النازحون اليهود من البلدان العربية هل من إنصاف؟
في الوقت الذي تشغل فيه قضية اللاجئين الفلسطينيين حيزا كبيرا في الصحافة العربية والعالمية ويتم تداولها في أروقة الامم المتحدة وهي ضيف دائم على طاولة المفاوضات ومطلب الساعة بالنسبة للمفاوض الفلسطيني وتملأ أخبارها الصحف والمجلات والمواقع الالكترونية وغير الالكترونية ويطفح بها الخطاب العربي وتشكل باعثا لاستنهاض المشاعر في الخطابات الحماسية، نرى من الجهة الاخرى ان قضية يهود البلدان العربية القادمين والنازحين والمنكوبين والمصادرة ممتلكاتهم والمسلوبة حقوقهم قد أصبحت نسيا منسيا.. ما جعل هذه المسألة في محور الاهتمام الاسرائيلي حيث ترجم هذا الاهتمام في الآونة الاخيرة على هيئة قانون يقر بموجبه البرلمان الاسرائيلي ( الكنيست ) بوجوب تعويض يهود البلدان العربية الذين تدفقوا على الدولة العبرية بأيدي فارغة بعد ان خرجوا او أخرجوا صفر اليدين من ديارهم..
يجيء هذا القانون بعد غياب طويل لقضية يهود البلدان العربية عن الخطاب الاسرائيلي وبعد تجاهل مستمر من قبل الحكومات الاسرائيلية المتعاقبة، تجنبا لاستحضار مآسي النكبة اليهودية والفلسطينية التي حلت على الشعبين عام 48 وما سبق ذلك وما تلاه من احداث، واعتقادا بان الناموس الطبيعي وان كان جائرا في ظاهره ربما يكون قد أنصف الطرفين على الامد البعيد بعد ما وقع من تبادل سكاني طوعي او قسري ربما يصب في مصلحة الشعبين في نهاية المطاف.. لكن تعالي الاصوات العربية والفلسطينية في مسألة اللاجئين الفلسطينيين وإصرار الجانب الفلسطيني على الزج بهذه المسألة لدى كل لقاء اسرائيلي فلسطيني وازدياد المطالبة بعودة اللاجئين الفلسطينيين الى ديارهم وتعويض الباقين ممن رضي بوطن بديل عن ارض اسرائيل "فلسطين" وبات لا يرغب في العودة، كل هذا دفع بقضية النازحين اليهود من الدول والبلدان العربية الى مقدمة الخطاب الاسرائيلي واعاد الى الاذهان مسألة تعويض هؤلاء بعد نزوحهم من ديارهم مخلفين وراءهم اموالا وممتلكات تقدر بالمليارات باتت من نصيب المواطنين والحكومات في تلك الدول.. علما ان النكبة التي حلت بيهود البلدان العربية تفوق بحجمها واهوالها واعدادها وعدتها ما حل بالفلسطينيين، فقد بلغ عدد المنكوبين اليهود الذين غادروا الدول العربية حوالي 856 الف، فيما تشير احصائيات منظمة الاونروا الى ان عدد اللاجئين الفلسطينيين لا يتعدى 650 الف لاجئ.. ورغم هذا بقيت قضية اليهود المنكوبين والنازحين طي النسيان.. بعيدة عن الأنظار وعن الأضواء وكما يقولون "البعيد عن العين بعيد عن القلب"... ما حدا بنا ان نسلط الضوء على هذه القضية المنسية.. علما ان الاسرائيليين ما فكروا يوما بالمتاجرة بهذه القضية ولم يطلقوا على النازحين حتى كلمة لاجئين فهم مرحب بهم في ارضهم وبلدهم.. وقد فتحت دولة اسرائيل ابوابها وقلبها للعائدين والنازحين والمنكوبين من يهود ووفرت لهم المأوى والمسكن وكان انصهارهم سريعا بين اخوانهم اليهود في الدولة العبرية يتساوون معهم بالحقوق والمواطنة، فيما تصر الدول والحكومات العربية على نزع صفة المواطنة عن اللاجئين العرب والفلسطينيين على أرضها وما زالت تظهر بؤسهم للعالم وتجاهر بعدم مساواتهم مع بقية المواطنين بالحقوق والمواطنة وفرص العمل واساليب العيش والكرامة.. نكاية باسرائيل.. زاعمة ان إضفاء صفة المواطنة على هؤلاء من شأنه ان يسدي خدمة لدولة اسرائيل.. مبقية بذلك الباب مفتوحا لعودتهم الى وطنهم فلسطين على حد زعمها..
