هناك بعض الحقائق التأريخية اللتي يجب أخذها في الأعتبار ، لبناء رأي صحيح حول قضية المنظمات الأمريكية اللتي قامت الحكومة المصرية بتقديم بعض العاملين فيها الى التحقيق القضائي، لاسيما وأن من ضمن هؤلاء، نجل وزير النقل الأمريكي الحالي.
لنستذكر أولاً موقف الولايات المتحدة الرسمي من ثورة 25 يناير، اللتي فشلت كل أجهزتها الأستخبارية، ومعاهدها الأكاديمية، وبعثاتها الدبلوماسية، في التنبأ بنتائجها!، ما اجبر البيت الأبيض في بداية الثورة، على السير على الحبال لحين أنجلاء الموقف اللذي وجد نفسه فيه، دون أن يكون له أي قدرة على التدخل في المشهد المصري اللذي خرج عن سيطرته تماماً لأول مرة منذ عقود.
في البداية قامت الحكومة الأمريكية بمطالبة الطرفين بإبداء أكبر قدر من ضبط النفس، وركزت على مطالبة مبارك بعدم استخدام وسائل القمع أو العنف فى التعامل مع المعتصمين والمتظاهرين الذين طالبتهم فى الوقت نفسه بالالتزام بالتظاهر السلمي، لتساوي بذلك بين الضحية والجلاد. كما صرح روبرت جيتس السكرتير الصحفي للبيت الأبيض يوم 26 يناير بقوله.." أن بلاده تساند مبارك، لكون بلاده حليف قوى ؟!.
ولكن بعد أن فشلت في التنبوء بما يجري في المنطقة ومصر مرة أخرى، حيث أصبح واضحاً ان نظام حسني يواجه خطراً داهماً، بدأت الأدارة الأمريكية بتغيير أستراتجيتها بالعمل على تغيير بعض الأسماء، دون المساس بجوهر النظام القائم في مصر.
وشهدت تلك المرحلة إرسال الدبلوماسي والسفير السابق لدى مصر فرانك وايزنر للقاهرة في 31 يناير لإبلاغ مبارك رسالة مفادها أن عليه الإعداد لانتقال تدريجي للسلطة. وفي اليوم التالي، كما شددت كلينتون في عدة مناسبات على أستخدام عبارة "أن الولايات المتحدة ستسعى لأيجاد فترة انتقالية منظمة في مصر، ستثمر عن إصلاحات ديمقراطية"، ولكن ظل الموقف الأمريكي أميل الى نظام حسني، حيث قالت كلينتون أن تقييم إدارتها للوضع في حينها " أن الحكومة المصرية مستقرة وتبحث عن طرق للاستجابة لمطالب المتظاهرين المشروعة". وأستمرت الأدارة الأمريكية على هذا المنوال المرتبك والحائر حتى الأيام الأخيرة من عمر الدكتاتورية، حيث لم تمارس الضغط الكاف لتنحية مبارك.
وكلنا يذكر التصريحات التى أطلقها المبعوث فرانك وايزنر بعد عودته إلى واشنطن والتي أعتبر فيها أن استمرار مبارك بالسلطة مسألة هامة لكي يشرف على المرحلة الإنتقالية وأيضا لكى يكتب الأخير ما أسماه وايزنر، "بأسطورته الخاصة"، مما دعا البيت الأبيض إلى التنصل من تلك التصريحات بالتأكيد على أن هذه الاراء تعبر عن شخص "وايزنر" وحده مع الاعلان عن إقالته.
وحتى لما دنت نهاية الدكتاتور، سعت الأدارة الأمريكية لأن يرحل مبارك بكرامة، عبر الترويج لبقائه في الرئاسة حتى نهاية فترته الرئاسية فى سبتمبر 2011، نظراً لما تمثله عملية أسقاط مبارك، حيث يعد ذلك تحدي صارخ لهيبة وبرستيج الولايات المتحدة الأمريكية.
هذا عن موقف أدارة الديموقراطييين في البيت الأبيض، فماذا عن رأي الجمهوريين، الطرف الفاعل الثاني في السياسة الأمريكية، والمسيطر على مجلس الشيوخ حالياً؟.
خلال الحملة الأنتخابية للمرشحين الجمهوريين المحتملين لإنتخابات الرئاسة الامريكية، أنتقد معظم المرشحين مواقف الرئيس باراك أوباما من حسني مبارك، ومن ثورات "الربيع العربي"!.
حيث قال كين"اللذي أنتهت حملته بعد فضائح أخلاقية قبل الأنتخابات المصرية الأخيرة". يجب النظر إلى الوضع فى ليبيا ومصر واليمن وكل الثورات التى تحصل الآن، وكيف أساءت الإدارة التعامل معها،
وحذر قائلاً. " أن علاقتنا بمصر قد لا تستمر، لأنه حين دعم هذا الرئيس(ويقصد أوباما) المعارضة، تبين أن المعارضة معظمها من الإخوان المسلمين، والتى قد تحصل على أغلبية وتسيطر على الحكومة الجديدة".
