اثار انعقاد المؤتمر السادس عشر لحركة عدم الانحياز 2012 في طهران ردود فعل عديدة في الغرب وفي الوطن العربي . وقد علقت الصحف العربية والعالمية على هذا الحدث واظهرت ايجابياته بالنسبة لايران وسلبياته على الغرب وعلى الولايات المتحدة الامريكية بخاصة .فيما اظهرت العديد من الكتابات الاعلامية هزالة حركة عدم الانحياز , لانه لا معنى لوجودها ولاسيما بعد زوال القطبية الثنائية وانهيار الاتحاد السوفيتي السابق , لان الاساس في قيام حركة عدم الانحياز هو الوقوف على الحياد ازاء الصراع بين المعسكرين الشرقي والغربي ( الاتحاد السوفيتي والولايات المتحدة ) والحياد اثناء الحرب الباردة بينهما ,ولكن بعد انتهاء تلك الحرب وتسيد الولايات المتحدة على النظام الدولي الجديد صار من المحتم ان تغير الحركة من نهجها السياسي , وان تفعل دورها الدولي , وان توجد لنفسها ادارة ثابتة ترعى شؤون الحركة وتتابع قراراتها بدلا من ايكالها الى دولة من دول الحركة كل ثلاث سنوات .
صحيح ان الولايات المتحدة لم تعد تتربع على قمة الجبل بالكامل , وصحيح ان بعض الدول الكبرى تحاول اخذ مكانها في النظام الدولي الجديد الذي يتكون , مثل روسيا والصين والهند والبرازيل , ولكن العلاقات بين هذه الدول والغرب علاقات وثيقة اقتصاديا , ولن يحدث صدام بينها , بل مماحكات على ترتيب الادوار في العالم .
الحركة نادي للحوار :
رغم مرور نصف قرن ونيف على ظهور الحركة اي منذ عام 1955 في باندونغ ومن ثم في بلغراد 1960 , الا ان دول الحركة لم تقطع علاقاتها مع الغرب ولا سيما في الجانب الاقتصادي والتقني والعلمي . وقد سبق ان كتبت في مقالة سابقة عن حركة عدم الانحياز وشبهتها " بنادي يلتقي فيه اعضاء الحركة للحوار فقط " , اذ لم تتمكن الحركة من اثبات وجودها على الصعيد الدولي الا في الجانب الاعلامي والسياسي غير المؤثر , اي التصويت في الجمعية العامة الى صالح قضايا العرب او دول الجنوب , وكثيرا ما كان اعضاء الحركة على كل المستويات يختلفون ويحتد النقاش بينهم ليصل الى حد السباب والقطيعة , ولم يخجل بعض الاعضاء من الدفاع عن الكيان الصهيوني او الدفاع عن الولايات المتحدة ونهجها السياسي المعادي لامال شعوب الجنوب اثناء عقد مؤتمرات الحركة .
اما ايران الملالي فطموحهم ان تصبح ايران دولة عظمى وهو طموح مشروع اذا ساروا في منهج عدم الاعتداء او التدخل في شؤون الاخرين من الدول المجاورة او الدول البعيدة جغرافيا .وهذه من ضمن الاهداف التي اقرتها حركة عدم الانحياز , وعليه فان نظام الملالي من اكثر دول الحركة خرقا لهذه الاهداف الانف ذكرها , اذ لايوجد بلد عربي او اسلامي لا يشكو من تدخل نظام الملالي فيه . وقد برع هذا النظام في عمليات التسلل والخرق لمجتمعات هذه الدول باسم الدين وبالمغريات المادية والتسهيلات الغرائزية للشباب والفتيات على حد سواء .
رسائل الملالي الى شعوب ايران :
ما يريده الملالي في ايران هو تطمين شعوبهم من القوميات التي تئن من جور وظلم نظام الملالي الذي امعن في قتل الابرياء لمجرد الظن انهم من المعارضين له ولنهجه الطائفي او العدواني , وتطمينهم ان ايران متمردة على الحصار الذي فرضه الغرب على نظام الملالي , وان حضور دول عدم الانحياز المؤتمر السادس عشر في طهران هو انتصار للملالي وكسر لحصار الغرب .
