قف أمام المرآة، وانظر في عيون أشقائك الصغار، تذكــَّر أولادك الآن أو بعد حين، اركع لله في بيتك أو في المسجد أو في الكنيسة.
قــُمْ باستدعاءِ كرامتــِك، وتحـَسـَّس ظهرَك وقفاك قبل أنْ يلتهبا لثلاثين عًــاماً قادمة.
تخيـَّل نصيبــَك في مليارات الجنيهات التي تم تهريبـُها، ونصيبك من المياه الملوثة ومن الخضروات المـُسـَرّطـَنة طوال عهد اللعين مبارك.
تأمل في العينين الجميلتين لأعز شاب لديك أو شقيقك أو ابنك أو جارك أو ابن صديقك ، ثم تخيلهما وقد انفجرتا برصاص قنـَّاصٍ كلبٍ تلـَقــَّىَ الأوامر َمن كبار الكبار.
قــِسّ الحدَّ الأقصىَ لمهانتــِك قبل أنْ تغضب، ولكرامتــِك قبل أنْ يبصق عليها البلطجية والقــَتــَلة كما فعلوا في عهد المخلوع.
العــنْ من قاموا بتقسيم الوطن إلى مسلمين وأقباط وعلمانيين وليبراليين و ...
اغمض عينيك وتخيــَّـل لمرة واحدة أن مصر تستجديك، وتستحلفك بالعلي القدير أن تهجر لعدة أيام حزبك، وفرقتك، وموقعك، وعضويتك وأمير جماعتك ..
أول إشراقة منذ خلع الطاغية أنارت مصر ، وبعثت الأمل عندما استمرت كلمة النيابة في محاكمة المجرم حسني مبارك لمدة ساعة كاملة تصف بعضاً من جرائمه، ويسمع منها القاصي والداني ما صمتت النيابة عنه نصف عام حتى دبَّ الشكُّ في قلوب المصريين وأيقنوا أن المحاكمة مسرحية سخيفة، وأن المستشار أحمد رفعت غير مؤَّهــَل للحُكم فيها، وشهادة المشير كانت في صالح اللعين مبارك بزعمه أنه لم يرَ، ولم يسمع، وكان غائباً عن كل القرارات الكبيرة قبيل وخلال الثورة.
والناس تخشى أنْ تكون هذه حبكة ما قبل تجديد الثورة في 25 يناير 2012، فإذا مرت العاصفة ولم تقتلع أركان السلطة الانتقالية، استأنف السفاح مبارك الحــُكم، ليحكــُم القضاء بتبرئته.
السلطة توحي أنها خائفة من 25 يناير 2012 فحسابُ هذا اليوم عسير على الثورة المضادة والمجلس العسكري والجنزوري وفلول النظام السابق ومتظاهري العباسبة.
الجماعات الإسلامية تلعب على كل الحبال في نفس الوقت، وتعطي إشارات خضراء وصفراء وحمراء للجميع، وتريد الحصانة للعسكري، وتستعد لبيع مصر والثورة مقابل احتفاظها بالحصانة البرلمانية فهي السيف البتار لقطع رقاب مخالفيهم.
والسلفيون يعلنون حرب الفتاوى النتنة، ولم يبق غير التأكيد على أن لكل مواطن خمسين جلدة في الصباح سواء أخطأ أم لم يـُخطيء تحسباً لما يجري خلف أعينهم!
مجلسُ الشعب التهريجي سيعقد أولى جلساته قبل 25 يناير، والمصريون المغــَيــَّبون باسم الدين، مع أن الدين بريء من أي جماعة تزعم الحديث باسم الله، أو تحتكر كلمة السماء، أو تفسر الكتب المقدسة انطلاقاً من أهوائها وجهالتها.
كل الدلائل تشير مسبقاً إلى أن الإخوان المسلمين والسلفيين وبعض الوصوليين الآخرين سيكونون رأس الحربة في ضرب يوم تجديد الثورة، وأنهم والمجلس العسكري وأبناء مبارك وفلول النظام البائد سيتماسكون في كتلة واحدة ملتصقة ذات مصلحة واحدة.
إذا كنت راضيا عما تحقق خلال هذا العام، مئات الشهداء،، آلاف الجرحى، عشرات الآلاف من المعتقلين، توظيف البلطجية والخارجين على القانون الذين يخرجون لترويع الناس إذا احتجوا، ويعودون إلى بيوتهم أيام الانتخابات بأوامر عليا، ثم يمارسون إرهابهم للمواطنين فور تلقي الضوء الأخضر من الكبار.
عشرات الشباب فقدوا عيونهم من قناصة في حماية السلطة الانتقالية، عدم استرداد قرش واحد من الأموال المهــَرَّبة، بل عدم اكتراث المجلس العسكري بإعادتها، ازدياد الوضع سوءاً في الغلاء والأمن والعمل والأجور والفساد و ..