وفى ما يتعلق باليمن، قال كين، إن أوباما دعا الرئيس على عبد الله صالح إلى الاستقالة، ولكنه "صديقنا، ويساعدنا فى الحرب على القاعدة"، مضيفاً أن أوباما وقف على الجانب الخاطئ فى كل وضع تقريباً فى العالم العربى، ولم يؤد ذلك لأى شىء إلا تعريض الوضع بكامله للخطر".
بدوره انتقد المرشح نيوت جينجريتش تخلى الرئيس أوباما عن الرئيس المصرى "المخلوع" حسنى مبارك "بين ليلة وضحاها"، وقال إنه من المذهل أن يكون الرئيس السورى بشار الأسد "يحظى بمعاملة ناعمة" لأن وزارة الخارجية "لا تريده أن يشعر بسوء."
وأعرب عن تخوفه من المعاداة للمسيحية، وقال: "إن الدرجة التى قد يصل إليها ربيع العرب ليصبح ربيعاً معادياً للمسيحية هو أمر يقلقنى جداً".
كل تلك العبارت والتصريحات والممارسات والمناورات السابقة لا بد وأن تؤدي الى تفسير واحد ووحيد. وهو أن الولايات المتحدة لم تكن مستعدة لخسارة نظام حسني مبارك في أي مرحلة من المراحل قبل أن يصبح سقوطه بيد الشعب أمراً حتمياً، رغم أنف العم سام، وأن الفكر السياسي الجمعي للساسة الأمريكان بجميع توجهاتهم وأحزابهم، لازال "كما هو ديدن الفكر الأستعماري عبر التأريخ" يميل الى أن الدكتاتورية العميلة، أفضل بكثير للمصالح الأمريكية من الديموقراطية غير المسيطر عليها، ما يجعلنا نجزم بأن التدخل الأمريكي الشرعي وغير الشرعي قائم حالياً في مصر"وغيرها" على قدم وساق،وأن أي رأي مخالف سيجعلنا نجزم بسذاجة صاحبه في مجال السياسة والعلاقات الدولية على الأقل .
أذاً. أليس لنا الحق بأن نتسائل عن دور المنظمات الأمريكية "اللتي أستلمت في الشهر الماضي مبالغ هائلة من حكومتها كما جاء في التحقيقات الجارية" في مصر؟ خاصة وأن حتى الأطفال باتوا يعرفون أن لا وجود للجمعيات الخيرية، وأعمال البر والأحسان، في السياسات الدولية. وأن دوراً سياسياً للجمعيات الأمريكية في مصر هو حتمية واقعية، بل وطبيعية جداً، حيث أن الجمعيات والمنظمات الأنسانية والتبشيرية وحتى الأستكشافية والعلمية، كانت على علاقة تامة بالسياسة وعمل المخابرات على مر التأريخ الموثق والمكتوب .
حادثة تأريخية أخرى جديرة بالذكر هنا لأستكمال الصورة الكبيرة حول هذا الموضوع .
ففي عام 2002، حكم القضاء المصري بسجن الدكتور سعد الدين ابراهيم سبع سنوات، بعد إدانته بتهم التلاعب والاحتيال والتزوير، التي ثبتت بحق "مركز أبن خلدون للدراسات "الذي كان يرأسه، وهو حكم ضغط الأميركيون منذ لحظة صدوره، بحجة أن إدانة الدكتور إبراهيم لها دوافعها السياسية، وأنه سجن لأنه من الناشطين المدافعين عن الديمقراطية وحقوق الإنسان في مصر، ومن ثم فإنها ذهبت إلى وصف الحكم بأنه عدواناً على الحريات العامة وانتهاكاً لحقوق الإنسان!.
بعد ذلك أجبرت الحكومة الأمريكية، حسني مبارك "الحاكم بأمر البيت الأبيض" على توجيه أمر الى ذات ، محكمة النقض العليا اللتي أدانت سعد الدين أبراهيم ، لتبرئته من التهم الموجهة اليه .
ألا أن ما يلفت النظر، أن عدو الأنسانية والعرب ومصر الأول، الصهيوني"إرييل شارون" واللذي كان رئيساً لوزراء الكيان الصهيوني حينها، قام بتكليف وزارة خارجيته باستدعاء القائم بالأعمال المصري في تل أبيب، وهو ما أكده "محفوظ الأنصاري" رئيس تحرير وكالة "أنباء الشرق الأوسط" في مقال نشرته الصحف المصرية الأحد (27/5/2001)، وتحميله رسالة عاجلة للحكومة المصرية، يعرب فيها الكيان الصهيوني عن الصدمة التي مُني بها نتيجة صدور حكم قضائي بحبس الدكتور "سعد الدين إبراهيم"، باعتبار الحكم انتهاكًا لحقوق الإنسان !.
وهنا على اللبيب أن يفهم هذه الأشارة الواضحة، واللتي لاتحتاج الى تعليق.
http://arabic.cnn.com/2012/egypt.2011/2/7/usa.egypt_military/index.html
http://ara.reuters.com/article/topNews/idARACAE70S02P20110129
http://arabic.cnn.com/2012/egypt.2011/1/26/egypt.lahood/index.html
التعليقات (0)