المهنة : مدون. في بداية عهدنا بالأنترنت كانت الجرائد الورقية وما تيسر من القنوات الإذاعية والتلفزيونية الرسمية هي مصدر الخبر و محتكرة الرأي. لكن التطور الهائل للشبكة العنكبوتية سحب البساط تدريجيا من تحت أقدام وسائل الإعلام التقليدية هذه.
لقد كانت الصحف أكبر خاسر من الإكتساح المعلوماتي. إذ فقدت سوق الجرائد فئة كثيرة من القراء بسبب التوجه نحو الإعلام الإلكتروني الذي عرف نموا كبيرا في السنوات الأخيرة. و أصبحت المواقع الإلكترونية تنافس الجرائد بقوة في تحقيق السبق الصحفي و تبليغ الخبر في وقته. وهو ما حذا بكل جرائد الدنيا إلى الإنخراط في موضة هذا العصر من خلال خلق مواقع خاصة على النت تواكب ما تكتبه في الصحف الورقية. لكن سحر العصر المعلوماتي الجديد لا يتوقف عند الثورة التي خلقها في مجال الصحافة فحسب، بل يتعدى ذلك إلى مستوى أكبر، أصبحت معه الصحافة نفسها هواية متاحة أمام الجميع، وليست مهنة خاصة بعدد من الناس. وقد لعبت المنتديات الحوارية و المدونات دورا بارزا في هذا الإطار، حيث تتزاحم عدة مواقع إلكترونية وتتنافس في هذا الفضاء الإفتراضي الواسع الذي يسمح بحرية لا مثيل لها في التعبير و الكتابة والنشر.
أصبح التدوين شائعا بشكل ملفت للأنظار، وبغض النظر عن طبيعة المنتوج التدويني الرائج، فإن ملامح حراك ثقافي جديد بدأت تلوح في الأفق، و خصوصا في بعض المواقع التي تحتفل بالرأي و الرأي الآخر، و تبتعد عن مقص الرقابة. ولإيلاف في هذا الشأن دور مهم طبعا في التقعيد لثقافة الحوار و تبادل الآراء.... هذه القاعدة سمحت بإقبال القراء و بشدة على هذه المواقع التي يجدون فيها متنفسا حقيقيا للتعبير و النقاش الحر و الهادف. و تمكنت المدونات من فرض حضور لافت في الشبكة العنكبوتية، وأصبحت شريكا مهما في الخبر و الكلمة، بل إنها تكاد تنجح في منافسة المواقع الإخبارية المتخصصة. غير أن انتشار ثقافة التدوين بالقدر الذي يعد مؤشرا إيجابيا، فإنه يخلق بعض القلق في النفوس. إذ بدأ إدمان الكتاب على التدوين يحول الكتابة من إطارها الهاوي إلى مستوى الإحتراف. وهو ما أدى إلى ظهور مهنة جديدة يعرف صاحبها باسم " المدون " على غرار " الصحافي " أو " المؤرخ ".... لكن مع فارق أساسي هو أن مهنة التدوين هذه من المفترض أن تكون من المهن الحرة التي يمارسها المدون لنفسه وليس لحساب أية هيئة معينة. ولعل مصدر القلق هنا يكمن في تداعيات ونتائج احتراف التدوين خصوصا في ظل بيئة مازالت تضع قيودا كثيرة على الفكر.
إن روعة التدوين و جاذبيته تكمن في الإلتزام الذاتي الذي ينضبط له المدون في نشر أفكاره و آرائه، وفتح النقاش مع قرائه المفترضين. لكن نوازع الإيديولوجيا و عقلية الوصاية و جيوب المقاومة عناصر من شأنها أن تعكر صفو التدوين إذا أصبح في المستقبل مسرحا للتجييش و التعبئة الجماهيرية. وما لا نتمناه أبدا هو أن نسمع ذات يوم ب " مدوني السلطان " على وزن: مؤرخي البلاط و فقهاء السلطان و صحافيي الحكومات. محمد مغوتي.15/06/2010.
التعليقات (0)