وصول قوىَ التخلف إلى مقاعد مجلس الشعب بسبب تمويلها من أحزاب وجمعيات وفــِرَق وجماعات وأصحاب مصالح معادية لمصر، توجــُّه الدولة نحو الطائفية والتكفير والتشدد، وإخضاع المواطنين من بعض قوى الجهل والتخلف الذهني بزعم أن هذه أوامر الله.
التحرش بأختك وابنتك وزوجتك أمام كاميرات الدنيا كلها، وكشف مواضع العفة لبناتنا بحجة التأكد من العذرية، تطويل وتسويف في محاكمة مجرمي العصر المباركي، وعجز المستشار أحمد رفعت عن النظر في قضية مصر الأولى.
التعذيب والانتهاك والمفقودون وأصحاب السوابق الذين تحميهم الشرطة والجيش وهم يهاجمون الثوار من فوق أسطح البنايات الحكومية.
إذا كنت راضيا عن وصول مصر إلى حافة الإفلاس، وعجز عدة حكومات اختارها المجلس العسكري، وعدم إعتذار المشير عن عمله لأكثر من عشرين عاماً مع الطاغية اللعين، ومعرفته بكل أسرار صفقات الأسلحة والأموال المنهوبة وجرائم مبارك وزوجته وابنيهما، وكذلك مئات من جرائم السرقة والنهب والهبر وانتهاك الكرامة والغاز والبترول والأرضي والمنتجعات وغيرها، وصمت المشير عن تزوير انتخابات 2005 و 2010 رغم أنها كانت سمعه وبصره ..
إذا كنت راضيا عن المشهد المصري منذ قيام الثورة، فلا تخرج يوم 25 يناير، واستعد ليوم تلطم فيه وجهــَك علىَ صمتــِك، وتــُلــَمـِّع قفاك لكي لا يؤلم كــَفَّ ضابطِ جيشٍ أو .. شرطة!
أنت أمام خيارين لا ثالث لهما، ولا يوجد هنا تــَدـَرُّج في الألوان والاقتراب والابتعاد وأنْ تلوذ بــ ( نعم، ولكن ..)
إما أنك تكره مصر، وحينئذ ستجد سبعين عذراً لعدم خروجك، وكل عذر منها يقنع سبعين أحمقاً، يرافقهم سبعون جباناً.
وإما أنك تحب مصر وحينئذ ستجد سبعمئة سبب لخروجك يوم تجديد ثورتك، وضعفهم لتصحب معك أهلــَك وجيرانك وأصدقاءك وأحبابك و .. أطفالهم.
لو أقسمت بكل المقدسات أن عدم خروجك يعود إلى حبك لمصر، وخوفك عليها فلن يصدقك إلا الشيطان لأنها كلماته هو بلسانك أنت!
25 يناير 2012 استفتاء أرضي وسماوي، والخيار لك في حماية حبيبتك، أو تبتسم لمغتصبيها ومختطفيها وناهبي ثروتها ومنتهكي حُرمتها و .. كرامتها!
ليس لديك خيار إلا أن تلعن مصر أو أن تمسك بيديها، أن تبصق عليها بصمتك وانحيازك لخصومها، أو .. تحتضنها .
سيقدم لك الشيطان عشرات المبررات لعدم خروجك، ويستطيع أن يأتي لك بآيات من كل الكتب المقدسة، وأن يضع وسوسته على ألسنة أكثر الذين تحبهم من كبار وأقارب وعلماء وفنانين ومثقفين وإعلاميين ليتخدر ضميرك فتنام قرير العين.
عندما ترفض القوى الإسلامية مطالب تجديد الثورة وتكملتها، ثم ينجح 25 يناير 2012 وتتحرر مصر من سارقي ثورتها، فسيخجل كل ملتح من النظر في عيون أهل بلده، وسيتدافع الآلاف للانسحاب من الفــِرَقِ والجماعات الدينية، فكلمة الله لا تدخل من باب مــُزيفي إرادة الشعب، إنما تتنزل علىَ الثوار الأطهار، الأبطال، النبلاء، الشجعان، فرسان العصر.
مناهضتك ورفضك وامتناعك عن الخروج مع شباب الثورة في 25 يناير لاستردادها لا يختلف عن وقوفك بجانب قنــَّاص عيون تساعده في التصويب، وتصفق له كلما انفجرت عين شاب مصري بريء.
هل لازلت ترى أن الأسباب المذكورة غير ُكافية لحثك على الخروج؟
اقرأها من جديد، واحذف منها ما تراه لا يستحق عناء استرداد الثورة، وانظر مرة أخرى في عيون أحبابك، ثم قــُمْ بتحديد خيارك باستخارة الذي لا تدركه الأبصار وهو يدركها، والذي يعرف خائنة الأعين وما تخفي الصدور.
اقرأها مرة ثالثة، ثم توكل على الله.
محمد عبد المجيد
طائر الشمال
أوسلو في 6 يناير 2012
Taeralshmal@gmail.com
التعليقات (0)