اما الهدف الاخر هو ابرام اتفاقيات اقتصادية بين ايران وبين بعض دول الحركة , وليس لها من امل الا في بعض الدول الفقيرة التي تحتاج الى منتجات ايران الصناعية ذات الجودة الهابطة , فدول مثل الصين او الهند او مصر او جنوب افريقيا هي اكثر تقدما في حقل الصناعة من ايران , وعليه فان هذه الاتفاقيات هي للدعاية الاعلامية . ولايهام الشعوب الايرانية ان ايران قادرة على تجاوز الازمة الاقتصادية التي تمر بها حاليا , لان الشارع الايراني يعاني من نقص المواد الاساسية في الحياة اليومية .
مقابل هذه الانجازات التي يدعيها نظام الملالي فانه اوقع نفسه في ازمة ثقة مع شعوب دول الحركة ولاسيما العرب , بعد فضيحة الافتراء والتزوير التي قام ازلام النظام في كلمة الرئيس المصري , وبالذات المقطع الخاص بسوريه الذي اغضب وليد المعلم وجعلة يغادر قاعة المؤتمر .لقد عبر نظام الملالي عن خبث ومهارة في الكذب والتدليس والافتراء في هذه الحادثة , وليس بمستغرب هذا التزوير على نظام افترى على الرسول محمد ( صلى الله عليه وسلم ) وعلى صحابته الاطهار , ولم يخجل من اظهار السب والشتم على صحابة الرسول وزوجته عائشة ( ام المؤمنين ) .ومن فرط حقده على العرب وعلى دول الخليج العربي وعلى البحرين , فقد حرف المترجم الذي نفذ اوامر الملالي كل كلمة قالها مرسي حول سوريه واقحم كلمة البحرين محلها , كدليل على فرط حقد الملالي على البحرين وشدة تأمرهم على هذا البلد الصغير .
عداء مظهري للغرب :
لقد اظهر نظام الملالي عداءا اعلاميا للولايات المتحدة منذ عام 1979 ودخل معها في صراعات معروفة النتائج سلفا , بان على اثرها ان الولايات المتحدة قد تقدم على ضرب ايران في اية لحظة , وكان ابرز هذه الاحداث احتجاز طاقم السفارة الامريكية لاكثر من سنه , وكذلك اسقاط الطائرة الايرانية في مياه الخليج . وجاء الملف النووي الايراني ليظهر ان الصراع بين الطرفين قد ينفلت نحو الحرب قاب قوسين او ادنى , ومع مرور الايام تبين ان الولايات المتحدة تتحرك تارة ضد ايران ترضية للكيان الصهيوني , ثم تعود وتقبل بالتفاوض معها سرا وعلنا . كانت اللقاءات متواصلة في الخفاء , والتنسيق معها على احسن وجه , والتفاهم بينهما ايجابي حول تقاسم الادوار في المنطقة .
لقد سهل نظام الملالي مهمة الولايات الامريكية في احتلال كل من افغانستان والعراق , كما سهلت مهمة اعوانها من الاحزاب العراقية الموالية لنظام ولاية الفقيه في دخول الاراضي العراقية اثناء الغزو الامريكي للعراق عام 2003 , وسكتت على سياسة بول بريمر التقسيمية وفق المنهج الطائفي الذي قاد البلد الى الاقتتال الطائفي , وذهب ضحيته الوف القتلى والمعوقين وملايين المهجرين . وكل ذلك ليسهل على ايران بسط سيطرتها على العراق , او على الاقل بسط سيطرتها على المحافظات الجنوبية ذات المذهب الواحد المشترك مع ايران . ومن خلال هذه السيطرة تتمدد باتجاه دول الخليج العربي , وبالذات الكويت والبحرين والسعودية . ان هذا الدور التبادلي بين الطرفين بات واضحا للعيان بعد انسحاب القوات الامريكية من العراق اواخر العام 2011 . اذ سيطرت ايران على العراق سياسيا واقتصاديا , الامر الذي جعل قاسم سلطاني يصرح بان العراق وجنوب لبنان تابعين لايران , وبامكانه تشكيل اية حكومة فيهما تنفذ
ما تريده طهران .
