مواضيع اليوم

المناحات الجماعية من دم تموز إلى دم الإمام الحسين

رانيا جمال

2012-02-08 08:00:19

0

البنية الميثولوجية لتموز

اله السومريين

لعل صموئيل نوح كريمر هو من اهم من كشف عن هذه البنية الميثولوجية وعناصرها، في كتابه «من الواح سومر» مستندا الى فك كتابات ورموز الرقيمات الطينية المتعلقة بالاساطير البابلية والسومرية وسائر بلاد ما بين النهرين. لنا هنا ان نسأل: هل تسربت بعض طقوس المناخات التموزية، الى الشعائر الكربلائية، المتعلقة بالبكاء على الامام الحسين واحياء ذكرى استشهاده وآل بيته وصحبه في كربلاء؟ ام ان الروح الكربلائية والمناحات العاشورائية، هي خاصة وجديدة، وليست لها من صلة بما سبقها أو لحق بها من كوارث الجماعات ومناحاتها؟

طقوس الحزن الكربلائي

وقائع عاشوراء حدثت في ضوء التاريخ، في حين ان الطقوس التموزية هي وليدة الميثولوجيا والاساطير السابقة على الحقائق التاريخية. لذلك فإن جاذبية المأساة الجارفة، اكتسحت الطبقات العميقة للمخيلة الشعبية لدى الشيعة عبر التاريخ، وساهمت في تحويل وقائع ايام الطفّ، من حدث تاريخي، الى فولكلور دموي اسطوري للفجيعة، يتنامى يوما بعد يوم، ويرسخ حضوره الدموي في المخيلة الشعبية، من حركة التوّابين الى الظواهر المشهدية الشعبية، مع ما يرافقها من طقوس تفجّع وتنكيل، على الصعيدين الجسدي والنفسي حتى اليوم. ان الجانب المشهدي للمأتم الحسيني هو في نموّ متزايد، حتى لكأنه يحفر لنفسه مجرى آخر في الوجدان الشعبي او الجمعي، مستقلاً عن النظر الشرعي او الاجتهاد الشرعي. تقام على امتداد الايام العشرة الأولى من شهر محرّم من كل عام، وعلى مساحة العالم الاسلامي الشيعي، مسيرات الحداد ومواكب اللطم على الصدور، وأعمال التطبير (شقّ الرؤوس بالسيوف) حتى يسيل الدم على الوجه والثياب، وتخرج مجموعات شعبية الى الشوارع والأسواق، مكشوفي الصدور، يلطمون لطماً شديداً على نسق الوزن والرويّ الخاص بالشعر الكربلائي، وبحسب نغمات الطبل والصنج والمزمار المنبثقة من فرقة تسير في طليعة الموكب. وتظهر مواكب السيوف ومسيرات الشموع، ومواكب التنبيه، اثناء القيام بهذه الاحتفالات.

أمام هذا الاحتفال الدموي الشعبي، يبدو أن محاولة الربط بين مظاهر التفجّع على الإمام الحسين وأهل بيته وصحبه في كربلاء، ومظاهر الحزن الموصوفة للطقوس التموزية، محاولة افتراضية تحمل شيئاً من التعسّف والإسقاط التاريخي. وهو ما كتبه وغالى به بعض الباحثين.

صحيح ان الاحزان البشرية على امتداد التاريخ، تتشابه، وأن المعتقدات تتقارب، سيما إذا تعاقبت الحوادث على شعوب تقيم في رقعة جغرافية واحدة، كما هي الحال في بلاد ما بين النهرين، أو في سوريا القديمة، وأن الخَلَف ينقل عن السلف، بعض ما يرسخ أو يتمّ توارثه من عادات وطقوس، لكن المبالغة في ذلك قد تحمل الباحث إلى ما سبقت الاشارة اليه من «تأليف الماضي». ذلك ما وقع فيه بعض الباحثين ممن كتبوا ابحاثاً مقارنة بين الطقوس التموزية والطقوس الكربلائية. من ذلك على سبيل المثال «العلاقة الميثولوجية بين بابل وكربلاء» لابراهيم الحيدري (موقع إيلاف تاريخ 25/1/2010) حيث يلاحظ ان الأحزان الجماعية تعود الى العصر المعروف بعصر السلالات 2003 ق.م. «ففي بابل كانت المواكب الدينية تخترق شارع الموكب سنوياً لندب الإله تموز إله الخصب والماء، والنواح عليه بعد الفوضى والخراب الذي حلّ بالأرض عند هبوط تموز للعالم السفلي، ونواح عشتار عليه. وكان الكهّان ينظمون هذه المواكب التي كان الملك يشارك فيها، وتخترق بوابة عشتار، وتستمر الاحتفالات 14 يوماً. في اليوم السابع تقام دراما محزنة تمثّل موت الإله تموز وتنتهي الاحتفالات في معبد مردوخ الواقع قرب نهر الفرات حيث تعاد فيه تمثيلية قصة الخليفة». وهو يرى أن النواح الجماعي في الشرق، مرتبط بالتحولات الفصلية التي تحلّ بالأرض وتتسبب بالجدب والقحط، ما يدعو لاحتفالات دينية تراجيدية لاستجلاب الخصب. ويضيف أنه في المواقع الجغرافية نفسها على ضفاف الفرات، وكما كانت تنطلق المواكب التموزية في الأزمنة الوثنية والميثولوجية القديمة، تنطلق المواكب الحسينية في يوم عاشوراء من أطراف المدن، وبخاصة كربلاء، لتذهب الى المساجد والحسينيات المقدسة، لاستذكار يوم عاشوراء.لكن جاسم حسين، في دراسة حول «نشأة الاحزان الجماعية وتطورها عند الإمامية» (المجلة التاريخية، العدد 3/1973 – بغداد)، يرى، على خلاف الحيدري، أن الاحزان الجماعية عند المسلمين، ذات اصل سياسي عقيدي يتمثل في معارضتهم للحكم الأموي، ولا تتصل بأصل أسطوري كما هي طقوس الحزن التموزية عند السومريين والبابليين.

