يرتقب أن يقوم المبعوث الخاص للأمين العام في نزاع الصحراء الغربية، كريستوفر روس، بزيارة إلى منطقة المغرب العربي ومخيمات تندوف خلال الشهر الجاري لإعداد تقرير اجتماع مجلس الأمن حول الصحراء شهر أبريل القادم، وكذا للتحضير لعقد جولة جديدة من المفاوضات بين المغرب والبوليساريو.
وبعد إفادة مصادر من الأمم المتحدة أن هناك احتمالا كبيرا بشأن زيارة كريستوفر روس للرباط والجزائر ونواكشوط ثم مخيمات تندوف علاوة على مدريد في محاولة لتحريك ملف المفاوضات حول الصحراء الغربية.
ويتوقع عدد من المراقبين أنه في حالة عدم تمكن روس من نقط مشتركة بين الأطراف يمكن أن تقوم عليها مفاوضات ثالثة غير رسمية، والتي ستكون الأخيرة من نوعها على أن يتم الانتقال بعدها إلى مفاوضات رسمية أو إعلان فشل المفاوضات رفع تقرير إلى مجلس الأمن حول الصعوبات، ودفع مجلس الأمن بالأمم المتحدة لاتخاذ إجراءات جديدة.
وكان كريستوفر روس قد أجرى جولتين غير رسميتين، الأولى في النمسا والثانية في نيويورك خلال فبراير الماضي دون حصول أيّ تقدم باستثناء بعض الجوانب التقنية مثل تكثيف زيارات العائلات دون تحقيق أي اختراق في جوهر النزاع، حيث استمر تشبث بمبدأ تقرير المصير على رغم من اقتراح المغرب لصيغة الحكم الذاتي.
ويرى عدد من المتتبعين أن الوضع المتقدم الذي أحرزه المغرب لدى الاتحاد الأوربي، يجعل هذا الأخير يطالب الرباط بضرورة التقدم في احترام حقوق الإنسان خاصة في الصحراء الغربية. وهو ما عبر عنه وزير الخارجية الإسبانية أنخيل ميغل موراتينوس بالقول "أن صفة الشريك المتقدم للمغرب والقمة المغربية- الأوروبية هي القفزة التي تجعل المغرب يتقدم في مسار احترام حقوق الإنسان ومسار الإصلاحات السياسية. وهو ما سيفرض ضغوطا كبيرة للمغرب حين مواجهة مد انفصاليي الداخل.
ولقد بدأت تفاعلات ما بعد القمة المغربية الأوربية تبرز بشكل قوي على شكل سياسة العصا والجزرة، بعد تنديد هولندا بطرد المغرب لمجموعة من المبشرين، ومطالبة أحزاب أوربية صغيرة الاتحاد الأوربي بالتراجع عن الاتفاقيات التجارية الموقعة مع المغرب. وفي هذا السياق كانت بعض الأحزاب الاسبانية الصغيرة قد طالبت كذلك من وزير خارجية بلادها الضغط على المغرب لكي يحترم الحقوق في الصحراء، أو تعليق اتفاقية الصيد البحري الموقعة معه.
إن هذا الواقع الجديد الذي بات المغرب مطالبا للتفاعل معه بإيجابية باعتباره جزء من التعهدات أو الإصلاحات التي تعهد المغرب بتحسينها أمام الاتحاد الأوربي. وهو ما ستعمل دبلوماسية جبهة البوليساريو والجزائر على توظيفه سياسيا لإقناع أعضاء مجلس الأمن بجدوى الدفع في اتجاه توسيع صلاحيات المينورسو في الصحراء، أو تشكيل لجنة مستقلة تراقب مدى تطبيق المغرب لهذا المطلب في الصحراء الغربية. ومعلوم أن مجلس الأمن بالأمم المتحدة كان قد دعا إلى وضع آلية للمراقبة الدورية والكتابة عن أوضاع حقوق الإنسان في كل من الصحراء الغربية ومخيمات تندوف للاجئين.
