مواضيع اليوم

المواطن والسياسه

مشعل العلوي

2009-02-25 16:05:02

0

بسم الله الرحمن الرحيم

ان الضعف العام الذي أصاب السياسة العربية ضعف صارخ لا يتناسب مع أي واقع اقتصادي أو سياسي ؛ فقد تدنت الحدود الدنيا وتواصل التدهور في اساليب استخلاص الحقوق أو المحافظة على الاستقلال والحرية النسبية .

لقد تجاوز هذا الضعف حدود فهم المواطن؛ وأدرك أنه غير مطلوب منه المشاركة في الرأي السياسي للدولة ؛ وأنه محرم عليه التعليق على القرار السياسي . ولكن وفي معظم الأحوال يبدو أن المواطن هو نفسه قد قرر ألا يكون شريكا في صنع الكارثة التي لا محالة واقعة  .فهذا المواطن يعرف مصدر ودرجة الخطر الأساسي الذي يهدد امته ودولته ؛ ويرى في نفس الوقت دولته وقد اختارت خطرا جديدا تركز عليه كل جهودها متجاهلة وعي الشعب حينا ؛ ومحاولة في حين آخر اقناعه بمدى الحاح هذا الخطر.

والنتيجة الوحيدة لهذا التضارب في الرؤية هي اتساع الهوة التي تفصل بين وعي المواطن وارادة السلطة وبالتالي فقدان الثقة بينهما .وتضطر الحكومات أحيانا الى دخول معركة سياسية أو عسكرية ضد خطر لا يؤمن المواطن بالحاحه. حينذاك يعود المواطن انسانا يبحث عن هوية أوسع من الدولة التي ينتمي اليها ولكنه لا يتحمس لأهدافها؛ أو هوية أضيق يتقوقع داخلها ويحتمي بها .

لقد دخل المواطن تجربة المشاركة في صنع القرار السياسي حين ساهم بأشكال مختلفة في مرحلة النضال من أجل الاستقلال؛ وقد تراوحت تلك الأشكال بين القتال والتظاهر والتعاطف وتنظيم الأحزاب الوطنية وكتابة المنشورات السياسية وتعبئة الجماهير .فشارك المواطن في بناء دولته وفي تحديد معالم سياستها من خلال نفوذه في الشارع السياسي بين الجماهير . لذلك يمكن القول ان سياسة الدولة لم تكن وليدة أفكار وطموحات زعماء الدول بقدر ما كانت استجابة لكثافة مشاركة المواطن وحماسه من أجل الاستقلال والبناء الداخلي السليم والنزيه.

لذلك شهدت تلك المرحلة الارتقاء في الكتابة السياسية وفي المسرح السياسي  وفي السينما السياسية ؛وبالتالي أصبح على الدولة واجب الارتفاع الى مستوى المواطن وتطلعاته وآماله في تدعيم حريته وحقوقه واستقلاله . وكان زهو المواطن بالتحدي والأمل في تشييد البناء المسقل يمثُل معظم سعادته ويمنح حكومته الفرصة لكي تخطط بهدوء من أجل تعبئة امكانات الدولة وتلبية احتياجات المواطن .لذا اقتنع المواطن في تلك الفترة وآمن بأسبقية الولاء للدولة على ولاءاته القبلية أو الطائفية. ووصل في سنوات قليلة الى الاعتقاد بأن الدولة ومؤسساتها هي أفضل حارس لحقوقه وضمان مستقبله .

المواطن  العربي الآن انساك غير مشارك ؛ ولا ينفعل بالأحداث حتى تلك الأحداث التي تمس حياته ومصيره؛ واذا حدث وانفعل بسبب بشاعة الحدث أو الصدمة فانه لا يكشف عن هذا الانفعال على حقيقته. المواطن العربي الجديد تم التخطيط له من أجل أن يتحجر قلبه السياسي وأن ينشغل فقط بقضية اموره الشخصية أو البحث عن لقمة العيش .

المواطن لم يعد يغضب ؛ وكان يغضب حين كان الاستعمار الفرنسي يتلكأ في الخروج من الجزائر ؛ وكان يغضب حين تتردد بريطانيا في الخروج من عدن ؛وغضب حين حدث زلزال اغادير؛ لكنه لم يغضب حين وقعت مجزرة ذبح فيها ابناؤه وأشقاؤه ؛ لم يغضب حين تم اعتقال المئآت من أبناء بلدته ؛ ولم يغضب حين فقد الشارع السياسي الآلاف في ظروف مجهولة .

