مواضيع اليوم

المنطق يهدي الى الايمان بالله

اوس العربي

2009-09-11 02:26:20

0

منطق الإيمان جورج هربرت بلومنت

إنني أومن بالله ، بل و أكثر من ذلك، إنني أوكل إليه أمري ، ففكرة الألوهية بالنسبة إليّ ليست مجرد قضية فلسفية ، بل إن لها في نفسي قيمتها العلمية العظمى و إيماني بالله جزء من صميم حياتي اليومية .
و يختلف هذا اختلافاً كبيراً عما يذهب إليه كثير من المفكرين ،فهنالك عدد غير قليل من عمالقة الفكر استبعدوا فكرة وجود الله عن محيطهم و أقاموا من أنفسهم دعاة إلى الإلحاد،وهذا يفرض علينا أن نوضح الأسباب التي تدعونا إلى الإيمان بالله ولدى محاولتي القيام بهذا الواجب، أحب أن أوضح بعض خواطري ، وأنا أناقش بعض النظريات الهامة التي تدعو إلى الإيمان أو الإلحاد ،و لسوف تعيننا مناقشة هذه الآراء على الأسباب التي تدعو كل من يستخدم عقله إلى الإيمان بالله ،وأريد بعد ذلك أن أبين لماذا يؤمن الناس بالله.

لقد درس كثير من الباحثين الأسباب التي تجعل الناس يؤمنون إيماناً أعمى يقوم على التسليم لا على أساس المنطق و الاقتناع ، وما يؤدي إليه هذا النوع من الإيمان من أفكار متناقضة حول صفات الله . و تدل الشواهد على أن هنالك نوعاً من الإجماع بين الفلاسفة و المفكرين على أن لهذا الكون إلهاً ، و لكن لا يوجد هنالك اتفاق على أن هذا الإله هو ذاته إله الكتب المقدسة . و ليس معنى ذلك بطبيعة الحال أن هنالك مطعناً في تلك الكتب ،أو أن ذلك الغموض يرجع إلى عدم وجود الأدلة الكافية فقد يكون العيب في المنظار ذاته الذي ترى به الحقائق، و عندئذ يؤدي ضبط المنظار إلى المزيد من الوضوح، ولكن حتى مع ذلك يبدوا أن الأدلة في حد ذاتها لا تعطي الحكم المطلق .

و لكي أبين القيمة الحقيقية للأدلة و ما يعتبر من وجهة نظري الطريقة السليمة لاستخدامها، أحب أن ألفت الأنظار إلى طريقة الاستدلال التي نستخدمها في علوم الرياضة .

فمن المعروف في علم الهندسة ، أننا نستطيع أن نبني كثيراً من النظريات على عدد قليل من البديهيات ، أو تلك الفروض التي نسلم بها و نقبلها دون مناقشة أو جدال حول صحتها ، فالعلماء يسلمون أولاً بالبديهيات ، ثم يتتبعون مقتضياتها أو النتائج التي تترتب عليها . و عند إثبات أي نظرية نجد أن برهانها يعتمد في النهاية على مسلمات أو أمور بديهية ، و مع ذلك فإن النظريات مجتمعة لا تستطيع أن تقدم دليلاً على صحة بديهية من هذه البديهيات ،بمعرفة ما يترتب على استخدامها من الاتفاق أو تضارب مع التطبيقات العملية و الحقائق المشاهدة .

و لا تعتبر صحة النظريات التي تقوم على الأخذ بهذه البديهيات ، و لا مجرد عدم مشاهدة آثار للتناقض بين هذه النظريات و بين الواقع و المشاهد ، دليلاً أو برهاناً كافياً على صحة البديهيات المستخدمة . فالواقع أننا نقبل البديهيات قبول تسليم وإيمان .

