حين يكون الإنسان منا في مراحل حياته الأولى والطفولية ، يتصور أن أحلامه وطموحاته ستتحقق بنفس سهولة ذلك التصور ، خصوصاً وأن الدور الأساسي المُوكل إليه ، أو السكة التي ينبغي له السير عليها هي سكة الدراسة ثم الدراسة ، لنيل أعلى الشهادات ، بالتالي أعلى المرتبات ، مايعني أيضاً إنفاق تلك المرتبات على ناطحات السحاب من الأماني وأحلام اليقظة.
وما أن يبلغ مرحلة الشباب حتى يبدأ بتذوق مرارة الواقع ، فبعد أن نال أعلى الشهادات التي طالب بها والديه ، أومحيطه الأسري ، وبعد أن تبع منهجاً صُور له منذ طفولته على أنه المصباح السحري الذي يحقق به أحلامه وتطلعاته ، يكتشف أن نصف ماحققه ليس لذاته بقدر ماكان لغيره ، ويكتشف أن الوظيفة والمرتب الذي تدره عليه درجة شهادته ضمن تصانيف الوظيف العمومي لايكفي لسد فواتير عزوبيته من كراء وإنارة ..و.. ، فكيف سيبني له بيتا (متواضعا) ويحقق حلمه في الزواج من خطيبته التي خطبها منذ خمس سنوات مضت ؟ وكم عليها أن تنتظر بعد ليجمع مبلغ مهرها وشبكتها .. و ... و ... ؟
لذلك أصبح حال الموظف كحال الشحات في بلداننا النامية ، وتهافت الجميع خلف جمع النقود ، وزيادة المداخيل بشتى الطرق ، ماولّد فوضىً عارمة في شتى مظاهر الحياة اليومية ، وهم في ذلك معذورون ، وحكوماتنا تستحق ما يتمخض عن كل ذلك من تداعيات للأوضاع ، لأن سياساتها ليست فيما تدّعيه من مصلحة لشعوبها ، بقدر ماهي سياسة لملأ جيوب فئات معينة على حساب الشعوب الرازحة تحت وطأة التجويع ، فالمرتبات الشهرية لاتغطي المصاريف الضرورية لأصحابها ، فكيف ستحقق طموحاتهم الأكبر منها بكثير ؟ ..
وإذا ما أرادت الحكومة التخفيف من تلك الضغوط تنتهج سياسات أقل مايقال عنها أنها تحايلا ونفاقاً ، وإلا ماذا نسمي رفع الأجور في نفس الوقت الذي ترتفع في أسعار المواد الأولية مثل الدقيق ، والزيت ، والسكر ، والشاي ، والقهوة ... و .. وحتى حفاظات أطفالنا ... ؟
طبيعي أن تبقى أوطاننا نامية ، وسياساتها إعتباطية لاترفع من معدلات التنمية بقدر ما تُبقي كل المؤشرات في النازل ، وحتى مؤشر الوطنية.
تاج الديــــن : 2009
التعليقات (0)