التحول لم يكن لصالح المستهلك بسبب رداءة هذه السلع التي تعد أكثرها مستورد من مناشئ غير معروفة ولم تخضع لمعايير جهاز التقييس والسيطرة النوعية، لذلك كانت عبءاً على المواطن، مما جعل اكثر العراقيين يتمنّون عودة الاسواق المركزية التي كانت تقدم كل ما يحتاجه الفرد والعائلة، وازدهرت في بداية الثمانينات من القرن الماضي بعد اندماج عدة شركات تابعة لوزارة التجارة تحت اسم (اورزدي باك) وكانت تعدّ سوقاً لأصحاب الدخل المحدود من الموظفين، الا انها شهدت تراجعاً ملحوظاً في نهاية التسعينات لاسيما بعد الحصار الاقتصادي الذي فرض على العراق ابان الحرب العراقية الكويتية،،، وأصبحتْ بضائع الأسواق المركزية قديمة ومحددة بعدد معيّن من السلع، وهذا التراجع جعل المواطن يعزف عنها لكون اغلب منتجاتها لا تواكب العصر، اما بعد دخول القوات الامريكية الى العراق فقد تعرضت اغلب مبانيها الى النهب والسلب ومن ثم تحويلها الى قواعد عسكرية او شقق سكنية لجأ اليها العديد من العراقيين لغرض السكن، مما اثار استغراب الكثير من المواطنين الذين كانوا يمنون النفس بعودة عمل هذه الأسواق أُورزدي باك وتحدث الموظف حيدر قاسم (54) عاماعن عمل الأسواق المركزية في السابق وكيف كانت تقدم السلع والبضائع للمواطن قائلا ان" الأسواق المركزية كانت تقدم تسهيلات عديدة للموظف من خلال حصوله على دفتر سنوي يستطيع من خلاله التبضع من الأسواق المركزية بأسعار منخفضة جدا، قياسا بأسعار الأسواق الأهلية اذ كانت مدعومة من قبل الدولة للموظفين الحكوميين والمتقاعدين، وكانت تقوم ببيع مختلف السلع مثل ملابس الأطفال والنساء وملابس الرجال بموديلات حديثة مستوردة من مناشئ عالمية، فضلا عن تميّز ملابس الأسواق المركزية لاسيما (البدلة) الرجالي الانكليزي، وإنا شخصيا لا أزال احتفظ بأكثر من بدلة الى الان، واضاف ان" بضائع الاسواق المركزية لم تكن تقتصر على الملابس فقط، وإنما كانت تقوم ببيع المواد الغذائية والمنزلية والكهربائية، وكانت تجري قرعة كل أسبوع يتم من خلالها وضع أسماء عدد من الذين يرغبون بشراء تلفزيون او ثلاجة او مغسلة كهربائية بسعر منخفض جدا، ومن يفوز بالقرعة يكون صاحب الحظ السعيد، وبيّن قاسم ان" تسمية الاسواق المركزية كانت في البداية (اروزدي باك) واستمر على هذا الاسم لفترة طويلة في العديد من المحافظات، حتى جاءت تسمية ساحات وتقاطعات قريبة على الاورزدي باسم (تقاطع الاورزدي) ثم تحولت التسمية الى الاسواق المركزية، لكن ما يزال العديد من الناس يطلق عليها تسمية (الاورزدي) سلع معمرة ويتذكر المعلم المتقاعد محسن علوان (60) عام تلك الايام التي كان المواطنون يتسابقون للذهاب الى تلك الاسواق قائلا ان" الناس كانت تجد في الأسواق المركزية كل ما تحتاجه من متطلبات مختلفة من الملابس والمفروشات والأجهزة الكهربائية وقطع غيار السيارات بأسعار زهيدة، وكانت نوعية البضائع جيدة ومن مناشئ اوربية، ولم يقتصر العرض على السلع المستوردة بل كان للصناعات المحلية دور في تلك الاسواق منها معامل النسيج العراقية التي كانت تقوم بعرض أقمشة مختلفة يحتفظ بها العديد من العراقيين حتى وقتنا هذا، ويضيف كنت اجد زملائي في العمل في تلك الاسواق يتبضعون ايام العطل الرسمية والإجازات وكانت كل بضائع الاسواق المركزية خاضعة للفحص من قبل