و ليس معنى ذلك بطبيعة الحال أنه تسليم أعمى لا يقوم على البصيرة ، وكذلك الحال فيما يتعلق بوجوده تعالى أمر بديهي من الوجهة الفلسفية ، والاستدلال بالأشياء على وجود الله ـ كما في الإثبات الهندسي ـ لا يرمي إلى إثبات البديهيات، و لكنه يبدأ بها، فإذا كان هنالك اتفاق بين هذه البديهية و بين ما نشاهده من حقائق هذا الكون و نظامه ، فإن ذلك يعد دليلاً على صحة البديهية التي اخترناها . و على ذلك فإن الاستدلال على وجود الله يقوم على أساس المطابقة بين ما نتوقعه إذا كان هنالك إله و بين الواقع الذي نشاهده .

و الاستدلال بهذا المعنى ليس معناه ضعف الإيمان ،و لكنه طريقة لقبول البديهيات قبولاً يتسم باستخدام الفكر، و يقوم على أساس الاقتناع بدلاً من أن يكون تسليماً أعمى .

و الأدلة أنواع : منها الأدلة الكونية ، ومنها الأدلة التي تقوم على إدراك الحكمة ، ثم الأدلة التي تكشف عنها الدراسات الإنسانية .

فالأدلة الكونية تقوم على أساس أن الكون متغير ، و على ذلك فإنه لا يمكن أن يكون أبدياً ، و لابد من البحث عن حقيقة أبدية عليا .

أما الأدلة التي تبنى على إدراك الحكمة فتقوم على أساس أن هنالك غرضاً معيناً أو غاية وراء هذا الكون ،و لابد لذلك من حكيم أو مدبر . و تكمن الأدلة الإنسانية وراء طبيعة الإنسان الخلقية ، فالشعور الإنساني في نفوس البشر إنما هو اتجاه إلى مشرع أعظم .

و لما كان اشتغالي بالعلوم ينحصر في التحليل الفيزيائي ،فإن الأدلة التي يتجه إليها تفكيري تعتبر من النوع الذي يبحث عن حكمة الخالق فيما خلق . و لاكتشاف القوانين التي تخضع لها الظواهر المختلفة ، لابد من التسليم أولاً بأن هذا الكون أساسه النظام ، ثم يتجه عمل الباحث نحو كشف هذا النظام .

و يبدأ عمله عند حل مشكلة من المشكلات بعمل نموذج أو تجربة تعينه على دراسة الظاهرة التي يدرسها ،و ليس النموذج أو التجربة إلا محاولة لاختبار صحة فرض من الفروض . و يجب أن يكون هذا الفرض بسيطاً مع مطابقته للواقع ، ثم يدور البحث حول النموذج أو التجربة لمعرفة العوامل التي تؤثر في الظاهرة التي هي موضع البحث ، فإذا كانت النتائج مؤيدة للفرض الذي بدأ به ، فإنه يعده صحيحاً لأن ما ينطبق على هذا النموذج ينطبق أيضاً على سواه ، مما يدل على تسليمنا بأن هنالك نظاماُ يسود هذا الكون .

و لا يمكن أن يتصور العقل أن هذا النظام قد نشأ من تلقاء نفسه من العدم أو من الفوضى ، و على ذلك فإن الإنسان المفكر لابد أن يصل و يسلم بوجود إله منظم لهذا الكون ،و عندئذ تصير فكرة الألوهية إحدى بديهيات الحياة ، بل الحقيقة العظمى التي تظهر في هذا الكون و المطابقة بين الفرض و النتيجة تعد برهاناً على صحة الفرض . و المنطق الذي نستخدمه هنا هو أنه إذا كان هنالك إله فلابد أن يكون هنالك نظام . و على ذلك قإذا كان هناك نظام فلابد من وجود إله .

