قمعت قوات الأمن الموريتانية الأربعاء مظاهرة مطالبة بالتعريب نظمتها المنسقية الطلابية للدفاع عن اللغة العربية في جامعة نواكشوط، للتنديد باعتذار الحكومة للطلاب الزنوج، ونفيها عزمها على تعريب الإدارة على لسان وزير التعليم الثانوي والعالي قبل أيام.
وقامت الشرطة بتطويق الجامعة من بواباتها الرئيسية، ومنعت الصحفيين من الاقتراب منها، وألقت وابلا من مسيلات الدموع، وضربت الطلاب الذين حاولوا الخروج إلى الشارع وكسر الطوق الأمني على الجامعة، واعتقلت عددا منهم.
ورفع الطلاب لافتات تطالب بترسيم اللغة العربية تطبيقا للدستور، كما رددوا شعارات تتهم وزير التعليم بالخروج على الدستور، وتدعو الحكومة إلى احترام الدستور الذي ينص على أن العربية هي اللغة الرسمية للبلاد.
وبحسب ما أكدته مصادر من الطلبة الموريتانيين فإنه تم اعتقال اثنا عشر طالبا، قبل أن يتم الإفراج عنهم بعد ساعات من توقيفهم لدى الأجهزة الأمنية بتهمة السعي لإثارة الشغب وتقويض الاستقرار في الحرم الجامعي.
لكن المظاهرات المطالبة بالتعريب لم تنته بقمع الشرطة لها، وإنما تطورت إلى اشتباكات داخل الحرم الجامعي بين الطلاب الداعين إلى التعريب، وزملائهم من الزنوج الرافضين له، الذين سبق أن تظاهروا خلال الأسابيع الماضية ضد التعريب، وهذه الاشتباكات خلفت جرحى من كلا الجانبين.
وقد تبادل النشطاء الزنوج وزملاؤهم العرب الاتهامات بشأن المسؤولية عن هذه الأحداث، إذ اعتبر النشطاء الزنوج أن سببها سعي منسقية التعريب لإكراه الطلاب على الخروج من فصولهم للمشاركة في المظاهرة، في حين اعتبر طلاب عرب أن سببها محاولة الزنوج عرقلة حق الطلاب الداعين إلى التعريب في التظاهر ضد الفرنسة.
وقد جاءت مظاهرات الطلاب الداعين إلى التعريب بعد تصريحات لوزير التعليم العالي أحمد ولد باهية، خلال لقاء له مع قيادات الطلاب، اعتذر فيها للطلبة الزنوج ونفى نية فرض التعريب، وهو التصريح الذي أثار سخطا واسعا في الأوساط القومية العربية بالبلد.
وقد طالبت أحزاب قومية من بينها حزب حاتم بقيادة صالح ولد حننا، وحزب الصواب بقيادة عبد السلام ولد حرمه، وحزب حركة الديمقراطية المباشرة برئاسة أعمر ولد رابح بإقالة وزير التعليم، ووصفوا تصريحاته في بيانات منفصلة بأنها مذلة ومستهترة بقيم وكرامة الشعب الموريتاني.
وفي السياق ذاته شجب القيادي في حزب اتحاد قوى التقدم اليساري أحمدو الناجي التوضيحات المنسوبة إلى وزير التعليم، وقال إنها تعارض الدستور الذي ينص على أن اللغة العربية هي اللغة الرسمية للبلاد، كما أنها تقضي على آمال أجيال من الشباب تكونوا باللغة العربية، وكان الحري بالحكومة أن تطور العربية، ثم ترسم اللهجات المحلية.
ورغم أن تصريحات الوزير أغضبت القوميين العرب فإنها لم توقف غضب الزنوج بشكل كامل، إذ أكد الناشط الزنجي عبد الله تانديا وهو أحد قادة النقابة الوطنية لطلبة موريتانيا التي تظاهرت ضد التعريب أن طمأنة الوزير غير كافية بالنسبة لهم، فضلا عن أن اعتذاره عن تصريحات وزيره الأول لا يحمل أي مصداقية.
تجدد الجدلفي موريتانيا بشأن حجم ودور اللغة العربية، إذ انتقد حزب اتحاد قوى التقدم أحد أكبر أحزاب المعارضة الموريتانية الأحد تصريحات لمسؤولين موريتانيين تطالب بتطوير اللغة العربية، وتتعهد بالعمل على الرقي بها، وجعلها لغة عمل وتواصل في موريتانيا.
