مواضيع اليوم

الميت الحي

عمر شريقي

2009-02-02 08:12:14

0

الميت الحــــــــــــــــــــــي

 

       صدر له شهادة وفاة نظامية

عبد الستار مات 22 ساعة ثم عاد للحياة ليقول :

شاهدت الموت بأم عيني !!

حركتي شلت بالكامل ولم أسمع سوى العويل والصريخ

هذا ما تعلمته من تلك الحادثة المرعبة ،،!!

--------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------

 

دمشق : عمر شريقي

 

فــــــــي ذلك الصباح كنا فــــــــــــي طريقنا لمنزل السيد عبد الستار ( 43 سنة ) والذي أصبح يعرف باسم ( الميت الحي ) دخلنا بلدته واخترقنا السهل الساحلي عبر مزارع الزيتون والحمضيات وأشجار اللوزيات على منحدرات المرتفعات وسط غابات جميلة مزهرة بخضرتها اليانعة وهوائها المعبق بروائح الحقول .

توقفت السيارة بنا فوق قمة عالية تطل على منحدر سحيق من قلب ذلك المنحدر ترتفع هضبة صخرية ضخمة فيها بعض البيوت ومثلما الحال عشية الاحتفال بيوم عرس كان منزل السيد عبد الستار يبدو كذلك ،، ولدى وصولنا المنزل العتيق استقبلنا السيد عبد الستار مرحبا بنا ،،  قلنا له مازحين هل أنت الميت الحي ،، ضحك وقال بصوت مهزوز أترك التفاصيل المثيرة الغريبة بعد أن نشرب الشاي .

 

 

أطير فوق السحاب

عدت منهكا مثقلا بهمومي التي ما فتئت تلازمني كظلي وبعد تناول الغذاء مع الأهل أحسست بنعاس شديد وسرعان ما غط في نوم عميق محتضنا وسادتي التي أعتاد ضمها هاربا بأحلامي من واقعي المرير ، وأنا في نومي أحسست كأنني في حلم جميل أطير فوق السحاب وأرى الفراشات من حولي ولأول مرة أحس بالسعادة الغامرة وقلت في نفسي هل أنا أحلم أم في الواقع ؟ وسمعت صوت زوجتي تناديني لتناول الشاي بعد الغذاء عدة مرات عندها أحسست أن حركتي شلت تماما ولم أسمع إلا صرخات زوجتي التي حاولت إيقاظي دون جدوى ،، وكل هذا وأنا أحس ما يجري حولي وسمعت صراخ الأولاد والأصحاب ،، حينها أيقنت أنه ليس حلما بل أمرا واقعيا هو الموت وعلى الفور حضر الأهل والطبيب والأقارب كنت أشعر بهم جميعا وبحركاتهم حتى أنني أرى ما يحصل في تلك الغرفة ، والطامة الكبرى أنني سمعت الطبيب يقول لأهلــــــــــــــي ( الله يرحموا )

حينها أيقنت أيضا واستسلمت للأمر الواقع وقلت في نفسي هذا هو الموت ( لاحول ولاقوة إلا بالله العظيم ) .

المشيعون أصيبوا بصدمة وفروا هاربين !!

وتابع عبد الستار قصته الغريبة المرعبة قائلا : الغريب في الأمر أنه تم غسلي على طاولة الأموات في بيتي وتم وضعي في تابوت وحملوني على الأكتاف باتجاه الجامع وبعد الصلاة اتجهوا بي إلى المقبرة وأنا دون حراك وبعد وضعي في القبر أقدم أحدهم لرفع الغطاء الأبيض عن وجهي وحل عقدة الكفن استنفرت كل طاقاتي وصرخت كالمجنون عاليا أنا ( ما زلت حيا ) حينها وجدت المشيعون ارتعبوا وأصيبوا بصدمة ومنهم من فر هاربا بعدها ركضت وأنا عاريا بعد نزع الكفن وقام أحد الموجودين بوضع غطاء على جسمي وأعادوني إلى البيت .

لحظات لن تنسى !!؟

ولدى سؤالنا عبد الستار أهم اللحظات الصعبة التي مر بها أجاب : أصعب اللحظات التي عشتها تلك الليلة عندما سمعت الطبيب يقول لأهلي ( الله يرحموا ) وبعد عملية غسلي ونزولي القبر كانت أصعب اللحظات خاصة وأنني أعرف وأعي ما يحدث حولي ، إلا أن الله سبحانه وتعالى أكرم الأكرمين وربما درس لن أنساه طوال عمري .

الخوف ما زال يلازمني ،،

من تلك الحادثة مازال الخوف يلازمني كلما تذكرتها وبالأحرى لن تنسى إطلاقا خاصة بعد أن وجدت نفسي وسط المقابر كما ولدتني أمي ،، جسدي كله يرتعد ،، وشعر رأسي يقف رغما عني ، كما انعقد لساني فلم ينطق إلا بكلمة أنا حي لست ميتا ، وفي فترة الليل لا أستطيع النوم في الظلام وإذا حدث تنتابني حالة هياج غير عادية وأتذكر ذلك اليوم الرهيب .