جهاز التقييس والسيطرة النوعية، واضاف علوان ان" ارتفاع الاسعار ورداءة السلع في الوقت الحاضر جعلنا نتحسر اذ ان السلع المتوفرة في الاسواق الاهلية لا تضاهي السلع التي كانت تقدم في الاسواق المركزية التي لا زالت معمرة لدى العديد وخاصة السلع الكهربائية والسجاد العراقي ترفيهية وتسويقية المواطن باسم جميل يقول ان" الأسواق المركزية في العراق هي الاولى في الوطن العربي، حيث وفرت العديد من البضائع للمواطن، لذلك يجب على وزارة التجارة إعادة النظر بتفعيل مرافقها ومحاولة استرجاعها والعمل بها من جديد لاسيما انها تعتبر سوق للطبقة المتوسطة، اذ كان الناس يتبضعون منها كل احتياجاتهم المنزلية والغذائية بأسعار مناسبة لا تثقل كاهلهم لذلك كانوا يلجؤون اليها، وأضاف جميل ان" هذه الأسواق لاتحتاج الا لأمور بسيطة وإضافة بعض البنايات لها لتكون ترفيهية وتسويقية في آن واحد، ويضيف من الممكن ان تدخل الدولة كمنافس للتاجر من اجل الوصول الى ارخص الاسعار التي تصبّ في مصلحة المستهلك، مشيراً الى ان" تمركز العقول على نظام مركزي بعيد عن الاقتصاد الحر جعل هذه الاسواق تهمل بالرغم من ان العديد من الشركات توجهت لاستثمارها لكنها لم تلق اي اهتمام من قبل وزارة التجارة المعنية بتقديم خدمات تجارية للمواطن وتفعيل دور القطاع العام وجعله المصدر الاول الذي يدعم المواطن. مصدر رزق الإعلامي حسين الكعبي أوضح ان " الأسواق المركزية كانت تعدّ منفذاً لتصريف السلع المحلية والمستوردة والإعلان عنها اولا من خلال الاسواق المركزية وبيعها بأسعار زهيدة للموظفين والمتقاعدين ثم العمل بها وبيعها عن طريق القطاع الخاص، وعدّ ان" المنافسة الحاصلة بين المنتوج المحلي والمستورد تشجع التجار على العمل بالمنتج الوطني الذي يعدّ دعماً لاقتصاد البلد، اذ كان الاستيراد من الخارج يخضع لمعايير مشددة لا تسمح لكل التجار بالعمل بها لذلك كان الحل الأمثل هو دعم المنتوج المحلي من قبل الدولة ومن التاجر ايضا، لاسيما ان اغلب التجار كانوا يمتلكون معامل متنوعة في شتى الصناعات المختلفة، والتي تساعدهم على مداولة العملة المحلية داخل البلد وعدم الذهاب بها الى الخارج وتحويلها الى عملة أجنبية، وأضاف ألكعبي ان" الاسواق المركزية في بغداد بحاجة كبيرة لاعادة تعميرها و انشاء اقسام جديدة فيها وان يتم العمل على توفير كافة الخدمات داخل هذه الاسواق والتي ظلت تعمل لسنوات طويلة وانها قد ساهمت في توفير كل ما يحتاج اليه المواطن العراقي وان عمليات الشراء داخل هذه الاسواق كانت تتم بطريقة منظمة ومرتبة وان الجميع كانوا يحصلون على البضائع الجيدة من خلال الاشتراك في الاسواق المركزية عن طريق الحصول على دفتر الاسواق وان من حق كل مواطن او عائلة ان تحصل على ما تريده من بيع للمنتجات وان كل يوم كان يخصص من اجل منتوج. ويضيف ان الاسواق المركزية كانت مصدر رزق للعديد من العوائل العراقية، اذ كانت تعدّ سوقاً للجملة يتبضع منها الموظفون الذين يمتلكون دفتراً سنوياً يمكّنهم من شراء مواد الأسواق المركزية، وكان هنالك أشخاص يقومون بشراء السلع من الموظفين ثم يقومون ببيعها خارج هذه الاسواق. المولات بدل الاسواق ويرى انمار عبد الكريم ان" العالم يتجه نحو التطور العمراني والتنموي الذي من الممكن ان يستفيد العراق من تجارب الدول الأخرى في