علما ان النكبة اليهودية لم تكن مبررة كما هي النكبة الفلسطينية، فلم يحارب يهود الدول العربية بلدانهم كما هو حال الفلسطينيين في ارض اسرائيل، بل كان هؤلاء اليهود ضحية صراعات داخلية بين اطراف النزاع في هذه الدول من جهة وبين الصراعات والتناحرات الدائرة بين مختلف الدول العربية من الجهة الاخرى.. ومن الجدير ذكره ان استخدام الورقة اليهودية في الصراعات العربية لم تكن وليدة الصدفة ولم تكن لها علاقة لا من قريب ولا من بعيد بقيام دولة اسرائيل كما يروج البعض، فالتنكيل باليهود في البلدان العربية نسمع عنه منذ أمد بعيد وقد سبق قيام دولة اسرائيل بسنين طويلة.. بداية بالتمييز في شتى المجالات كالاقتصاد والتربية والحياة العامة، مرورا باعمال القتل والبطش باليهود في مناسبات عدة، فقد كانت حصيلة مذبحة "الفرهود" في العراق عام 1941 خلال عيد الاسابيع العبراني 135 قتيل ومئات الجرحى، وتسببت الاضطرابات التي حصلت في ليبيا في نوفمبر 1945 بمقتل 133 يهودي واصابة 400 من الرجال والنساء والاطفال، وفي مصر حصلت اعمال طرد جماعي لليهود تحت جنح الظلام، لتؤدي هذه الاعمال في النهاية الى تهجير جماعي لليهود بطرق قانونية وغير قانونية مخلفين وراءهم أملاكا يهودية وإرثا يهوديا حضاريا عمره مئات السنين.. من مدارس وبيوت عبادة ومستشفيات ومراقد أنبياء.. فيما استولت حكومات الدول العربية على هذه الأملاك واستخدمتها لاغراضها الخاصة..
وطوال هذه الفترة عملت اسرائيل على تغييب النكبة اليهودية عن جدول اعمالها الاعلامي والسياسي، ففي الوقت الذي يصدع العرب والفلسطينيون رؤوسنا ورؤوس شعوب العالم بالحديث عن النكبة الفلسطينية مرددين روايات الظلم والاجحاف الذي لحق بالفلسطينيين، فان أحدا لم يسمع عن الغبن الذي لحق باليهود في الدول العربية..
اما اليوم وفي ظل الحديث الدائر عن دولتين لشعبين والمطالبة الفلسطينية بـ "حق العودة" بات لزوما على اسرائيل ان تطرح مسألة اللاجئين اليهود من الدول العربية، فليس من الانصاف بشيء ان يقر العالم مسألة "اللاجئين الفلسطينيين" ويغفل قضية "اللاجئين اليهود".. علما ان المسميات هنا ليست هي جوهر حديثنا فعبارة "لاجئ" يمكن ان تكون حجة لنا وحجة علينا كذلك الامر بالنسبة للفلسطينيين، فالترحيل القسري لليهود من الدول العربية لا ينفي عن هؤلاء اليهود حنينهم لارض الآباء والانبياء.. ارض اسرائيل.. وان حيل بينهم وبينها لحين من الدهر حين لم تسمح لهم السلطات العثمانية او المملوكية او ما سبقها بالعيش الدائم فوق ترابها، كذلك عبارة "لاجئ فلسطيني" يمكن ان تكون حجة على الفلسطينيين لو علمنا ان وجود العديدين منهم في فلسطين "ارض اسرائيل" لم يتعدى فترة وجيزة من الزمن وافدا اليها من الدول العربية فكيف يكون لاجئا عندما يعود الى وطنه العربي الام!؟ على أية حال لسنا هنا بصدد مساومات ومزايدات كلامية او اصطلاحية.. انما ليس من العدل بشيء ونحن نتناول مسألة الترحيل والتهجير خلال العقود الستة الماضية ان ننتقي بعضها ونتجاوز بعضها الآخر.. هنا تكمن اهمية اقرار القانون المذكور في الكنيست الاسرائيلي والذي يقر بحقوق اليهود النازحين من الدول العربية..
فهل تكون هذه هي الخطوة الاولى لانصافهم..؟؟
التعليقات (0)