مواضيع اليوم

الميديا الكُردية و الثورة السورية: وقفة صمت أم مشاركة في الإحتجاج

حسين جلبي

2012-05-07 20:23:49

0

 بدايةً، أتوجه بالتحية إلى من زرع بأنامله قبل مائة و أربعة عشرعاماً نجمةً كُردية في سماء القاهرة، هذه النجمة التي نتوجه إليها مرةً واحدة على الأقل كل عام، لنتذكر عمل صاحبها الكبير، الذي كان في ذلك الوقت بمثابة بناء هرمٍ كُردي إلى جانب أهرامات مصر الخالدة. و لأحيي كذلك أبناءه و أحفاده الذين يتابعون اليوم رسالته النبيلة، و بشكلٍ خاص هؤلاء الذين رحلوا عنا و لا زالت نجومهم تلمعُ في السماء مثل الشهيد مشعل تمو و رفاقه، و الذين غيبهم النظام القمعي في سجونه و معتقلاته مثل حسين عيسو و رفاقه، و لا نعلم فيما إذا كانو على قيد الحياة.

لقد سألتُ نفسي مراراً قبل أعوامٍ طويلة عن المشاعر التي تكون قد راودت أمير الصحافة الكُردية مقداد بدرخان و هو إذ يرى العدد الأول من صحيفة كُردستان يخرج للنور، ثم يحملهُ كرغيفٍ كُرديٍّ ساخن عبر أزقة القاهرة و شوارعها ما إستطاعت قدميه إلى ذلك سبيلا، يطرق الأبواب أنى توفر له واحدٌ، مُعرفاً بنفسه و برسالة الشعب الكُردي التي يحملها. و كذلك كنت أتساءل عن المشاعر التي يكون قد أحسها الجانب الآخر الذي تلقى تلك الوجبة الدسمة.
غير أن بعض ذلك الجهل بتلك المشاعر، و بأهمية ذلك العمل قد زالا مؤخراً، و أنا أنتظر بلهفة ما تحمله وسائل إعلام كُردية مختلفة، و من ثم عندما أنضممت بجهدٍ متواضع إلى بعض تلك الوسائل من جهةٍ أُخرى، حيث كانت كل مساهمةٍ بالنسبة لي مسؤوليةً كبيرة و كل مساهمة من غيري جائزة أوسكار.
إن الميديا الكُردية في واقعنا الحالي هي مواقع الإنترنت، فلقد إنقطعتُ منذ عدة سنوات عن متابعة وسائل الإعلام الأُخرى و بخاصة القنوات الفضائية الكُردية، بسببٍ من عدم وجود قناة خاصة بالكُرد السوريين من ألفها إلى يائها، و لأن القنوات التي كانت موجودة، كانت عندما تأتي على الخبر الكُردي السوري، تذكره مثل أي قناة أُخرى غير كُردية، أو تصيغه وفق إجنداتها البعيدة أحياناً عن ما يريده المجتمع الذي يتناوله الخبر. و قد تبين في السنة الأخيرة و من خلال متابعة مواقع تلك القنوات على شبكة الإنترنت مثل نوعية البرامج و الضيوف الذين تستضيفهم، و من خلال بعض الكتابات عنها، أن تلك القنوات لا زالت تتابع سيرتها الأولى.  
تعتبر مواقع الإنترنت الكُردية السورية، سواءٌ تلك التي تنشر باللغة الكُردية أو العربية، تعتبر بالنسبة للكُرد السوريين مصدراً جيداً إن لم يكن وحيداً لكل ما يخص الشأن الكُردي السوري في الداخل و في أماكن تواجد الجاليات الكُردية في المغتربات، و قد تمكنت من إحصاء ما يقارب الأربعين موقعاً يقدم جميعها نفسه كمستقل، و هذه المواقع تتشابه مع بعضها البعض في المضمون و كأنها موقع واحد، و يُضاف إليها مواقع الأحزاب الكُردية و عددها يعادل عدد تلك الأحزاب.
لم تقم مواقع الإنترنت الكُردية بشكلٍ عام بتهيأة نفسها لحدث مثل الثورة السورية، و هذا ما يلاحظه المرء من خلال متابعة سوية ما كان يُنشر قبل بدء الثورة و بعدها، إذ لا يلاحظ المرء تغييراً كبيراً، و هذا يدل على عدم قيامها بتطوير أدواتها، كإخضاع العنصر البشري لديها، و الذي قد يكون في بعض الحالات شخصاً واحداً، لدورات تدريبية، أو التفكير في الإستعانة بمراسلين إضافيين، مع التذكير بأن بعض المواقع لا يمتلك مراسلاً أصلاً، كما لم تضاف خدمة البث المباشر للأخبار و تجديدها، إضافة إلى عدم وجود زاوية تعبر عن رأي الموقع في الأحداث الجارية و إقتراح مخارج لها، و تعبر في الوقت ذاته عن هويته، لكي لا يرتبط بأسماء الأشخاص القائمين عليه، كما هو شأن الأحزاب الكُردية. لكنها ـ أي المواقع ـ قد هيأت قراءها لقدوم الثورة السورية من خلال القيام بنقل أخبار موجة الإحتجاجات التي إجتاحت العالم العربي، لا بل أن بعضها كان يعمل بصورة غير مباشرة على إنتقال هذا الربيع إلى سوريا من خلال نشر المقالات و التحليلات التي تتوقع ذلك و تشجع عليه.
