عالية خليل ابراهيم
تجربةُ محمد علي الخفاجي في كتابة النص الدرامي المسرحي من اكثر التجارب الدرامية بصيرة واكثرها صدقا في ذات الوقت تلك فرضية نقدية سأحاول التدليل على صحتها بشكل موجز وان كانت تستوعب بحثا معمقا لدقة وفاعلية ما تتضمنه من تفاصيل تخص حرفية الكتابة للمسرح (الدراما الشعرية على وجه الخصوص).
الخفاجي في نصوصه دائم البحث والتنقيب عن جذوة الشعر في الدراما لان شعرية المسرح لم تكن طوال تاريخها قالبا جاهزا او معادلة معروفة الاطراف وانما هي رحلة بحث واكتشاف للؤلؤة فريدة تدعى شعرية المسرح0وبحسب المفهوم الياكوبسني المعروف بالمهيمنة والذي يعرفها بأنها الاثر الذي يجعل من نص ما نصا ادبيا ولذلك فأن المهيمنة الشعرية في المسرح هي الاثر الذي يجعل من نص درامي ما نصا شعريا ،هذه المهيمنة لاتتجسد في المبنى الشعري فقط وليس الشعر في الدراما بديلا عن النثر انه قوةخلق و انبثاق لاتترأّى من خلال موشور اللغة الشعرية فحسب وانما من خلال نظام هرموني دقيق لجميع مقومات البنية المسرحية 0 ولو اخذنا نصوص الخفاجي التي كتبها بين عامي 1967و2007سوف نلاحظ حجم التطور والتغيير في المهيمنة الشعرية للنص الدرامي ،ولنأخذ نصوصه من اخرها الى بداياتها لنعرف حركية المهيمنة ومدى تمثلها لمقومات مختلفة في البنية الدرامية (المسرحية).
1-في آخر نصوصه وهي (اوبرا سنمار)هنالك بحث عن المهيمنة في فن الاوبرا وهي فن مواز للمسرح اذ تعرف بانها «فن اوربي نشأ في اواخر القرن
السادس عشر ترجع اصوله الى المسرحية الكنسية الموسيقية وتعد فيه الموسيقى الاوكسترالية والغناء الاوبرالي واناشيد المجاميع عنصرا اساسيا،وقدتجلت هذه الخصائص في نص الاوبرا بشكل مركز ومطول وربما مكرر في مواقع عديدة، اما الشعرالاوبرالي فهوشكل اجناسي منزاح عن الشعربمعناه الاوسع في الصورة والرؤيا الى خصوصية الشعر التطريبي الغنائي الملحن الذي يغلب عليه الجانب الايقاعي الصوتي على الجانب الاستعاري الرؤيوي، المقتبس الاتي يوضح ذلك
سنمار «الخورنق
بناء من الشرفات الموشاة
في الضوء يغرق
وانيةكلما اتسعت
اترعت بالشراب المعتق»3
هذا بالاضافة الى التكثيف اللامتناه لفضاء الصورة في (الاضاءة ،والديكور ،الرقص التعبيري ، الباليه،حركات المجاميع،وغيرها من جوانب الصورة المسرحية 0ان الاتجاه بالدراما الشعرية من النص الى الصورة ومن الدرامية الى الغنائية(جنس الاوبرا) تعد خطوة مفصلية في تاريخ تطوير هذا الفن وتجديده لخطواته فاستبدال سلطة الشعر والحبكة والشخصية بسلطة الموسيقى والغناء كان بمثابة حاجة ملحة للنهوض بالمسرح الشعري ووضعة على اعتاب مرحلة جديدة0
2-في نص (اوروك توقف الطوفان)تتركز المهيمنة في شعرية القناع ف»القناع هو رمز المسرح يمتلك صفتين صفة واقعية وصفة رمزية هاتان الصفتان في المسرح تصبان في مجرى واحد وتحتفضان بمجالات فعلهما وهاتان الصفتان مثلما تصبان في المسرح فهما تصبان في الشعرفالرمزية والواقعية من مناهل الشعرية0 لقد استخدم القناع في النص بمهارة لقد ارتدى الانسان البسيط المتمسك بأرضه رغم هجوم طوفانات الفقر والقهر والاحتلال والارهاب قناع( نوح )النبي الطاعن في السن المستهزئ به هذا النبي يرفض ركوب سفن الهروب من مواجهة التاريخ والمصير حيث يقو ل:» وانا وحدي اعلي السد
اصيح بأوروك احترسي
يا اوروك انتبهي
اياك وصمت البحر»
فللبحر خُطى صياد يتربص»0وقد يكون قناع نوح هنا استعارة شعرية للسيرة الذاتية للمؤلف ذاته وبذلك اتخذت الوقائع التاريخية رموزا معاصرة لازمات الواقع (الطوفان=الازمة السياسية)(الفلك المشحون= سفن الغربة ) (السخرية الشخصية=السخرية التاريخية) (الانتقام=الغفران)
وهكذا كانت شعرية القناع بما فيها من استعارة ومفارقة بين الحقيقة والرمز دفقا شعريادراميا مهيمنا على النص.0
3-في سلسلة الكربلائيات (ثانية يجئ الحسين)و(ذهب ليقود الحلم) و(الجائزة) وهنا نضع الكربلائيات بين هلالين كبيرين لان هذه الكلمة اضحت منهجا مسرحيا تجريبيا عند الخفاجي فكربلاء بوصفها واقعة تعني (الرمز التاريخي ،العنف السياسي،انهيار موضوع الوطن والدولة ،الاسطورة الشعبية) ،ان كل ما تعنيه كربلاء متجذر في المسرح والشعرية فالتاريخ هو الموضوع الاساس للمسرح والشعر، والعنف له علاقة مباشرة بمفهوم التطهير»تحرك المأساة العواطف من حالة الكمون الى حالة النشاط بدوافع قيمة كافية وتسيطر عليها بتوجيهها نحو الاهداف الصحيحة «اما السياسة فكرا وممارسة فلاشك انها من روافد شعرية المسرح المهمة0 ولطقوس كربلاء حكاية متشعبة مع النصوص قفد اسس لاعادة دمج الطقوس الشعبية في المسرح المعاصر من خلال ذكاء الاختيار لموقع النصوص على خارطة النص بحيث لاتبدو مجتلبة اومقحمة اومفرغة من التأثير 0لقدتركزت المهيمنة الشعرية في عناصر تراجيديا كربلاء المذكورة ،
4- في نص (ابو ذر يصعد معراج الرفض) هنالك بحث عن المهيمنة في تسييس المسرح وافكار بريخت التي طرحها حول استخدام المسرح كقاعدة ايديولوجية فقد بدت واضحة تقنيات كسر الايهام المسرحي وهدم الجدار الرابع بين القاعة والجمهور واستخدام الملصقات الدعائية وتقديم معادل شخصاني معاصر للبطل التاريخي 5-هنالك شعرية مكثفة في بنية الشخصية الدرامية فهذه الشخصيات تمتلك الفردية اللامعة وفي الوقت ذاته تحمل صفات الشمولية والنموذجية(واعني هنا الشخصيات السلبية ) لان الشخصيات االتاريخية الايجابية يغلب عليها الجانب الاسطوري 0ان نماذج مثل الجوراني ورجل وعبيد الله بن زياد تعيش طويلا في الذاكرة لانها نتاج للفردية المتمثلة شعريا في السخرية اللاذعة وحس المفارقة وهي مثال للانموذج الانساني الشامل.
http://www.beladitoday.com/index.php?aa=news&id22=3583
التعليقات (0)