المنطقة إلى أين؟
د.خلف علي المفتاح
قراءة ما يجري في منطقتنا العربية دون الأخذ في الاعتبار المقاطع الأساسية للمشهد الدولي الجديد الذي تغيرت ملامحه في عالم ما بعد انتصار الرأسمالية على المعسكر الاشتراكي هي قراءة قاصرة وسطحية ولا تصيب جذر المسألة وتجلياتها التي يمكن أن تأخذ أكثر من سياق ومنحى واتجاه.
لقد اعتقدت الرأسمالية الغربية عبر ساستها ومنظريها وراسمي استراتيجياتها أن النصر قد انعقد لها بإسقاطها القطب الاشتراكي فاسترخت لذلك الانتصار التاريخي وبدلت في أولوياتها من صراع مع عدو أيديولوجي إلى التسابق في الاستثمار الرأسمالي وجنون الربح ولم تعد مسألة الهوية الوطنية والسياسية عائقاً أمام ذلك، فظهرت الشركات الضخمة العابرة للقوميات والحدود وترافق ذلك بانتقال معادلة الإنتاج والتوزيع من قاعدة المركز والأطراف إلى لا مركزيتها، بمعنى آخر أصبح الهاجس الرأسمالي تركيز مردودية العملية الاقتصادية بناتجها المالي وتوسيع دائرة الإنتاج على قاعدة توافر اليد العاملة الخبيرة الماهرة والرخيصة. وفق هذه القاعدة تحولت مراكز الإنتاج والاستثمارات الرأسمالية الكبرى شرقاً حيث السوق الآسيوية الواعدة بإمكاناتها البشرية عالية المهارة وسوقها الاستهلاكية الواسعة هذا كله ترافق مع دينامية عالية ومرونة هائلة أبدتها شعوب تلك المنطقة وساستها لتتكيف مع المعطى الجديد بما يستجيب لمصالحها وحاجة مجتمعاتها التي تبدو مشكلاتها في نقص الموارد المالية وضعف التقانة ما انعكس على تصميم سياساتها الاقتصادية وخططها التنموية. راهناً يشهد عالم اليوم تحولات كبرى تظهر تجلياتها في الأزمة المالية العالمية التي تعاني منها كل من أميركا وأوروبا، فالواضح أن أميركا والغرب تحولا بشكل جلي من الاستثمار في اقتصاد حقيقي إلى استثمار في الأوراق المالية، بمعنى أدق من بيع المنتج إلى بيع قيمة المنتج عبر عملية تراكمية أشبه ما تكون بالفقاعة التي لا تلبث أن تعود إلى حجمها وما يشكله ذلك من انعكاس على العملية الاقتصادية بحركتها الدائرية أو دورتها الاقتصادية. لقد عزا البعض سقوط الاتحاد السوفييتي السابق لأسباب اقتصادية دون الاقتصادية وضعف العملية الديمقراطية والحديث الآن في الغرب يشير إلى أميركا عرجاء بساق عسكرية دونما أخرى اقتصادية بدليل أن الدين السيادي الأميركي قد تجاوز الناتج الإجمالي الأميركي ما خفض درجة التصنيف الائتماني الأميركي ناهيك عن الأزمة الأخلاقية التي تواجهها أميركا جراء حروبها وتدخلاتها في شؤون الدول دونما مسوغ شرعي أو أخلاقي وهو ما يترافق مع حركة الاحتجاجات الشعبية التي تشهدها أميركا وأوروبا تعبيراً عن القهر والظلم الاجتماعي الذي ترجع معظم أسبابه إلى الحروب التي شنتها أميركا وأوروبا في أكثر من مكان وما لذلك من انعكاس سلبي على شعوبها نظراً للكلفة المالية الباهظة التي تتجاوز تريليونات الدولارات ما جعل البعض يطلق على ما يجري في عالم اليوم أنه عولمة متوحشة. إن قراءة المشهد الدولي بأبعاده السياسية وحركة القوى الفاعلة فيه تشير إلى أن الرأسمال العالمي الذي أصبح في قلب الخطر بدأ يعيد حساباته ويستحضر صورته الكولونيالية ويسعى لحلول عسكرية لأزماته الاقتصادية عبر الاستثمار في مقولات أصبحت كالشيك دون رصيد كأزعومة نشر الديمقراطية ومساعدة الشعوب على التخلص من الفقر والظلم والاستبداد متجاهلين حقيقة أنهم هم وليس غيرهم أحد أهم أسباب ذلك، إن عجز الولايات المتحدة الأميركية راهنا عن شن حروب عسكرية جديدة جعلها تنتقل إلى الاستثمار في نفوذها لدى حكومات وقوى جاءت بها لتقوم بهذا الدور الوظيفي وهو ما يفسر حركة وتصريحات دعوات بعض الساسة في منطقتنا وما يوكل إليهم من مهام قذرة لا تتناسب مع حجومهم السياسية والعسكرية والبشرية وما يشكله ذلك من خطر حقيقي على شعوب المنطقة وفي المقدمة بلدانهم هم ولا سيما أنها ستكون ساحة عمليات أي عمل طائش وغير محسوب النتائج والتداعيات وهنا يبرز دور القوى الفاعلة على الساحة العربية والإقليمية والقيادات السياسية في المنطقة بضرورة التحرك الجاد والمسؤول لمواجهة هذه السياسات الرعناء وغير المسؤولة ولجمها ووضع حد لها حفاظاً على مصالح أبنائها وحقهم في العيش في مناخ آمن ومستقر بعيداً عن التدخلات الخارجية في ظل سيناريوهات تعد في المطابخ السياسية الغربية يبدو جلياً أن مهمة تنفيذها قد أوكلت لأطراف إقليمية وأن مسرح عملياتها بانتظار إشارة بدء فصلها الأكثر دموية؟
التعليقات (0)