كادت الدموع أن تنهمر من عيني حزناً وأنا أقرأ نص رسالة السيد النجيفي الى نواب الشعب العراقي المنكوبين بالرواتب الضخمة، والقصور الفخمة، والرشاوي الفاحشة، وهو يقول لهم "انا اتفهم رغبتكم في الحصول على سيارات مصفحة وذلك لظروف اعمالكم الاستثنائية .... الا انكم ولحساسية وضعكم وتأمينا لثقة الشعب بكم فرجائي منكم ان تتخلوا عن هذا الحق الدستوري ومناقلة أمواله لأبواب أكثر أهمية وحيوية للمجتمع والوطن، وتأجيل اتخاذ مثل هذا القرار الى وقت يكون الشعب فيه أكثر تفهما لعملكم الشاق".
بعد ثمان سنوات من عمل مجلس النواب الموقر، لم تحل مشاكل البطالة وهي الأعلى في العالم، ولم تحل مشكلة الفساد اللذي قضى على ميزانية الدولة ومعها النمو الأقتصادي والبنية التحتية بكهربائها وشبكات مياهها وشبكات الصرف الصحي. ولازالت قوانين الأقاليم والنفط بل والدستور بجلالة قدره بلا قوانين وظوابط واضحة تفسره.
ولكن وعلى الرغم من كل هذه المصائب اللتي تحتاج الى تشريعات سريعة وحاسمة "ولكن بدراسة وعناية فائقة" كي تصدر عن أكبر سلطة تشريعية (بأعتبار أن لدينا سلطات تشريعية عديدة، بل وتنفيذية تقوم بالتشريع أيضاً؟!!) وهي البرلمان العراقي الموقر، ألا أننا نجده منهمكاً بتقسيم "ثروات آبائهم اللتي ورثوها عن المقبور واللتي تسمى" ميزانية الدولة فيما بينهم، ولشراء مصفحات تحميهم؟!.
فهل هذه هي الظروف الاستثنائية، والأعمال الشاقة، اللتي جحدها الشعب الناكر للجميل، والظالم والحقود والحسود والغير متفهم، على نوابه الأبرياء!؟.
أعطى المجلس السابق سلفة بمائة مليون دينار(حوالي تسعون ألف دولار) كقرض لأعضائه، بحجة شراء سيارات مصفحة، الا أن الوقت لم يسعف أحدا وأنتهت الدورة النيابية السابقة دون شراء هذه السيارات المصفحة.
ثم قام البرلمان في نهاية دورته بأسقاط هذه السلفة من ذمة أعضائه كمكرمة لجهودهم؟ واذا ما علمنا ان اكثر من مائة وخمسين نائبا اعيد انتخابهم للدورة الحالية، فإن هذا يعني ان هؤلاء يريدون أن يشتروا سيارات مصفحة بأموال الشعب من جديد، وهم اللذين أخذوا ثمن هذه السيارات مسبقاً؟!.
المشكلة أن أعضاء مجلس النواب العراقي أثبتوا (مرة أخرى وبنجاح ساحق) بعد أنفضاح أمرهم أنهم ينقسمون أما الى جبان، يحاول دفع "الفضيحة" عن نفسه بقوة، وألصاقها بغيره.
فعلى الرغم من أن 222 نائباً من أصل 325 فد صوت لصالح القرار، وأذا ما أستثنينا من يشغل مناصب تنفيذية منهم، واللذين لديهم هذه السيارات (وهم سيقبضون ثمن هذه السيارات بالتأكيد دون حاجتهم اليها) فسنعرف أن لآ أحد من أعضاء المجلس قد مانع من أخذ هذا السحت، ألا من رحم ربي، ألا أن جبنهم أعجزهم عن قول الحقيقة.
وأما الى حرامي قبيح، لايخاف الله ولا عباده جهاراً نهاراً.
مستشارة رئيس الوزراء مريم الريس قالت ان "موضوع تخصيص مبالغ ضمن الموازنة لشراء سيارات مصفحة لاعضاء مجلس النواب لاقى تضخيما اعلاميا وكأنه سابقة خطيرة غير موجودة في دول العالم".
أذا كنت يا سيادة المستشارة تتكلمين عن عن دول مثل أوربا وأمريكا والصين واليابان... فلا وجه للمقارنة بين هذه البلدان اللتي تنعم بقمة الرفاهية والترف، وبين أبناء شعبنا اللذي أصبح يعتبر الكهرباء في الصيف اللاهب ترفاً لايستطيعون تأمينه لعيالهم.
وأذا كنت يا سادة مستشارة كبير الوزراء، تعنين بمثلك هذا رؤساء العرب وأفريقيا وبورما وكوريا الشمالية، فبأس المثل اللذي يساوي بين الدكتاتوريات اللتي تحتاج الى حماية المصفحات، وبين نواب الشعب المنتخبين ديموقراطياً.
ولكن ما عسانا أن نقول؟ وأذا لم تستح، فأفعل ما شأت.
لابد وأن نتعاطف مع السادة نواب الشعب في سعيهم المحموم لشراء سيارات مصفحة بقيمة 50 مليون دولار لحماية أنفسهم؟! فالشعب قد هاج وماج وما عاد يتحمل قباحة أعمال هؤلاء النواب، وبدون المصفحات فأن لا أحد يمكن له أن يتكهن بمصير هؤلاء اللصوص القابعين تحت قبة مغارة علي بابا.
التعليقات (0)