الادارة الامريكية معنية جدا بموضوع الملف النووي الايراني بفعل الضغط الصهيوني وقلقها من تنامي القدرات النووية الايرانية , ولاسيما بعد تمكنها من تخصيب اليورانيوم محليا , الامر الذي يوحي ان بمقدورها تصنيع سلاح نووي يهدد المنطقة كلها حسب المفهوم الامريكي والصهيوني .
مكافأة امريكا للملالي :
وعلى هذا الاساس فالادارة الامريكية سعت الى منح نظام طهران الفرصة تلو الاخرى بهدف التوصل الى حل يرضي كل الاطراف , ومن هذه الحلول منح ايران فرصة لاخذ دور اقليمي مميز ومنضبط في المنطقة الى جانب تركيا والكيان الصهيوني , ولا تمانع الادارة الامريكية ان يكون الدور الاقليمي على حساب الحقوق العربية , وعلى حساب الهوية العربية , وكما غضت الولايات المتحدة الامريكية الطرف عن سقوط عملائها في تونس ومصر واليمن , فانها ستسمح لايران ان تسقط انظمة عربية واحتلال بلدانها , وفي مقدمة هذه الدول البحرين التي باتت محور الاهتمام الايراني خلال العام المنصرم والجاري , حتى ان نظام الملالي لم يعد يتورع او يساير ولو دبلوماسيا في تصريحاته علاقات الجوار مع البحرين , وأستنكر هذا النظام فكرة الوحدة البحرينية ـ السعودية في اطار مجلس التعاون لدول الخليج العربي . في حين أعلن نيته الوحدة مع العراق .
انه منطق مزدوج في النظرة الى الوحدة .
. بل اكثر من ذلك دعى النظام الى مظاهرات في كل المدن الايرانية ضد فكرة الوحدة بين البحرين والسعودية , في الوقت نفسه طالب بوحدة البحرين مع ايران حسب ادعاءات تاريخية ليس لها سند قانوني , في حين يتغافل عن حقوق عرب الاحواز في حكم ذاتي في الاقل , وهو الاقليم الذي اغتصبته ايران عام 1924 بتواطؤ بريطانيا التي زرعت كل المشكلات في المنطقة .
الاشرفيون ومصيرهم في اجندة الملالي :
ومن اجل ارضاء النظام في طهران مازالت الجهات الامريكية المعنية تماطل في شطب منظمة مجاهدي خلق المعارضة من لائحة الارهاب , الادهى من كل ذلك ان المدعي العام الامريكي قد شكك في كل التقارير العسكرية الامريكية السابقة التي اكدت قيامها بسحب كل اسلحة منظمة مجاهدي خلق التي كانت بحوزة سكان مخيم اشرف . وطالب بضرورة التأكد من خلو مخيم اشرف من السلاح , وهذا التشكيك المتعمد يلتقي في نواياه مع الادعاءات الايرانية والعراقية لايجاد ذريعة لارتكاب مجزرة جديدة بحق الاشرفيين كالتي وقعت عامي 2009 و2011 وراح ضحيتها عشرات القتلى ومئات الجرحى , وكذلك المجزرة الجديدة في سجن ( ليبرتي ) بايعاز من نظام الملالي وادواته في قوات القدس والسفارة الايرانية في بغداد . .
وعن مسألة السلاح المفبركة نعود الى تصريح الجنرال ( اوديرنو ) في مؤتمر عبر الاقمار الصناعية يوم 18/6/2003 حيث قال " لقد تم نزع اسلحة سكان اشرف الخفيفة والثقيلة" , وقد ذكر الارقام الحقيقية لانواع الاسلحة التي كانت بحوزة الاشرفيين قبل عام 2003 . كما قامت القوات العراقية في شهر نيسان من عام 2009 بتفتيش المخيم بواسطة الكلاب البوليسية ولم تجد اية قطعة سلاح .