ان أهم سمات الظاهرة الجديدة أن الانسان المواطن خرج من دائرة السياسة في دولته وأبعدته أيضا عن دائرة السياسة الداخلية .وتم سد كل قنوات الاتصال المباشر وغير المباشر بين المواطن وبين عملية صنع القرار السياسي .فأصبح الحاكم في برج عاجي والمواطن في الضفة المنقضة لذلك البرج ؛فتبعثرت المطالب الوطنية والقومية وتعاظم دور الفساد والافساد؛ وانفضت  الجماعة الى طوائف أو أفراد أو شلل معينة .وهي الظاهرة التي بذل من أجل تكوينها جهد خارق من أجل بناء سلطة الفرد وسلطة الأجهزة التسلطية القمعية في البلاد.

ان الانسان المواطن المشارك في رسم سياسة دولته هو في حقيقة الأمر نواة لرأي عام له بصيرة تاريخية لا تتوفر عادة لدى كثير من الحكام ؛فالحاكم مقيد بجملة ضغوطات وحسابات تجعل بصيرته محدودة وضيقة الآفاق؛ أو أنه محتاج لانجاز سريع أو بطولة معينة في نظر رأي عام آخر غير شعبه وامته وبالتالي فبصيرته منحرفة ؛ أما الرأي العام ونواته - المواطن - فانه تلك الجعبة التي تحمل تراث الامة وتاريخها وتطلعاتها  وهو الضمير العام الذي يحدد أبعاد الحقوق والطموحات ؛ وهو الوسادة التي تضعف عليها كل الصدمات ؛ والعمق الوحيد الذي يحمي الدولة وحكامها من ضعف البصيرة وانحرافاتها؛ لذلك شهدت المرحلة الأخيرة جهودا فائقة لتفريغ هذه الجعبة والتشكيك في محتوياتها ؛ ولتفكيك مقومات هذا الضمير والوصول باليأس الى نواة الجعبة وهي الانسان المواطن .

حين تنقطع العلاقة بين المواطن والدولة يبدأ الانسان في البحث عن انتماءات اخرى ؛ ويلاحظ انه مع استمرار ابتعاد الدولة عن المواطن يزداد اتجاه المواطن نحو هويات جديدة يشارك فيها فيكتسب من مشاركته ما فقده من اعتبار الذات وايجابية الجهد والنشاط ؛ وقد يتطلع الى هوية تنقله عبر الحدود بعيدا عن الدولة التي ينتمي اليها جسدا وليس روحا .

وهكذا تتوالى  الصدمات المتلاحقة على المواطن ؛اذ كانت فجائية ثروة السلطة صدمة ؛وانكشاف هول الفقرالجماهيري صدمة ؛وعنف الفساد المتفشي صدمة ؛ وظهور شلة المنافقين الدجالين المتسلقين أيضا صدمة . ومن غير المستبعد أن تكون هناك مصالح دولية  معينة لا تريد لمواطننا أن يستيقظ قبل أن يتم رسم خرائط جديدة قد لا تقتصر على الحدود السياسية بل قد تتجاوزها الى وضع حدود جديدة للثروات والامكانات وانشاء دويلات طائفية وامبروطوريات عنصرية ؛ وما يمهد له الآن عبر الكثير من السياسات والصدمات والمجازر والاذلال المتعمد للمواطن هو خلق انسان جديد لا يغضب من هذه الخرائط التي يجري رسمها .

ومهما كان السبب في أزمة الانسان المواطن؛ فالنتيجة مروعة لكلا الطرفين - الدولة والانسان - اذ أن الدولة بسبب محدودية قوتها المنفردة تفقد أهم رصيد عندها وأبعد عمق يحميها اذا هي فقدت مشاركة المواطن ؛ والمواطن الذي لا يشارك في صنع القرار السياسي الآن قد يصحو فجأة ليجد نفسه لاجئا في معسكر خيام ؛ أو فردا في دويلة طائفية تابعة ؛أو ساكنا بلا حقوق في امبراطورية عنصرية.

فعلى الشعب أن يصحو ويستفيق قبل فوات الأوان .

ألا هل بلغت اللهم فاشهد .

                           أنور ساطع أصفري

                                 كاتب سوري 




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

فيديوهاتي

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي فيديو !