رسالة الواعظ تابعة بل مقيدة بهدفين ويجب ان يكون محتواها
الاول _ رسالة تذكير وتنبيه بالنعيم قبل الجحيم ومراعاة المغريات الموجودة في الحياة
وان يكون العقاب اوله النصح ثم التحذير ثم التوبيخ ثم الشدة
الثاني _ ان يبتعدون عن اي وجه من وجوه المقارنة بين الحاضر والماضي
ان كانوا بالماضي يتباهون بالحسب ونسب
وووو....
فاليوم اختلفت الحياة تماما
ولم يعد الامس كاليوم ولااليوم كالغد ومما يجعل حال الواعظون يرثى لها
ابتعادهم عن الوسائل المبتكرة
التي تسهل للعالم فهمهم وجعل رسالتهم مادة دسمة للمطالعة
لانها ترتقي وتعنى بالعقل البشري ونفسيته وتتناول الحياة من جميع الجوانب وان يعملوا جلسات مع بعضهم حتى لايجد احد احرج في متابعتهم
ويجب ان يتحدثوا عن الوسائل الحديثة لايقوموا بتحريمها واتمنى ان يجيب سؤالي هذا احد الواعظون
ماسبب جعلنامن دول العالم ثالث ودول المستهلكة الغير منتجة؟؟؟؟؟
راميار فارس الهركي-العراق
نور العربي -العراق
التعليقات (0)