السؤال هو لماذا اثارت الولايات المتحدة هذا التشكيك الان ؟ لماذا لم تثره طيلة السنوات الماضية , اي خلال تسع سنوات مضت على الاحتلال الامريكي للعراق ؟ .هذه الرسائل الامريكية تمنح ايران وحكومة المالكي فرصة لان ترتكب مجزرة جديد ضد الاشرفيين بدم بارد , وهذا التعاون مع النظام في ايران هو عربون وجزرة جديدة بهدف الوصول الى تفاهمات جديدة بشأن الملف النووي الايراني .
ولو كانت الادارة الامريكية صادقة في تصنيف النظام الايراني في قائمة الارهاب او محور الشر او الدول المارقة , لتعاونت مع كل قوى المعارضة الايرانية ضد هذا النظام القاتل والدموي . وبالمقابل يرسل النظام الايراني رسائل الى الغرب بعامة والكيان الصهيوني بانه ليس ضد ( اسرائيل ) وهذا ما صرح به علي لارجاني رئيس مجلس الشورى بالقول " ايران لا تعادي اسرائيل .. وان المفاعلات النووية الايرانية لاتشكل تهديدا للامن الاسرائيلي " .
السمكة الطعم الجديدة هم الاشرفيون , ومن اجل الايقاع بهم تتواصل عرقلة عملية نقلهم من مخيم اشرف الى مخيم ليبرتي بعد نقل ستة افواج حتى الان .
مراوغات دولية :
ومن اجل ارضاء نظام الملالي ايضا اوحت الادارة الامريكية الى ممثل الامم المتحدة ( كوبلر ) الذي زار طهران بدعوة من الصليب الاحمر الايراني , وهي دعوة من وزارة ( اطلاعات ) بهدف اقناع الامم المتحدة بضرورة اشراك النظام الايراني في الاشراف على الاشرفيين في مخيم ليبرتي , واتاحة الفرصة امام المخابرات الايرانية ترتيب السيناريوهات المحكمة لذبح الاشرفيين خطوة ـ خطوة ., في ظل الظروف الصعبة التي يعيشونها , حيث لا ماء صالح للشرب , اوساخ متراكمة في جنبات المخيم , رفض التعاون من اجل تنظيف المخيم من الازبال , معاناة مع الافاعي والعقارب , معاناة من تدخل رجال الامن الذين يتجولون في المخيم خلافا لما تم الاتفاق عليه بين الحكومة العراقية والامم المتحدة بضرورة تواجد قوة امنية خارج اسوار المخيم فقط التعاون بين الادارة الامريكية ونظام الملالي هذه الايام هو على حساب الاشرفيين , ولا يهم الادارة الامريكية ان يتم ذبحهم مقابل تحقيق حل لازمة الملف النووي الايراني . وقد سبق لهذه الادارة ان سمحت بقتل مئات الالوف من العراقيين وتشريد الملايين من ديارهم وبلدهم دون ان يرف لها جفن . كما انها سمحت لنظام الملالي ان يحتل العراق سياسيا واقتصاديا وثقافيا للامعان في تفتيته وتقسيمه عرقيا وطائفيا . اما حماية الاشرفيين فتقع على دعاة حقوق الانسان في هذا العالم الذي يعج بالنفاق والدجل والعنصرية والاستبداد .
اماالسيد ( كوبلر ) فانه يتجاوز مهماته ورسائله السابقة والاتفاقات المبرمة بين الامم المتحدة والحكومة العراقية حول عملية نقل الاشرفيين الى مخيم ليبرتي . اما اشراك ايران من خلال منظمات وهمية تتبع وزارة المخابرات , فهو عمل مخالف للاتفاقيات الدولية وخاصة اتفاقيات جنيف الرابعة .
ان نظام الملالي مثل المذبوح الذي يرفس ما حوله املا في البقاء حيا , ولذلك فلا عجب ان يستميت في الدفاع عن نظام الاسد القاتل في سوريه , ولا عجب ان يرمي حزب الله بكل ثقله الاعلامي اللوجستي مع نظام الاسد , حتى لا تتضعضع الجبهة التي تخدم مخططات الغرب والصهاينة الرامية الى تفتيت العرب والمسلمين باشعال نار الفتنة الطائفية فيما بينهم .
التعليقات (0)