و يلاحظ أن للملحدين منطقهم منطق سلبي ، فهم يقولون إن وجود الله يستدل عليه بشواهد معينة وليس ببراهين قاطعة ، وهذا من وجهة نظرهم يعني عدم وجوده تعالى . إنهم يردون على الأدلة الكونية بقولهم : إن المادة و الطاقة يتحول كل منها إلى الآخر بحيث يمكن أن يكون الكون بذلك أبدياً . كما أنهم ينكرون النظام في الكون، يرونه مجرد وهم ، و هكذا ينكرون الشعور النفسي بالعدالة و الاتجاه نحو موجّه أعظم ، و مع ذلك لا يستطيعون أن يقيموا دليلاً واحداً على عدم وجود الله ، و من منطقهم : أن الأدلة المقدمة لإثبات وجود الله لا تعتبر كافية من وجهة نظرهم .

و هنالك فئة أخرى من الملحدين لا يعترفون بإله لهذا الكون لأنهم لا يرونه ، ولكنهم لا ينفون وجود إله أو عالم آخر غير هذا الكون . و لا شك أن هذا موقف مائع متضارب لا يستند إلى أساس سليم .

فإذا قارنا الشواهد التي يستدل بها المؤمنون على وجود الله، و تلك التي تستند إليها الملحدون في إنكار ذاته العلية ، لأتضح لنا أن وجهة نظر الملحد تحتاج إلى تسليم أكثر مما تحتاج إليه وجهة نظر المؤمن ، و بعبارة أخرى نجد المؤمن يقيم إيمانه على البصيرة .أما الملحد فيقيم إلحاده على العمى .

و أنا مقتنع أن الإيمان يقوم على العقل وأن العقل يدعو إلى الإيمان . و إذا كان الإنسان يعجز أحياناً عن مشاهدة الأدلة ، فقد يكون ذلك راجعاً إلى عدم قدرته على أن يفتح عينيه .

و مجرد الاقتناع بوجود الله ، لا يجعل الإنسان مؤمناً ، فبعض الناس يخشون من القيود التي يفرضها الاعتراف بوجود الله على حريتهم . و ليس هذا الخوف قائماً على غير أساس ، فإننا نشاهد أن كثيراً من المذاهب المسيحية ، حتى تلك التي تعتبر مذاهب عظمى ـ تفرض نوعاً من الدكتاتورية على العقول . و شك في أن هذه الدكتاتورية الفكرية إنما هي من صنع الإنسان و ليست بالأمر اللازم في الدين ، فالإنجيل مثلاً يسمح بالحرية الفكرية حينما يقول : " قال الرب أقبل علينا و دعنا نفكر معاً ".

فماذا يدعو الإنسان إذن إلى الإيمان الحقيقي و الاعتراف بوجود الله ؟ إنه نفس الشيء الذي يدعوه إلى الاعتراف بوجود صديقه ، و على ذلك فإن الإيمان يحدث عندما يتجه الإنسان إلى ربه و يرجع إليه .

و أعتقد أنني آمنت بالله بهذه الطريقة ، كما أعتقد أن الإيمان بالله يقوم على أساس المنطق و الاقتناع ،و لكن هذا يعتبر أمرا ثانوياً بالنسبة للأمر الأول : لقد اتجهت إلى الله و حصلت على خبرة شخصية محض لا أستطيع أن أقدمها إليك . فإذا كنت في شك من أمره تعالى فإليك الحل : " اتجه إليه و سوف تجده ". قال تعالى في القرآن الكريم {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ} (69) سورة العنكبوت

()ـ أستاذ الفيزياء التطبيقية حاصل على درجة الماجستير من معهد كاليفورنيا التكنولوج ـ كبير المهندسين بقسم البحوث الهندسية بجامعة كاليفورنيا.

عن كتاب "الله يتجلى في عصر العلم .."بقلم : جون كلوفر مونسما ترجمة الدكتور الدمرداش عبد المجيد سرحان الناشر مؤسسة الحلبي و شركاه للنشر و التوزيع القاهرة .




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

من صوري

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي صورة!

فيديوهاتي

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي فيديو !