أتعامل مع الناس بكل احترام ..

أصبحت معروفا في منطقتي بالميت الحي ، وكثير من الناس تستوقفني للحديث عن قصتي فمنهم من يهرب ومنهم يستغرب ويقول سبحان الله ، وبطبيعة الحال أنا ولله الحمد علاقتي مع كل الناس والجيران والأهل ممتازة ولا أحد يزعل مني وبالتالي أنا لطيف جدا ومتعاون إلى أبعد الحدود ، ومن خلال تلك المحنة ظهر لدي أن كل الناس تحبني وهذه نعمة كبرى .

الحياة جميلة ما أروعها ،،

ولدى سؤالنا هل أصبحت أكثر تعلقا بالحياة أم ماذا ؟ أجاب عبد الستار : الحياة رائعة وحلوة يجب أن نستغلها بالعمل الصالح والمعاملة الطيبة وأعتقد أن ما حصل معي هو أن الله يحبني جدا ، وعدت للحياة أكثر إصرارا بتعبدي لله عز وجل والعمل الصالح وفعل الخير ومساعدة المحتاجين ،، .

مسح عبد الستار دموعه وقال بصوت مخنوق : ما حدث لي شيء غريب بالفعل لا يمكن أن يتحمله بشر ويتصوره عقل وختم حديثه قائلا الحمد لله رب العالمين .

تجربة قاسية عشناها

زوجة عبد الستار ( أم عبدالله ) أشارت بقساوة الموقف حينها ولم تصدق ما حدث بل أغمي عليها عدة مرات بعد وضع الماء على وجهها كانت تقول في سرها هل بالفعل عبد الستار مات ؟؟ والله لم اصدق كنت أقولي كان حولي أن زوجي لم يمت ،، إحساسي كان صادقا ولكن القدر وقع عندما شاهدته على المغتسل والنعش وهو محمولا على الأكتاف حينها سلمت أمري لله عز وجل وقلت في نفسي ( إنا لله وإن إليه راجعون ) رحمة الله على عبد الستار كان نعم الزوج والأخ والصديق والحبيب .

ولما سألنا أم عبدالله ما شعورك وعبد الستار دخل البيت ماشيا بعد أن خرجه على الأكتاف قالت : لن أخفي عليك الأمر كان صعبا في البداية ولم أصدق ما قيل ،، ولكنني عندما رأيته فوجئت لا أعرف ماذا أفعل أضحك أم أبكي ؟؟ وللصدق كنت خائفة جدا ولم أتصور ما حدث حينها أغمي علي وقام هو زوجي بمسح وجهي بالماء وقال لي لا تخافي أنا زوجك عبد الستار لقد عشت ولم أموت ، هنا فتحت عيناي وفرحت جدا وضمني إلى صدره فبكى وكل من كان موجود حينها منهم من هرب ومنهم بقي وبكوا جميعا لتلك اللحظات الرائعة والمرعبة بنفس الوقت .

كدت أفقد صوابي

ابنه عبد الله ( 13 سنة ) قال أحسست بالغربة والوحدة واليتم بأنني فقدت والدي الذي أحيه كثيرا وهو كذلك يحبنا جميعا ويشتري لي كل حوائجنا حتى الألعاب يحاول تأمينها لي ولإخوتي الصغار ، هذه التجربة كادت تفقد صوابنا كنت أسأل نفسي من يطعمنا بعد وفاة والدي ؟ ومن يشتري لنا حوائجنا ، لأن أمي لا تعمل بل تقوم على تربيتنا وليس لنا دخل سوى الوالد وبصراحة كنت غير مصدقا أن والدي توفي حتى اللحظة الأخيرة عندما سمعت أن والدي حيا لم أخاف بل تقدمت إليه وقبلته وحمدت الله على سلامته .

فيما قالت ازدهار ( 10 سنوات ) بعفوية أنا كتير مبسوطة لوجود البابا معنا في البيت وبتمنى من الله سبحانه وتعالى أن يحميه ويخليه لنا يارب  .

الحياة لا تساوي شيء

قبل خروجنا من منزل عبدالستار سألناه ما هي أمنيتك في الحياة وماذا تطلب أجاب : كنت أعيش حياة بسيطة يعرفها كل الفقراء الذين يكدحون ليل نهار بحثا عن لقمة العيش الكريم ، وتلك التجربة علمتني أكثر أن أكثر حرصا على البحث عن لقمة العيش الحلال لأربي أولادي أحسن تربية صالحة بعيدة كل البعد عن الحرام ، وكل أمنياتي أن أرى العالم بخير يعمه السلام لأن الحياة لا تساوي شيء ، وأن أرى أولادي بخير وصحة جيدة كما أتمنى أن أعلمهم أفضل تعليم ربما حرمت منه أنا ، لكنني سأعوض نفسي بأولادي سائلا الله عز وجل أن يبعد عنهم كل سوء ومكروه والعالم كله .------------------------------------------------------------------------------------

 

 




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

فيديوهاتي

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي فيديو !