ويتعزز هذا الضغط على المغرب بما خلص إليه تقرير منظمة هيومن رايتس ووتش من أن السلطات المغربية تُجرم المس بـ "وحدة أراضي" المملكة المغربية، وقمع الطعن في الموقف الرسمي القاضي بأن الصحراء الغربية جزء من المغرب، بحيث يمثل ذلك أحد ثلاثة خطوط حمراء في القانون المغربي تقيد من حرية التعبير، بالإضافة إلى "المس" بالدين الإسلامي أو بالنظام الملكي. وذلك عبر الاعتقالات التعسفية والمحاكمات غير العادلة والقيود على الحق في تكوين الجمعيات والتجمع، وعنف ومضايقات الشرطة التي تمر دون عقاب.
واعترف تقرير هيومن رايتس ووتش للمغرب بأنه فتح الباب بالتدريج وبتواتر غير متساوي لمزيد من النقاش حول القضية. على سبيل المثال اعترف المغرب قانوناً بحزب سياسي مغربي صغير، وهو النهج الديمقراطي، ويشمل نظامه الأساسي السماح للشعب الصحراوي بالتصويت على الاستقلال. وينتقد النشطاء الصحراويون الآن الحكم المغربي للمناطق المتنازع عليها، ويشكلون الجمعيات، وإن كانت غير معترف بها، للكشف عن خروقات حقوق الإنسان المغربية وللترويج لآرائهم المناصرة للاستقلال.
وأضاف التقرير أنه وفيما يتوجب ذكر التحسن الذي طرأ في الأوضاع، فإن المقياس الذي يجب النظر من خلاله لسجل المغرب الحقوقي هو المضاهاة بالتوقيع والمصادقة على الصكوك والاتفاقيات التي تُشكل قوام القانون الدولي لحقوق الإنسان، والتي صادق المغرب عليها وتعهد بكفالتها. وبموجب هذا المقياس ذاته تطلب السلطات المغربية أن يُحكم على أدائها.
لكن التقرير ذاته عاد لينتقد بشد الوضع الحقوقي بكل من الجزائر والبوليساريو، وأكد أن حقوق سكان مخيمات تندوف ما تزال عرضة للانتهاكات بسبب عزلة المخيمات وعدم وجود حركة مراقبة ميدانية لحقوق الإنسان. وأن حقوق السكان اللاجئين ما زالت عرضة للانتهاك بسبب عزلة المخيمات والوضع القانوني غير الواضح للمخيمات. فحكومة الدولة المضيفة (الجزائر)، المسؤولة بموجب القانون الدولي عن حماية حقوق جميع الأشخاص داخل إقليمها، منحت الإدارة الفعلية للمخيمات لحركة التحرير التي لا تُعتبر مسؤولة رسمياً في النظام الدولي عن ممارساتها الخاصة بحقوق الإنسان.
وأضاف التقرير أن البوليساريو تنفذ سياسات وتتخذ قرارات تؤثر على حقوق الإنسان الخاصة بسكان المخيم يوماً بعد يوم. وتدير المحاكم والسجون وقوة الشرطة الداخلية، وتسيطر على حدود المخيمات، وتصور من يغادرون المخيمات للعيش في الصحراء الغربية الخاضعة لسيطرة المغرب بصفتهم "خونة" أو ما هو أسوأ.
ودعا التقرير إلى تحميل البوليساريو مسؤولية أسلوبها في معاملة الأشخاص الخاضعين لإدارتها. حتى أنه لا يوجد في المخيمات معارضين أو مظاهرات أو وسائل إعلام أو منظمات ذات أهمية حقيقية تنتقد جهاراً شرعية جبهة البوليساريو بصفتها تجسيداً للقضية الوطنية، أو تضغط لصالح قبول العرض المغربي بالحكم الذاتي الصحراوي تحت سلطة المغرب.
