هذا هو الشعار الذي ما انفكت حناجر الطلبة الإيرانيين المنتمين للتيار الإصلاحي تردده بين الحين والآخر، وفي معظم المناسبات؛ لكن أن يردده المتظاهرون في ذكرى يوم الطالب الجامعي المصادف 7 ديسمبر "كانون الأول" فذلك يحمل في طياته الكثير من الدلالات القوية والمعبرة عن سخط شريحة كبيرة من الإيرانيين إزاء سياسة القمع والاضطهاد؛ وانتقادهم للرعونة والهمجية في طريقة المعالجة للأزمة الداخلية؛ والتي توالت فصولها بشكل متصاعد، بعد أن تفجرت الموجة الاحتجاجية العارمة وحملات التشكيك في الانتخابات الأخيرة والتي أكدت فوز المحافظين فيها.
لا شك أن الشعارات التي ما يزال المحتجون يرددونها اليوم؛ على الرغم من كثرتها واختلاف مضامينها إلا أنها ليست في عمقها كما هو عليه الشعار "الله أكبر، الموت للدكتاتور". فالمتابع العادي للحراك الشعبي في إيران يلحظ بكل سهولة مدى التصاق هذا الشعب بقيادته الدينية منذ ثلاثين عامًا وأكثر، حيث كانت الشعارات بمنأى ومعزل عن أهم القضايا العالقة للشعب الإيراني الداخلية، فإذا بها تُغرد خارج السرب وتكتفي بترديد شعارات "الموت لأمريكا، الموت لإسرائيل .." وذلك من منطلق أنه لا يمكن أن يُشكل الداخل – وفي لحظة من اللحظات - مصدر خطر أو قلق على الإيرانيين أنفسهم، وعزو كل ذلك لما تحيكه الإمبريالية الصهيوأمريكية من مؤامرات ودسائس. إلا أنه وكما يبدو وبعد مرور ثلاثة عقود من الزمن جاء الجيل الجديد من الشباب ليسجل سابقة غير متوقعة، فينزاح الشعار بذلك إلى ما هو أهم بالنسبة لهم، فيما يلامس همومهم ويستشرف مستقبلهم.
إن ما يحدث اليوم من تراجعات حادة على أكثر من مستوى من الحريات العامة، قياسا بحجم التضخم في الأسعار وارتفاع معدل البطالة بين شريحة الشباب، ناهيك عن تداعيات العقوبات الدولية والحظر الاقتصادي بواقع الملف النووي، كل ذلك كفيل بأن تكون ردة الفعل من قبل الشارع الإيراني كبيرة، بل وتضاهي حجم الفعل نفسه!. وقد يكون مثل هذا التنافس طبيعيا في مجتمع قد لامس الحرية بصورة واضحة، حين راهن على ممارسة ديمقراطية في كيفية تداول السلطة. غير أن الأحداث الأخيرة كشفت عمق أزمة النظام الثيوقراطي بوصفه محتكرًا "للحقيقة المطلقة" ووريثًا شرعيًّا للدين. وبالتالي له أن يشرعن ما يشاء وكيف يشاء تجاه الآخر المختلف!.
والكواكبي في طبائع الاستبداد يقول "إن الاستبداد السياسي متولد من الاستبداد الديني، إذ هما أخوان؛ أبوهما التغلب وأمهما الرياسة، أو هما صنوان قويان، بينهما رابطة الحاجة إلى التعاون لتذليل الإنسان" وهنا مكمن الخطورة خاصة عندما تبرر السلطة كل الممارسات التي من شأنها أن تُخرس الطرف الآخر، ولو استدعى الأمر استخدام كافة الأساليب الشرعية منها وغير الشرعية، بدءًا من مصادرة الرأي وحق التعبير ومرورًا بالمواجهة العنيفة وانتهاءً بالمحاكمات القاسية في حق المعارضين وممن ساهم من الجيل الأول في تفجير الثورة الإسلامية.
وبالعودة لمضمون الشعار "الموت للدكتاتور" وبغض النظر من يكون المقصود به بإمكاننا القول بأن النظام الديني في إيران بات على المحك، بعد أن نذر نفسه للمواجهة غير المعقلنة مع قاعدة اجتماعية كبيرة، لها وزنها وتأثيرها، وإلا كيف تصدح هذه الحناجر بكل جراءة بمثل هذا الشعار الذي كان في لحظة تاريخية من عمر هذه الثورة مسلطا على الخارج في شيطنة أمريكا وإسرائيل، وإذا به يتحول وبالجرأة نفسها وربما أكثر لأن يتحول إلى الداخل، ليصبح ثقافة لدى شريحة لا بأس بها من الجيل الجديد من الشباب الإيراني، فقد يكون الحل في إطلاق ورش الحوار الوطني والذي يجمع كافة الأطراف على حد سواء باعتباره خيارًا من جملة الخيارات التي لا بد منها، بيد أن مثل هذا الخيار - هو بالتأكيد - لا يُعالج المشكلة من جذورها، فليس ثمة ما يشي بالحل إذا ما ظل متمحورا في الشيء ونقيضه، في الفعل ورد الفعل، عندها لا مندوحة من تكرار شعار "الموت للدكتاتور.."!.
---------
مركز آفاق للدراسات والبحوث
a.altaleb@yahoo.com
نشرت هذه المقالة في صحيفة أوان الكويتية.
التعليقات (0)