مواضيع اليوم

الموظفون الأشباح مصاصي أموال الميزانية العمومية

إدريس ولد القابلة

2012-11-29 23:08:16

0

 

  

 

الموظفون الأشباح

مصاصي أموال الميزانية العمومية



في الوقت الذي أضحت فيه الدولة ليست مشغلة بقدر ما هي ميسرة وموجهة ومؤطرة لسوق الشغل، لا زالت ظاهرة الموظفين الأشباح لم ترسو على حل مجدي وفعال.

في هذا الوقت ظلت القوى الحية في البلاد تعمل على التصدي لظاهرة الموظفين الأشباح الذين يستنزفون أموالا طائلة من ميزانية الدولة دون أن يقدموا أية خدمة تذكر.

فكم عددهم وكم يكلفون ميزانية الدولة وكيف السبيل لكشفهم والتصدي المجدي والفعّال لهذه الظاهرة ؟

 

كم هم؟

حسب المعطيات التي أدلى بها محمد نجيب بوليف الوزير المنتدب لدى رئيس الحكومة المكلف بالحكامة والشؤون العامة ، يبلغ عدد  الموظفين الأشباح الموجودين بالوظيفة العمومية مابين 70 و 90 ، من أصل ما مجموعه 800  ألف موظف في القطاع العام، هذا ما يمثل ما بين 10 و 12 بالمائة من مجموع الشغيلة العمومية بالمغرب.

في حين أقرت مصادر من رئاسة الحكومة أن هناك 500 ألف موظف شبح،  يكلفون دافعي الضرائب كتلة أجرية تفوق 9800 مليار سنتيم، أي ما يعادل ثلث ميزانية الحكومة،  كما تمثل أكثر من 11 في المائة من الناتج الداخلي الخام. هذا في وقت تؤكد كافة المصادر الرسمية على عدم  الحكومة  على أي دراسة أو بحث موثوق فيه ومقنع لحجم الموظفين الأشباح، باستثناء العملية التي  أجريت فيما بين سنتي 2006 و 2009 و التي آلت في نهاية المطاف إلى إيقاف 1000 موظف ثم التشطيب عن 690 موظفا. وقد أصدر الوزير الأول  منشور "إعادة الانضباط" للوظيفة العمومية الذي تضمن عدة إجراءات  لضبط دخول و خروج الموظفين إلى مقر عملهم، و ضبط حالات التوقف غير المشروع عن العمل سواء اليومي أو غير المحدد. و من بين الآليات التي سيتم اللجوء إليها تحميل المسؤولية الصارمة للمسؤولين المباشرين داخل قطاعاتهم في تحديد لوائح الغيابات، و عدم التستر على الموظفين الأشباح و المتغيبين و تقديم لوائح تثبت حضور الموظفين تحت طائلة معاقبتهم في حالة عدم التصريح بوضعيات موظفيهم. كما فرض المنشور على كل مديريات الموارد البشرية تتبع حالات التغيب و تسجيل تقرير بصددها، و تمكين رؤساء السلطة الإدارية داخل القطاعات الوزارية من رؤية واضحة عن فعالية موظفيهم ومردوديتهم.

كما تأكد أن الجماعات المحلية بالمغرب والتي يفوق عددها 1280 جماعة محلية تبقى البؤرة المحتضنة للموظفين الأشباح، وتليها وزارة المالية ووزارة التربية الوطنية ووزارة الشبيبة والرياضة في المرتبة الثانية ثم وزارة الثقافة . وحسب أغلب المتتبعين إن العامل الحزبي والسياسي هو الكامن وراء قيام بعض المسؤولين  بتوظيف الأشباح لمكافأة المقربين والموالين، رغم أن  هؤلاء الموظفين يقتاتون من خزينة الدولة بدون وجه حق ، بل منهم من يمارس مهام أخرى غير وظيفته رغم ترتيبهم  سلالم متقدمة في الأجور، ولم تطأ أقدامهم عتبات مكاتبهم وكل ما يربطهم  بوزاراتهم هو الحوالة التي يقومون بسحبها نهاية كل شهر بالشبابيك الأوتوماتيكية للأبناك.

كم يكلفون وكم يلهفون من الخزينة دون وجه حق؟

إن ظاهرة الموظفين الأشباح تطال مختلف فئات الموظفين العموميين، وبالتالي قد يتراوح أجرهم الشهري بين أدنى وأعلى سلم الأجور المعمول به بالوظيفة العمومية، علما أن أغلب الموظفين الأشباح في السلاليم بين 7 و10 ، أي أدنى ما يتقاضونهم شهريا يقع فيما بين 6000 و  10000 درهم . واستنادا على هذه المعطيات يمكن القيام  بحساب كم تكلف آفة الموظفين الأشباح خزينة الدولة، وذلك حسب سيناريوهات تجعلنا غير بعيدين عن الحقيقة. ويمكن اعتماد 3 سيناريوهات: الحد الأدني ، الحد الأقصى، الحد المتوسط .