وأن من يعارضون البوليساريو في قضايا جوهرية يجدون مشقة في الحياة، حتى رغم غياب أي حظر رسمي أو قمع مباشر لأنشطتهم، وكثيراً ما يغادرون ببساطة. وكما أوضح أحد سكان المخيم المتعلمين، ويناصر خطة الحكم الذاتي المغربية وقد غادر المخيم: "من يريدون معارضة البوليساريو من داخل المخيمات لا يمكنهم الإفلات بفعلتهم، فيقومون ببساطة بمغادرة المخيمات". ولهذه الاعتبارات استوجب التقرير السماح بالمراقبة الميدانية لأوضاع حقوق الإنسان في مخيمات تندوف والجزء الخاضع لسيطرة البوليساريو من الصحراء الغربية، بواسطة آلية ملائمة تابعة للأمم المتحدة، مثل بعثة الأمم المتحدة الخاصة بالاستفتاء إذا ما قررت الأمم المتحدة أن توسع من ولاية البعثة.
أما عن الوضع الحقوقي في الجزائر، فإن تقرير هيومن رايتس ووتش أكد أن الجزائر تتنصل فعلياً من مسؤولية انتهاكات حقوق الإنسان التي ترتكبها البوليساريو على الأراضي الجزائرية. واعتبر ذلك بالأمر المستحيل، إذ أن على المجتمع الدولي أن يُحمّل الحكومة الجزائرية المسؤولية عن أي انتهاكات ترتكبها جبهة البوليساريو في الجزائر، بالإضافة إلى مسؤولية البوليساريو عنها.
إذ اعتبر تقرير هيومن رايتس ووتش أن المخيمات تستأهل المراقبة الدورية الميدانية من قبل منظمات حقوقية وجهات دولية. ومثل هذه المراقبة غير مُطبقة في الوقت الحالي، سواءً من قبل الأمم المتحدة أو جهات أخرى. وعزلة المخيمات وبُعدها عن المناطق المأهولة، وتخلي الدولة المضيفة، الجزائر، عن مسؤوليتها، تُعلي من أهمية إدراج مخيمات تندوف ضمن برنامج دولي لمراقبة حقوق الإنسان في الصحراء الغربية.
ومعلوم أن قضية توسيع صلاحيات المينورسو لمراقبة الوضع الحقوقي بالصحراء، شكل أهم أولويات دبلوماسية خصوم المغرب، حيث كانت وسائل إعلام الجزائر والبوليساريو قد سربت خبرا بالموازاة مع "مفاوضات أرمونك" غير الرسمية، مفاده أن كريستوفر روس طلب من الأمم المتحدة مراقبة حقوق الإنسان في الصحراء الغربية، وهو ما نفاه نفيا قاطعا.
وتعمل اليوم وسائل الإعلام الصحراوية والجزائرية على الترويج لصور وواقع لأحداث تقول أن قوات الأمن المغربية ترتكبها اليوم بالأقاليم الصحراوية، وهو ما جعل عدد من المحللين السياسيين أن هذه الحملة تندرج في سياق العمل على توجيه تقرير المبعوث الأممي كريستوفر روس الذي من المرتقب تقديمه إلى مجلس لأمن، الذي سيعقده اجتماعه الدوري حول الصحراء في أبريل القادم، وتسعى البوليساريو إحداث تعديل في مهمة بعثة المينورسو لمراقبة وضع حقوق الإنسان بالصحراء وهو الأمر الذي رفضه المغرب بشدة حيث يعتبر ذلك مسا بسيادته الرسمية على ما يعتبره وحدته الترابية.
وتستعين في هذا المسعى جبهة البوليساريو والجزائر بعدد من المنظمات الدولية الحقوقية الصغيرة، والتي ترى أن بعثة المينورسو هي القوة الأممية الوحيدة للسلام التي لا تملك هذه الصلاحيات، ولذلك شددت على المطالبة بتوسيع صلاحيات المينورسو إلى مراقبة احترام حقوق الإنسان في الأراضي الصحراوية المحتلة من طرف المغرب.
