مواضيع اليوم

الموت غماً

عبد الهادي فنجان الساعدي
في لقاء تلفزيوني على قناة الديار سال الامين العام للتجمع الديمقراطي نائبا في البرلمان متعجبا ومنكرا ، عن راتب النائب في البرلمان وهل يعرف سعر البانزين او سعر قنينة الغاز ، رد عليه النائب بالسؤال وهل تعرف ما ياخذه النائب في الكونكرس الامريكي او مجلس النواب الانكليزي او الاوربي . لقد نسي نائب البرلمان بان راتب النائب في الكونكرس يوازي مستوى المعيشة ومعدل الدخل السنوي للفرد الامريكي او الاوربي . أما في العراق فيساوي راتب النائب في البرلمان الدخل السنوي ومستوى المعيشة لعشرة اشخاص ان لم يكن اكثر في بعض مناطق بغداد العاصمة أما في حي طارق او حي التنك فيساوي راتب النائب، الدخل السنوي ومستوى المعيشة للحي كله .
كلما خرجت من مقابلة وزير او مسؤول كبير في الدوائر الحكومية اصاب بخيبة امل كبيرة واتاكد اكثر بان مستقبل العراق مظلم في ظل مجتمع يحكمه وزراء بحاجة الى محو امية ثقافية. ان كارثة المحاصصة نزلت كهبة من امريكا لتنسخ كل الايات القرانية التي تدعو للعلم والمعرفة من هذا المجتمع الصابر .
اعتقد أن المحاصصة هي احدى الايات الشيطانية التي لم يطلع عليها سلمان رشدي صاحب كتاب الايات الشيطانية الذي اثار ضجة كبيرة وجدلا وصل الى حد اباحة دم هذا الكاتب المارق .
الاغرب من كل ذلك هو اننا (لم نمت في الحروب او الزلازل او حوادث الطرق)(1) لحد الآن . ولكننا بالتاكيد سنموت غما.
انني لم اشاهد هذا الكم الهائل من المزابل لا في البلدان التي رايتها ولا في الافلام التلفزيونية ولا حتى في المجلات او الصحف، انها تدل على فقدان الترابط بين المواطن والدولة وبين المواطن والمؤسسات الحكومية وبين المواطن ونفسه، السؤال الاهم من كل ذلك .. هل هناك دولة .. هل هناك حكومة .. هل هناك مواطن .. اني اشك بكل ذلك: انها تلال من المزابل .. بجانبها تلال اخرى من المزابل وفي الفسح ما بين المزبلة والمزبلة التي تليها يقف المواطن ليبيع بعض ما تجود به مزابل العالم . ومن لا يصدق فليذهب الى (قلب العاصمة بغداد النابض) شارع الرشيد .. مركز العاصمة وليتبول في أي مكان يشاء .. فلقد اصبحت بغداد مباءة للصوص وقطاع الطرق ووزراء المحاصصة اللعينة .
هل يكفي البكاء .. فلنترك البكاء على الاندلس وفلسطين ولبنان ودارفور ولنبك على كوارثنا في العراق حيث يباع الانسان بسعر اقل من سعر البهيمة ويقتل في وضح النهار .. ويموت القسم الاخر غما وكمداً من دون ان يلتفت اليهم أحد ومن لا يصدق فليذهب لمقابلة أي وزير ليخرج كي يمزق اخر قطعة من معتقداته.
هل يكفي البكاء على كارثة اعادة اعمار العراق ... أو على كارثة الثقافة أو كارثة الاثار أو كارثة التعليم التلقيني لاجيال البهائم القادمة .
(اني لا اعجب ان نقتل غيله .. لكني اعجب ان نقتل في كل صباح غيله)(2).
(ايتها النوافذ / قليلا من هواء الغابات / انني اختنق ورئتاي جاحظتان خارج صدري / وصوتي ضال كالرعد / لا يعرف اجيالا قادمة ينشدها / ولا فما قديما يعود اليه / ايها البناؤون / ادعموني بحجر / اني اتصدع / انهار / كقمم الجبال الثلجية / تحت شمس الربيع / اه لو يتم تبادل الاوطان كالراقصات في الملهى)(3).
الكثير منا يكتب اليوم ويتحاشى ذكر اسم من اسماء الطغاة او جلادي النظام السابق !!! ولو نزل المسؤولون من سياراتهم المدرعة وحماياتهم المدججين بالسلاح .. ونزعوا ملابسهم الانيقة وربطات عنقهم التي يلبسونها في صيف لم يشهده العراق منذ 1000 سنة دون ان يابهوا لانهم يعيشون في سيارات ومكاتب درجات حرارتها تصل الى 10 مئوي لسمعوا مالا يمكن السكوت عنه .. من شعب ذاق المر .. والامر ... ولا يدري ما يخبئ له الغد. اين هو النور في اخر النفق (كذب المنجمون ولو صدقوا) .
ان أردأ الامم هي التي تنتظر البطل او التي تنتظر رسولا اخر .. ان العولمة هي القادمة بأناجيلها الجديدة الكفيلة بسحق وتدمير هذه الامم التي ما زالت منذ 14 قرنا تنتظر المنقذ .
لقد سجن نيلسون مانديلا اكثر من "27" سنة اما الافارقة في جنوب افريقيا فلم ينتظروا مانديلا المنقذ انما هم الذين انقذوه بدمائهم وتضحياتهم . أما نحن فمازلنا (نقاسي الآلآم وظهورنا منحنية في وهج الشمس)(4) بانتظار المنقذ دون أن نعي الدرس ونستيقظ من سبات الافيون .
هل تكفي السياط لايقاظ هذا الشعب النائم .. لقد تمتع النواب (الاشاوس) بعطلتهم الفصلية بعد أن ملوا من الخلافات الشخصية والمهاترات الفردية ولم يصدر لحد الان (ما يقر العين) أو (يشرح الصدر) . وعندما يسال السائل عن المليارات النقدية اين تذهب .. يجيبه الساكنون تحت الجسور دون سقف بنظرة توحي بالياس والجزع .
الحواشي:
(1) من قصيدة للشاعر المبدع محمد الماغوط .
(2) من قصيدة لشاعر مغمور .
(3) من قصيدة للشاعر المبدع محمد الماغوط .
(4) مقطع من فلم "أم الهند" الشهير .




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

من صوري

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي صورة!

فيديوهاتي

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي فيديو !