عبد الهادي فنجان الساعدي
جاء في أحد التقارير الاخبارية المنوعة بان صرفيات العرب على المخدرات بلغت 28 مليار دولار سنويا . ومن خلال استقراء الاحداث تساءلنا : وكم من الطاقة الكهربائية تصرف على الادعية التي لا ندري اين تذهب مع العلم أن الدعاء مقرون الاستجابة باليقين(1). لم لا نلتزم بالادعية لكي نسخرها لخدمة واحترام الانسان بدل قتله ؟!! الم يقل الرسول (ص) "لا تغدروا ولا تمثلوا"(2). ما قيمة الدعاء ونحن ندمر ما خلقه الله "في احسن تقويم" ومن الذي "رددناه اسفل سافلين" ومن المستثني من ذلك ؟!! هل انها حركة التاريخ .. أو هي كثرة المقدسات الحاجزة غير المقدسة !! لقد غيبنا العقل منذ القرن السابع الهجري بالرغم من ان الله سبحانه وتعالى قد خلق الانسان بعقل .. وعقل مفكر ومدبر.. من الذي عطل العقل .. أو غيبه .. انه النهج الساذج او النهج الطموح لمكاسب آنية يحصل عليها في حالة تغييب النهج العقلاني في التفكير(3).
نحن ابناء الامس .. وما زلنا ابناء الامس طالما بقينا نجادل بكل سذاجة عن حلية اكل "الجري" من حرمته .. لقد صرفنا اربعة عشر قرنا من اعمارنا نجادل في ذلك والعالم تحول من قرون الظلام الى عصور التنوير وتركوا لنا المجال واسعا للنقاش الذي يصل حد التصفية الجسدية في امور تشبه الى حد بعيد جدلية "البيضة من الدجاجة أم الدجاجة من البيضة" حتى حسمها الغرب في اخر نظرية اثبتت أن الدجاجة من البيضة وقد غاب عنا بان البيضة تشبه الخلية وقد خلقت الخلية قبل التكوين الاساسي للخلقة سواء كانت حيوانية ام نباتية وهذه النظرية موجودة في القران الكريم من عهد التنزيل الأول .
دار جدل واسع حول القصور الرئاسية التي تركها "تسونامي العراق" ليسكن في حفرة لا تتجاوز بعض الامتار والتي تشبه الى حد بعيد الزنازين الانفرادية التي كان يغيب فيها خيرة رجال العراق من كل الفئات التي صنعت بدمائها وبحياتها شكل صورة النضال الجريئة التي لا تشبه باي حال صور النضال الشريف وغير الشريف لرجال الوقت الحاضر الذين حالفهم الحظ كي ياكلوها "باردة" .
لقد طرح الكثير من الكتاب والمثقفين وغير المثقفين من المسؤولين الاداريين الذين تجمعهم الضرورة الادارية مع الوزراء والمسؤولين في الدولة استغلال تلكم القصور كمراكز ثقافية في الحين الذي بامكاننا ان نضع المراكز الثقافية في أي بيت من البيوت المنتشرة في المدينة . ان معظم الشعوب أو الدول قد جعلت من القصور الرئاسية والملكية والامبراطورية اماكن سياحية يزورها السياح سنويا بالالاف لكي يروا معالم الحياة التي كان يعيشها ذلك الحاكم ويقارنوها بمستوى شعوبهم وعمق معاناة تلكم الشعوب . وفي هذه الحالة يصبح هذا المكان نقطة جذب سياحي نحصل منها على المردود المادي بدل ان ندفع عليها من خزينة الدولة من اجل مراكز ثقافية اثبتت فشلها في كل الفترات السياسية لأنها تتحول بمرور الايام الى مراكز بث فكري ايديولوجي لاكبر الكتل التي تسيطر على تلكم البقعة من ارض الوطن .
أما الفاجعة التي اصيبت بها مدينة بابل التاريخية فهي انعكاس طبيعي لايديولوجيا متخلفة سيطرت على قصر رئاسي داخل محرمات اثارية دمرتها اليات الاحتلال متعدد الجنسيات . وعادت عناصر وطنية شريفة لتكمل ما بداته قوات الاحتلال وقبلها ما بداه "تسونامي العراق" من تشويه وتدمير للبنية الاساسية لهذه المرافق الاثارية .
بنى صدام قصرا على أحد ثلاثة تلول اصطناعية وفي داخل التل مرافق لادارة القصر . كل ذلك داخل المدينة الاثارية القديمة في بابل . وبعد سقوط النظام المريع قام مجلس محافظة بابل بالاستيلاء على القصر بالرغم من انه داخل المحرمات الاثرية وقد تم تشويه القصر بازالة النقوش المغربية الثمينة في قيمتها الفنية وذلك بتقطيع غرف وصالات القصر لغرض تحويله الى "مدينة اعراس" . لقد تم التصويت في داخل المجلس البلدي على هذا الموضوع فكانت النتيجة 19 الى 18 صوتا لصالح تحويل القصر وتعطيل العقل العراقي. أما موقف هيئة اثار بابل فهو الصمت الذي اصبح ثمنه حياة المنتسبين الى تلكم الهيئة (انتهى) .