وكانت وزارة الخارجية المغربية عبر رسالة بعثت بها إلى الأمين العام للأمم المتحدة السيد "بان كي مون" إلى نفي وجود عشرات من معتقلي الرأي والمعتقلين السياسيين بمختلف السجون المغربية. وأضحت الرسالة والتي كانت ردا على اتهامات البوليساريو، أن السجناء هم سجناء حق عام تتم "محاكمتهم وإدانتهم وفق القانون المغربي".
وتشكل إكراهات الوضع الحقوقي بالنسبة للمغرب في الصحراء تحديا، أولا للحساسية السياسية في المنطقة، ولأن انفصاليي الداخل، قد يستثمرون ذلك لمزيد من إرباك السلطة المحلية في ضبط النظام العام، وهو ما يستدعي تدخلا لحفظ النظام ويسجل على أنه انتهاك حقوقي في الأقاليم الجنوبية بالصحراء.
ومن جهة ثانية قد تخلق تحركات انفصاليي الداخل تحرك شعبي مضاد، لأن الشارع المغربي يعتبر قضية الصحراء أمرا مقدسا لا يجوز المساس به، وهو ما ينتج عنه غليانا شعبيا لا يمكن التكهن بنتائجه في الأقاليم الصحراوية كما في الأقاليم الداخلية، وهو المنطق الذي يجعل المغرب يرفض بشدة مثل هذا المطلب، كما أن مطلب توسيع صلاحيات المينورسو في حد ذاته يعد مطلبا مثاليا، لأنه يجزأ المسألة الحقوقية عن الحساسية السياسية بالمنطقة، والتي قد ينتج عن ذلك اصطدامات بين المواطنين المؤيدين للوحدة المغربية الغالبية العظمى وانفصاليو الداخل وهم قلة.
ويرى عدد من الملاحظين أن الإكراهات التي ستمارس على المغرب بعد قمته مع الاتحاد الأوربي ليس بإمكانها أن تمس وحدته الترابية لأن من معاني الشراكة احترام الآخر وما يعتبره وحدة ترابية له، ولذلك فإن جزء كبير من تفوق الدبلوماسية المغربية قد تجسد بالوضع المتقدم، ولعل ذاك ما انعكس على الترسانة الإعلامية الجزائرية التي أصيبت ببحت التحليل والتكهنات، واعتبرت أن الاتحاد الأوربي قد تخلى عن المبادئ الدولية في أحقية الصحراء في تقرير مصيرها، واستند الملاحظون إلى العلاقة الجيدة التي تشبثت بها إسبانيا حيال حليفها، رغم الكثير من الأزمات، فإنها أصرت على أن تجعل من المغرب حليفها، وفي الصدد يشير وزير الخارجية الاسباني موراتينوس وجود مؤشرات وصفها بالايجابية يمكنها أن تعطي "ديناميكية جديدة"، للتوصل لحل بين الطرفين المغربي والصحراوي في إطار الأمم المتحدة.
إلا أن المطالب الحقوقية والتي تركب عليها البوليساريو والجزائر بعد حصول المغرب على الوضع المتقدم مع الاتحاد الأوربي لا تهم المغرب فحسب وإنما تهم الجزائر ومخيمات تندوف، وأن الجزائر تعتبر تقارير المنظمات الحقوقية الدولية أنها تدخلا سافرا في الشؤون الداخلية لها، عكس المغرب الذي يجعل من وضعه الحقوقي محط تداول دولي، وهو الآن ومن أجل ذلك يباشر إصلاحات قوية تهم القضاء في إطار تعهداته أمام الاتحاد الأوربي.
Elfathifattah@yahoo.fr
التعليقات (0)