وكان من أكثر من شُغِفوا بعقد المقارنة بين الطقوس التموزية والطقوس الكربلائية، المستشرقون أيردمن وشتريك ومايسنر، حتى أنهم قارنوا بين عشتروت ومناحاتها على تموز، وبين زينب أخت الحسين وتفجعها على أخيها الشهيد.

لكن اعجب ما ورد من مقارنات، تلك التي انتجتها احدى المخيلات المفتوحة على مصراعيها، وقد وردت في موقع مجلة «جُمان الحرة» – مجلة عراقية حرّة مستقلة (كما ورد في تعريفها في الموقع المذكور) بقلم أدد... مقالة لا تعطّل فقط التاريخ، في ما هو عقل أو اسطورة، بل تعطّل البحث المقارن نفسه، لما تنطوي عليه من افتراضات. فهي تقارن بين الإله السومري إيليا والإمام علي بن ابي طالب من ناحية، وبين ابن ايليا المسمّى سين والإمام الحسين من ناحية ثانية، وذلك بسبب التشابه اللفظي بين ايليا وعلي، وبين سين والحسين. ويتوغل في أحزان آرام وشنعار على مرّ العصور، فما كلمة «ويلاه» سوى ندبة باسم ايليا ودلالة على مظلوميته. إنه يكتب ما يأتي: «في العام 668م جاء إلى كوفة الإمام علي بن أبي طالب فقُتل، وقد لا أجزم بسبب هجره لموطنه مكّة أو المدينة وتوجهه إلى كوفة: هل هو حقاً بافتراض كثرة الناصر والمعين في العراق، أم أنه سار بقدره الذي هو قدر إيليا».

ويعقد مقارنة بين فاجعة سين المخلّص، وفاجعة الإمام الحسين. سيما أن ثمة ما يجمع بين الاسمين، فسين هو القمر الجميل، والحسين تلطيف الحَسَن وهو الجميل.

إنّ شنعار هي المسرح الموحّد للفاجعتين معاً.

جاء سين الى بابل في شهر تموز، واعتقلته أبالسة الشر ومنعت عنه الطعام والشراب حتى مقتله يوم الاثنين (يوم القمر)، وهو مصير الأمام الحسين نفسه الذي قُتل ممنوعاً من الماء والزاد، في شهر تموز أيضاً، ويوم الاثنين وفي كربلانو التي يعني اسمها ضاحية بابل الجنوبية.

صرخت عشتار لمقتل سين، وبكت نائحة: ويلاه ويلاه، ويلي عليك يا ولدي وأخي سين. لقد اختلط دمك بالتراب، وعفّر وجهك الأرض. يا فتيات مزّقن جيوبكنّ، والطمن صدوركنّ. بقيت صرختها حتى زمن حزقيال (القرن السابع قبل الميلاد). ويردد الشنعاريون اليوم عبارات مشابهة بسبب خذلانهم للإمام الحسين.لا يسعنا ونحن نقرأ هذه المقارنة اليوم، ونحن نشكّ في أفكارها، سوى ان نلاحظ امتداد أجنحة الزمان على المكان، امتداداً شعرياً سينمائياً، لا صلة له بالتاريخ أو الجغرافيا، ولا بالمقدّس واللامقدّس، بل هو من بنات المخيّلة، حيث كل شيء، بين يديها، أسطورة

http://www.beladitoday.com/index.php?aa=news&id22=2493
 




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

من صوري

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي صورة!

فيديوهاتي

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي فيديو !