جميع المجالات لاسيما الاقتصادية منها، وان يتم الاهتمام بمشاريع المولات التي تعدّ البديل الناجح عن الأسواق المركزية كونه مستخدماً في اغلب دول العالم ويحقق نسب نجاح، وهي من الخطوات الجيدة التي ستسهم في تطور الأسواق العراقية، وتمنى عبد الكريم ان" يفتتح العديد من المولات التي تلبي احتياجات الفرد العراقي وهي من الخدمات التي ينتظرها المواطن، فهي من متطلبات الحداثة في الوقت الحاضر، سيما وان المولات تسهم في إضفاء الكثير من الجمالية للمدن. هدر للمال العام الخبيرة الاقتصادية سلام سميسم تقول ان" الشركة العامة للأسواق المركزية هي إٍحدى شركات وزارة التجارة تأسست عام 1981 برأسمال قدره (10) مليون دينار وبعد إلغاء المخازن العراقية وكذلك التجارية وإضافة مهامها الى الاسواق المركزية اصبح رأسمالها المقرر (155) مليون دينار وقد نشر تأسيسها رسميا في يوم 15/1/1997 استناداً لاحكام المادة (6)من قانون الشركات العامة رقم (22) لسنة 1997، وكانت تعدّ دعماً حقيقياً للمواطن لاسيما طبقة الموظفين، لكن من نسمعه اليوم من وزارة التجارة انها تريد ان تحول هذه الاسواق الى القطاع الخاص، لاسيما بعد ان عجزت وزارة التجارة منذ العام 2003 بالنهوض بواقعها الاقتصادي من جديد، وهنالك مطالبات بحل شركة الاسواق المركزية وتوزيع العاملين فيها الى الشركات الاخرى،ورجحت سميسم ان" على الدولة تقديم الدعم للمواطن من خلال العودة بعمل هذه الأسواق وإعادة مرافقها الحيوية، او استثمارها بمشاريع اخرى مثلا تحويلها الى اسواق عامة او بيعها الى القطاع الخاص او تشارك مع القطاع الخاص، او تتعاقد مع شركات اجنبية وتكون هذه الشركات مدعومة من قبل الدولة، من اجل تقديم انسب الاسعار التي تصب في خدمة المواطن وكل هذه المشاريع من الممكن العمل بها وتعدّ ذات جدوى اقتصادية، وترى سميسم" بقاء الاسواق المركزية على ما هي عليه الآن ضياع وهدر للمال العام وعدم استغلال ثروة وطنية، لذلك يجب العمل بها بدل تجميدها بهذا الشكل باعتبار لها مردود للمجتمع وللدولة وتعمل على ايقاف الهدر بالفائض الاقتصادي الموجود حاليا، وتضيف هنالك تفاؤل لدى العديد من المختصين في الشأن الاقتصادي بعودة الروح لهذه الاسواق من جديد. مجمعات تجارية عضو مجلس محافظة بغداد محمد الربيعي يقول ان" وزارة التجارة تعمل ضمن قانونها الاتحادي، ولم تعط هذه الأسواق الى هيئة استثمار بغداد التي أحالت مشاريع عديدة، منها بناء مجمعات تجارية منها مجمع الحارثية والمنصور، ولدى وزارة التجارة سبع مقرات كبيرة موزعة على عدد من مناطق بغداد، والمفترض انها تعمل على إحالتها الى مستثمرين او تدع مجلس محافظة بغداد يتعاون معها، وكانت هنالك مطالبات من قبل مجلس المحافظة لاستغلال هذه المباني وتحويلها الى مجمعات تجارية ولكن ما زال هذا المشروع متوقفاً، وأضاف الربيعي ان" على وزارة التجارة إحالة هذه المجمعات الى مستثمرين او تفسح المجال الى مجلس المحافظة بالتعاون معها والتنسيق، ونحن نعمل على إعطاء هذه الأسواق الى القطاع الخاص لمستثمرين محليين او عراقيين لإدارتها بشكل صحيح وبشروط معينة تضمن أفضل الخدمات للمواطن من خلال شراء ما هو مدعوم من السلع الجيدة بأسعار مقاربة للمنطق والواقعية.
http://www.beladitoday.com/index.php?aa=news&id22=3358
التعليقات (0)