الحد الأدنى:

معطيات الحساب: 70 ألف موظف شبح بأجر لا يقل على 6000 درهم شهريا، مما يجعل كلفتهم الشهرية 420 مليون درهم ( 42 مليار سنتيم)، أي 5،04 مليار درهم سنويا ( 504 مليارسنتيم).

الحد الأقصى:

معطيات الحساب: 90 ألف موظف شبح بأجر يناهز 10 آلاف درهم شهريا، مما يجعل كلفتهم الشهرية لا تقل عن 900 مليون درهم (90 مليار سنتيم)، أي 10،8 مليار درهم سنويا ( 1080 مليار سنتيم).

الحد المتوسط:

معطيات الحساب: 80 ألف موظف شبح بأجر لا يقل عن 8000 درهم شهريا، مما يجعل كلفتهم الشهرية الإجمالية لا تقل عن 640 مليون درهم، أي 7،68 مليار درهم سنويا (768 مليار سنتيم).

وبذلك  يكلف الموظفون  الأشباح  خزينة الدولة ما بين 5 و 11 مليار درهم سنويا.

المطالبة بكشف أسمائهم

بدأ الكثيرون يطالبون بنشر أسماء الموظفين الأشباح باعتبارها ظاهرة تدخل بامتياز في نطاق اقتصاد الريع السياسي كما هي نوع من أنواع نهب المال العام، علما أن بعض تصريحات أعضاء الحكومة هنا وهناك أفادت  نشر نتائج دراسة ميدانية حول هذه الآفة واتخاذ إجراءات جديدة للقضاء عليها. وفيما أثار البعض أن للبرلمانيين فرصة سانحة للنقاش بشأن الظاهرة خلال النظر في ميزانية وزارة الوظيفة العمومية وتحديث الإدارة، سيما وأن الغالبية العظمى من الموظفين الأشباح – إن لم يكونوا كلهم كلهم يتمتعون بحماية شخصيات نافذة كانت وراء توظيفهم لأسباب سياسية أو عائلية أو بفعل حسابات مصلحية متبادلة.

ومن المعلوم أن ظاهرة الموظفين الأشباح سبق وأن  طُرحت بحدة في عهد حكومة إدريس جطو عام 2002، وفي الحكومات الموالية من دون أن يوجد لها حل. آنذاك تضاربت الأرقام المعلنة حول حجم هذه الظاهرة، وتراوحت الأرقام المعلنة بين 8 و80 ألف موظف يتقاضون أجورهم التي تحول شهريا إلى حساباتهم المصرفية دون أن يسبق لهم أن وضعوا أقدامهم في الإدارات التي يفترض أنهم يشتغلون بها مقابل الأجر الذي يتقاضونه. وهذا ما دفع البعض إلى المطالبة بإصدار قانون حازم يجرم هذه الظاهرة باعتبارها نوعا من أنواع نهب المال العام، ويعاقب بشدة من يستفيد منها ومن يقف وراءها أو يتسبب فيها. هذا ما دامت

أن المقتضيات القانونية الرادعة الموجودة لم تنفع للتصدي لهذه الظاهرة. في هذا السياق سبق لعبد العظيم الكروج، وزير الوظيفة العمومية وتحديث الإدارة أن أكد نشأة لجنة متخصصة، من أجل بحث أفضل السبل لمحاربة هذه الظاهرة. وتضم هذه اللجنة  وزارة الاقتصاد و المالية ووزارة الوظيفة العمومية و تحديث القطاعات ووزارة الشؤون العامة و الحكامة ووزارة الميزانية، تهتم  بلوائح

المتغيبين و الموظفين الأشباح، و التشاور مع مصلحة الأجور في مديرية الخزينة العامة لتنفيذ إجراءات الاقتطاع و عقوبات مالية.

وقع الخميس الماضي على منشور لمطاردة أشباح الوظيفة العمومية و غيابات الموظفين الذين يناهزون 500 ألف، و يكلفون دافعي الضرائب كتلة أجرية تبلغ 9800 مليار سنتيم، أي ما يعادل ثلث ميزانية الحكومة،  كما تعادل 11 في المائة من الناتج الداخلي الخام. الوزير الحركي، و إن اعترف أن الحكومة لا تتوفر على دراسة مدققة لحجم الموظفين الأشباح، باستثناء العملية التي التي أجريت ما بين 2006 و 2009 و التي انتهت بإيقاف 1000 موظف ثم التشطيب عن 690 موظفا، كذب الأرقام التي وردت على لسان رئيس لجنة العدل و التشريع محمد حنين التي نقلت عن نجيب بوليف، الوزير المنتدب لدى رئيس الحكومة المكلف بالشؤون العامة و الحكامة، قوله إن الوظيفة العمومية تعاني من 80 ألف موظف شبح 

و يتضمن منشور "إعادة الانضباط" للوظيفة العمومية الذي وقعه بنكيران، عدة إجراءات وصفت ب"الصارمة" لضبط وصول و خروج الموظفين، و ضبط حالات التوقف غير المشروع عن العمل سواء اليومي أو غير المحدد. و من بين الآليات التي سيتم اللجوء إليها "تحميل المسؤولية الصارمة" للمسؤولين المباشرين داخل قطاعاتهم في تحديد لوائح الغيابات، و عدم التستر على الموظفين الأشباح و المتغيبين و تقديم لوائح تثبت حضور الموظفين تحت طائلة معاقبتهم في حالة عدم التصريح بوضعيات موظفيهم

    كما فرض المنشور الجديد لرئيس الحكومة على كل مديريات الموارد البشرية تتبع حالات التغييبات و تسجيل تقرير بصددها، و تمكين رؤساء السلطة الإدارية داخل القطاعات الوزارية من رؤية واضحة عن فعالية موظفيهم.