لكن الحقيقة هي أن الثورة السورية التي خلقت معادلة جديدة، جعلت بعض المواقع تتفوق على نفسها و واقعها بحيث أثبتت أنها ليست مُجرد مرآة تعكس الواقع، بل أنها تسير أحياناً في خطوات إستباقية كالقيام بتسليط الضوء على المزاج الشعبي، و الذي قد يؤثر في إتخاذ القرارات.
لم ترد أخبار اليوم الأول للثورة السورية، أي التظاهرة التي جرت في سوق الحميدية في معظم المواقع الكُردية و خاصةً تلك التي تعمل من داخل سوريا، لكن في اليوم التالي، 16.03.2011  أوردت جميعها خبر الإعتصام السلمي الذي جرى أمام وزارة الداخلية للمطالبة بالإفراج عن المعتقلين السياسيين، و الذي قامت أجهزة النظام بتفريقه بإستخدام القوة المفرطة و إعتقال العشرات من المحتجين كان من بينهم العديد من النشطاء الكُرد و هنا لا بُد من توجيه التحية لهؤلاء الأبطال بأعتبارهم صانعي الخبر.
شكلت الأيام و الشهور التالية فرصة للجميع لإلتقاط الأنفس بعد سنين طويلة من الملاحقة و التضييق و القمع، فإنشغلت المواقع الكُردية نتيجة ما وفره إرتخاء القبضة الأمنية من حِراك ثقافي و إجتماعي و حتى سياسي بإيراد أخبار هذا الحراك الذي شهد إنتعاشاً، لكنها أبقت عينيها مفتوحتين على الحدث السوري الأبرز الذي كان الكُرد و بدون شك و منذ يومه الأول جُزءاً منه، فنقلته كذلك.
و هكذا تابعت هذه المواقع تغطية يوميات الثورة السورية و بخاصةً في المناطق الكُردية، و لست هنا بصدد عملية تقييم لجميع المواقع و الحديث عن كل منها بصورة منفردة لأن ذلك يستغرق وقتاً طويلاً، غير أن هناك باقة منها لا يستطيع المرء إلا أن يقف بإحترام تجاه الجهد الذي تقدمه، و أذكر منها (ولاتي مه، كميا كُردا، ولاتي، بنكه، عفرين، كا إن إن، عامودة و آفستا كُرد)، إضافة إلى أخرى يضيق المكان عن ذكرها، فهذه المواقع تذهب أحياناً إلى الخبر و لا تنتظره، و بعضها يقوم بفتح باب التعليق على ما تنشره مما يخلق تفاعلاً مع القراء و بينهم، و يعطيهم فرصة للتعبير عن وجهة نظرهم في المادة المنشورة و هذا ما يزيد الفائدة و يخلق مشاعر الشراكة بين الجميع.
تنقسم المواد التي تنشرها المواقع الكُردية عن الثورة السورية إلى: أخبار، بيانات، مقالات رأي و تحليل، إضافة إلى المواضيع الثقافية و كذلك الأخبار الإجتماعية و خاصةً النعوات.
1. الأخبار: بالنسبة لأخبار المناطق العربية الثائرة، أو الأخبار العربية و الدولية المتعلقة بالشأن السوري فقد أخذتها مواقعنا كما هي عن وسائل الإعلام السورية و العربية و العالمية، دون إجراء تعديل عليها، و في أحيان كثيرة دون إشارة إلى المصدر، لكني أود الإشارة بالمقابل إلى أن صحيفة الشرق الأوسط كانت قد أخذت صورة نشرها ولاتي مه لتظاهرة في المنطقة الكُردية، دون أن تشير إلى مصدر الصورة، لا بل قامت بإخفاء شارة الموقع الكُردي لإخفاء فعلتها.
أما أخبار النشاطات و التظاهرات التي كانت تجري في المناطق الكُردية فقد إعتمدت هذه المواقع على تواجد العاملين أو شخص على صلة بهم في منطقة الحدث دون أن يكون مراسلاً بالضرورة، لكن يجب الإشارة مثلاً إلى وجود مراسلين لموقع ولاتي في عدة مناطق في سوريا و كذلك لكميا كُردا.