ودان الحزب اليساري المعارض بشدة هذه التصريحات التي وصفها بغير المسؤولة، وقال إنها اكتسبت طابعا إقصائيا شوفينيا، وإنها تتناقض بشكل واضح مع الدستور، مؤكدا في ذات الوقت على "الهوية المتعددة لموريتانيا بأبعادها الإسلامية والعربية والأفريقية الزنجية".
وخلص الحزب إلى أن "مطالب تفعيل ترسيم اللغة العربية وتطوير اللغات والثقافات الزنجية الأفريقية والتمسك باللغة الفرنسية كلغة عمل بالنسبة للمتفرنسين (...) كلها قضايا عادلة قابلة لأن تستغل، في ظل سياسة النظام القائمة على الارتجال وعدم المسؤولية".
وكان رئيس الوزراء الموريتاني مولاي ولد محمد الأغظف قال في خطاب رسمي في وقت سابق إن "موريتانيا ستبقى منقوصة السيادة والهوية ما لم تتبوأ اللغة العربية مكانتها وتصبح لغة علم وتعامل".
وتعهد بالعمل على دعمها وتعميمها باعتبارها لغة عمل وتبادل إداري وبحث علمي، كما دعا العلماء والباحثين والإداريين إلى العمل على ترسيخ استخدام اللغة العربية في ممارساتهم وتعاملاتهم اليومية.
وكان الجدل قد تصاعد في الأيام الماضية حول الوضع الذي ينبغي أن تكون عليه اللغة العربية. ووصل الأمر إلى حد خروج مظاهرات للطلاب الزنوج في جامعة نواكشوط تنديدا بتصريحات الأغظف، لكن قوات الأمن قمعتها واعتقلت بعض قادتها.
وجاء تصريح وزيرة الثقافة الموريتانية سيسي بنت بيدية ليزيد الطين بلة، ويفاقم القضية حين اعتبرت أن من عوائق تطوير اللغة العربية انتشار اللهجات المحلية.
وكانت تلك التصريحات بمثابة القطرة التي أفاضت الكأس على مستوى الشارع الزنجي الذي لم يتأخر في الرد، حيث تتالت التصريحات والبيانات المستنكرة والساخطة على ما تصفه بخطاب رسمي إقصائي شوفيني.
وقد اعتبرت رابطة تطوير اللغات الزنجية (البولارية، السوننكية، الولفية) أن تلك التصريحات كانت مستفزة وآثمة، واتهمت الذين يقفون خلفها بأنهم دائما "يستعملون العربية كغطاء لإقصاء وسحق الزنوج الموريتانيين من جهاز الدولة"، مشيرة إلى أنها لا تعارض اللغة العربية لأنها "لغة ديننا الحنيف"، وإنما تعارض "خطابا باليا جاء لإيقاظ نعرات قديمة".
أما الزعيم الزنجي الأبرز رئيس حزب التحالف من أجل العدالة والديمقراطية–حركة التجديد إبراهيما مختار صار فقد رفض هو الآخر تصريحات الوزيرة، وأبدى تفهمه لاحتجاجات الطلبة الزنوج.
كما أن حركة تحرير الزنوج (أفلام) رفضت هي الأخرى تصريحات المسؤولين الموريتانيين، واعتبرتها دليلا على استمرار العنصرية في عمق الأجهزة الرسمية للنظام الموريتاني.
ومقابل الغضب الزنجي المتصاعد لا تزال الأحزاب القومية تحتفي بتصريحات المسؤولين الموريتانيين، وقد طالبت ثمانية منها في وقت سابق بجعل العام 2010 عام اللغة العربية في موريتانيا، ودعت بمؤتمر صحفي إلى تشكيل فريق برلماني للعمل على تطبيق المادة الدستورية التي تنص على أن العربية هي اللغة الرسمية للبلاد.
ويبدو من الجدل السابق أن قضية التعريب دخلت اليوم مرحلة حساسة بفعل التجاذب العرقي الذي أخذ منحى تصاعديا في الأيام الماضية.
ويرى الكاتب المهتم بقضية العلاقة بين مكونات المجتمع الموريتاني أحمدو ولد الوديعة أن التدافع الحاصل حاليا في موضوع التعريب تقف خلفه عدة أسباب.
ومن أهم الأسباب -حسب قوله- اقتراب تنظيم منتديات عامة حول التعليم يتوقع أن يتم بناء عليها تغيير في النظام التربوي، فحتى أطراف المشهد الثقافي والسياسي والعرقي تريد أن تقوم بأكبر مستوى من التعبئة كي تقوي من موقعها خلال جلسات المنتدى المرتقبة.
عبد الفتاح الفاتحي
التعليقات (0)