 

لازالت الآفة مستشرية

ففي الوقت الذي يشهد فيه المغرب ، تزايد عدد العاطلين كل سنة ، خاصة في أوساط خريجي الجامعات والكليات وحتى بعض المدارس العليا ، تعرف الإدارة المغربية والمؤسسات المنتخبة ، من مجلس للنواب ومجلس المستشارين والجماعات البلدية والقروية ، ظاهرة عجزت السلطات العمومية عن وضع حد لها، في سياق تخليق الإدارة المغربية ،إنها ظاهرة "الموظفين الأشباح"، الذين يتقاضون رواتب وأجور شهرية من الدولة ، دون تقديم أي خدمات مقابل ذلك ، بل منهم من لم تطأ أقدامه أبدا ، المرفق أو المؤسسة العمومية أو الهيئة المنتخبة التي تم تعيينه فيها كموظف أو مستخدم.

فظاهرة الموظفين الأشباح ، ليست وليدة اليوم في المغرب ، بل ترجع إلى بداية مرحلة ثمانينات  القرن الماضي وما كانت تعرفه الإدارة المغربية آنذاك من فساد سياسي ومالي طال كل أجهزة الدولة ، ساهمت فيه وإلى حد بعيد الأحزاب الإدارية التي خلقتها السلطة و اصطنعت لها أغلبية لتدبير الشأن الحكومي بعد انتخابات مزورة ، كان مهندسها وزير الداخلية السابق المخلوع الراحل إدريس البصري. لقد كان " المنصب المالي"  وليس "ً المنصب الوظيفي"  نوع من المكافأة السياسية والأمنية ، يتم توزيعها على أزواج وأخوات مسؤولين سياسيين وأمنيين وعسكريين. فزوجة أو أخت هذا المسؤول أو ذاك ، كانت تبقى في المنزل لتدبير شؤون أبناها أو عائلتها وتتوصل براتب شهري دون تقديم أي خدمة للدولة ، فالمهم هو المنصب المالي وليس الوظيفي ، ولا مجال للمحاسبة أو المراقبة ، إذ كيف يمكن محاسبة زوجة أو أخت مسؤول سياسي أو وزير أو مسؤول عسكري أو أمني أو حتى مجرد مقرب .

وقد اعتقد جزء كبير من فعاليات المجتمع المدني المغربي ، أن ظاهرة الموظفين والمستخدمين الأشباح ، سيتم استئصالها من الإدارة المغربية والمؤسسات المنتخبة مع بداية حكم الملك محمد السادس ورغبته الأكيدة والقوية في إصلاح الإدارة المغربية ، لكن رغم بعض النجاح الجزئي في مقاومة الظاهرة ، إلا أنها لازالت مستشرية في أكثر من قطاع ومؤسسة عمومية.

لقد تأكد بجلاء أن مستخدمي ببعض المكاتب العمومية ، كالمكتب الشريف للفوسفاط أو المكتب الوطني للسياحة أو المكتب الوطني للنقل ، ظلوا،خلال مشوارهم الوظيفي، يعملون في مهام أخرى ، ويتقاضون رواتب شهرية ، رغم أن أقدامهم لم تطأ أبدا المكاتب. ومستخدمون أشباح بالعديد من الجماعات البلدية والقروية ، أسندت لهم مهام وهمية ، يتقاضون عنها أجورا ، تخصم من ميزانيات هذه الجماعات وتم توظيفهم على هذا الأساس ، بحكم القرابة العائلية التي تجمعهم برؤساء هذه الجماعات أو أعضائها المنتخبين ، وفي هذا السياق لابد من الإشارة إلى المبادرة التي أقدم عليها مجموعة كبيرة من الشباب المغربي، وهي إنشاء تجمع على موقع "الفايسبوك" لمقاومة التشغيل المشبوه في الإدارات والمؤسسات العمومية والهيئات المنتخبة ، كمجلس النواب بغرفتيه الأولى والثانية والجماعات البلدية والقروية.

لقد حاولت الجهات الرسمية المعنية وفي إطار تخليق الإدارة المغربية وباقي مؤسساتها ، جرد عدد الموظفين والمستخدمين الأشباح ، بهدف فصلهم وعزلهم من" مناصبهم المالية" ، إلا أن أغلب هذه المحاولات ، لم تسفر لحد الآن عن نتائج ملموسة وفعالة تضع حدا للظاهرة ، بفعل تواجد لوبي سياسي وأمني يحمي هؤلاء الموظفين الأشباح ، ويعمل على بقائهم في  "مناصبهم المالية".

 

 




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

فيديوهاتي

LOADING...

المزيد من الفيديوهات