2. بالنسبة لمقالات الرأي فقد لوحظ أن بعض المواقع تنشر مقالات لا تصلح للقراءة إلى جانب أخرى ذات مستوى عالي، و كان ذلك سبباً في رفع شعبية الموقع و خفض سويته في الوقت ذاته، كما كانت هناك مواقع رصينة نشرت فقط ما تعتقده مفيدا لقضية الثورة، إضافةً إلى نشر مقالات رأي لكتاب عرب تختص بالثورة السورية، لكنها لم تنشر المقالات التي كانت تنتقد الحِراك الكُردي أو الحركة الكُردية السورية إلا في الجزئية الخاصة بإنتقاد جهة سياسية محددة.
3. أما بالنسبة للبيانات فقد عجت بها المواقع الكُردية (المستقلة) و لدرجة الأزعاج، و إحتلت نسبة مئوية كبيرة على صفحاتها، و أغلبها بيانات متناقضة خلقت الكثير من البلبلة، و كانت تعيد المرء إلى أجواء الحرب الباردة التي تعصف بالحركة الكُردية منذُ نصف قرن.
هناك نقطة إيجابية لا يجب إغفالها في عمل المواقع الكُردية ألا و هي إستطلاع آراء النخبة في قضايا مُلحة شغلت الرأي العام الكُردي على مدى عُمر الثورة و ذلك من خلال فتح ملفات بذلك، فلقد فتح موقع ولاتي مه مثلاً خمسة ملفات مهمة بدأها بواحدٍ عن قرار الأحزاب الكُردية قبول دعوة من رئيس النظام للحوار، حيث شارك فيه العشرات من الكتاب و المثقفين و الناشطين، و لعلي لا أكون مبالغاً إذا قلت أن قرار الأحزاب بالعودة عن قرارها و عدم الذهاب للحوار هو نتيجة الشعور بالضغط الذي سببه إجماع الآراء برفضه. الملف الثاني الذي فتحه الموقع و شاركه فيه موقع كميا كُردا أيضاً كان عن تأسيس هيئة تمثيل للكُرد تصبح مركزاً لقرار كُردي موحد، شارك في الملف أربعون كاتباً على واحدٍ من هذين الموقعين فقط، و كان ذلك إنطلاقة لحراكٍ كبير إنتهى بإنعقاد المؤتمر الوطني الكُردي الذي تمخض عنه تأسيس المجلس الوطني الكُردي
قد يُقال الكثير عن المواقع الكُردية و القائمين عليها و عن القصور الذي يعتري عملهم، لكن ذلك في الحقيقة ليس سوى رؤية النصف الفارغ من الكأس، فالمواقع تقدم صورة عن واقعنا، و هو ليس بتلك الصورة الوردية المنظمة، ثم أنها شجاعة نادرة و تضحية كبيرة أن يعمل هؤلاء، و كان معظمهم من الهواة في المجال الإعلامي، على التصدي من تلقاء ذواتهم لمثل هذه المهمة الخطيرة، دون عائدٍ مادي أو إنتظارٍ لكلمة شكر، لا بل يعلم جميع من هو على صلة بالإعلام الكُردي السوري، أن القائمين عليه و العاملين فيه، من إداريين و كتاب، غير متفرغين أصلاً للعمل الإعلامي، و لكل منهم عمله الخاص الذي قد يكون بعيداً عن الإعلام، و حتى نقيضاً له في بعض الأحيان، و الذي يستطيعون بواسطته كسب لقمة عيشهم، و تمويل مشروعهم الإعلامي.
و لنتذكر دائماً أن ثورة كبيرة كالثورة السورية، تجري في كل مدينة و قرية وبيت، قد تعجز وسائل إعلام عملاقة بإمكانياتها المادية خاصةً عن الإحاطة بجميع جوانبها، و تغطية كل ما يجري فيها.

06.05.2012

المقال عبارة عن كلمة ألقيت باللغة الكُردية أمس في الأمسية التي أعدتها رابطة الكتاب و الصحفيين الكُرد بالتعاون مع جمعية نوبهار للثقافة و الفن في مدينة إيسن الألمانية بمناسبة مرور مئة و أربعة عشرة عاماً على صدور أول صحيفة كُردية، و ذلك للنقاش في دور الإعلام الكُردي في حياة مجتمعنا و خاصةً منذ بدأ الثورة السورية. 




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

من صوري

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي صورة!

فيديوهاتي

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي فيديو !