في احصائية ثقافية وجدنا ان ما يطبع في اسرائيل يساوي ما يطبع من كتب ومجلات في الوطن العربي كله . وفي تجربة شخصية سبق وان تكلمنا عنها ، وجدت أن 90% من جهود مركز البحوث والنشر (J.Stor) قد سجلها اسرائيليون بين كتاب منشور او بحث او تحليل او نقد او احصائية هذا في الجانب الاثاري الذي بحثنا فيه فقط ولا ندري بقية الجوانب ومدى مساهمة الكتاب والباحثين الاسرائيليين فيها . لو قارنا بين ما موجود من اثار في فلسطين كلها وما موجود في العراق فقط لوجدنا أن كمية الاثار الموجودة في اسرائيل تساوي 10% من اثار العراق ولكن الجهود معكوسة فهي 90% مما يبذل في العراق والوطن العربي بحسب ما وجدناه طي نشرات المركز البحثي الذي اشرنا اليه بالرغم من انه مركز بحثي عالمي ولا يرتبط رسميا باية دولة .
لقد قرأنا بان أول انسان نزل على الارض كان في العراق في مدينة اور او أوروك وان اول واقدم حضارة اقامها الانسان كانت في العراق ، وكلما يذكر في الجانب الحضاري من الاكتشافات القديمة التي خدمت الانسانية هي مسجلة ضمن ولادات العراق الحضارية . أما في الوقت الحاضر فالعراق أول بلد في العالم من حيث عدد القتلى من الناس الابرياء . ان مقدار التخلف يقاس بعدد الضحايا السنوي في ذلك البلد (عدا العدد اليومي في بعض البلدان مثل العراق أو السودان او فلسطين) . لقد خطفت اسرائيل نصف القيادة الفلسطينية مقابل خطف جندي اسرائيلي واحد اضافة الى تدمير البنية التحتية وعشرات المرافق الاساسية والمؤسسات في غزة نواة الدولة الفلسطينية ذات الطابع الوهمي في الوقت الحاضر . وفي الجانب الاخر تم تدمير مئات المباني الخاصة والعامة والجسور والمنشات الحكومية فضلا عن استشهاد مئات المواطنين اللبنانيين مقابل خطف جنديين اسرائيليين. ما هي قيمة المواطن العربي ازاء بقية مواطني العالم!! وهل هناك بلد عربي يخلو من حالة الطوارئ التي يقتل او يسجن في ظلها الاف المواطنين من الابرياء وغير الابرياء الذين هم في حكم القانون يرتكبون جريمة الخيانة العظمى نتيجة التظاهر واستنكار حالة تفشي البطالة او عدم توفر الرغيف.
عندما تتجول في بلدان العالم المتقدم تجد بان كل شيء لا قيمة له في اكثر الاحيان الا الانسان فهو المقدس الوحيد لهول ما يقدم له من خدمات بثمن وبلا ثمن. أما في دول الطوارئ فكل شيء له قيمة الا الانسان . وهذا ما يمثل انعكاس ثقافات الشعوب (هناك) والشعوب (هنا) .
أن شعوبا لا تمتلك قيادات مثقفة لا تستحق الحياة . والغريب في الامر انك تجد قيادات البلد بيد الاميين ثقافيا . وبالمقابل يعيش خيرة مثقفي البلد محرومين من ابسط متطلبات الحياة ومعظمهم يعيشون على مكافئات الصحف الرمزية في الحين الذي يعيش الانسان في الدول المتقدمة ثلاث سنوات او اكثر بمورد يدره عليه كتاب نشره قد يكون عن النحل او الصحراء او الرواية او نقاشات وتحليلات حول اخر نظريات النقد في العالم .. لقد طفحت الصحراء بالنفط والمعادن والدم .. ولكنها ما تزال تشكو العطش .. وحالات الطوارئ .. وشبابها يشكون البطالة وعيونهم ما زالت تتطلع الى عوالم اخرى تقع بالتاكيد خلف الحدود .
الحواشي:
(1) عندما سألوا العلامة الشيخ محمد حسين ال كاشف الغطاء (رحمه الله) : هل أن الدعاء مستجاب . قال : مقرون الاستجابة باليقين .
(2) اخرجه البخاري في صحيحه .
(3) اقرأ مقدمة كتاب تهافت الفلاسفة للامام الغزالي التي كتبها الدكتور سليمان دنيا استاذ الفلسفة المساعد في كلية اصول الدين . ط2 / دار المعارف بمصر.
التعليقات (0)