حسين السماهيجي
ستبقى قضية "المنامة عاصمة للثقافة العربية 2012م" موضعًا للجدل والأخذ والرد بين المعارضة والسلطة. خصوصًا وأن الثورة التي تفجّرت منذ الرابع عشر من فبراير 2011م، قد اتخذت الثقافة وجهًا من وجوهها الأساسية. ولم يكن الصراع الذي اشتعل بين السلطة والمعارضة- من الناحية المظهرية في الأقل- اختلافًا على أهمية المنامة من الناحية الثقافية، أو على مسألة استحقاقها لأن تضطلع بهذا الدور عربيًّا. بل كان الأمر متعلِّقًا بوجهة النظر حول مسار الأجندة الثقافية، وهل هي معبِّرةٌ عن ثقافة الشعب أم أنها معبِّرةٌ عن ثقافة السلطة وخادمةٌ لأجندتها في تحويل المشهد الثقافي في البحرين إلى مجرد مروِّج لها وشاهد زور على ممارسات تتعمّد التغييب والإقصاء للأشكال الثقافية المعارِضة، ولكل شخوصها ورموزها.
علينا، هنا، أن نتذكر المرة تلو المرة أنّ مواقف المثقفين من هذه القضية قد انقسمت بدورها بين موقفٍ مؤيِّدٍ للسلطة وآخر معارض لها. ولتدقيق الأمر بصورة جيدة، سنلاحظ أنّ موقف المثقفين المعارضين يستحق وقفاتٍ متأنية للتأمل والتحليل. فهؤلاء المثقفون محسوبون على مختلف الأطياف، وينتمون إلى مختلف صنوف الإبداع وأشكاله (الشعر، السّرد، النقد، المسرح، الموسيقى، الفنون التشكيلية ...إلخ). ويعدّون من الأسماء المهمة التي تشارك بفاعلية في ترسيخ المشهد الثقافي في البحرين، وبعضهم كان ضمن أعضاء مجالس الإدارات المتعاقبة في مختلف المؤسسات الثقافية.
وفيما يخص موقفهم من قضية "المنامة عاصمة للثقافة العربية"، فهو موقف ينطلق من رفض الممارسات التهميشية والإقصائية لهم ولمؤسساتهم التي لعبت دورًا رياديًّا في خدمة الثقافة والإبداع، طيلة العقود الأربعة الماضية، كما هي الحال مع أسرة الأدباء والكتّاب على سبيل المثال. بل ويتجاوز الأمر إلى الموقف من الممارسات القمعية التي مورست بحق الكثيرين من المبدعين والكتّاب والصحفيين من اعتقال أو تحقيق أو فصلٍ من الوظيفة أو إيقافٍ عن العمل مع قطع الرواتب. وهذا الأمر يعد مؤشِّرًا دالاًّ على أنّ السلطة التي تتعامل مع المثقف بهذه الطريقة، ليست مؤهَّلة لأن تقوم بأعباء العاصمة الثقافية العربية. كما وأنّ السلطة التي خصّصت حلقة تلفزيونية- مع البث المباشر على القناة الفضائية- للنيل من الكتّاب والمثقفين وعرضت صورهم وهم يشاركون في مسيرات جماهيرية، وكانت جريرتهم الوحيدة أنهم عبّروا عن مواقفهم التضامنية مع أبناء شعبهم، هذه السلطة ليست مستحقةً لأن تكون الممثِّل العربي للثقافة الحرة التي تعبِّر عن مواقف الإنسان وضميره الحي.
سيبقى المثقف البحراني صوتًا إبداعيًّا مميّزًا، ولن يكون مطلقًا بحاجة إلى سلطة تزعم أنّها تمثِّله في الوقت الذي تمارس فيه ممارساتها الإقصائية بحقه، وبحقّ زملائه الذين التزموا بما تمليه عليهم ضمائرهم الحرة.
http://www.beladitoday.com/index.php?aa=news&id22=3756
التعليقات (0)