مواضيع اليوم

الملك وسياسة تجهيل وتفقير الشعب المغربي

فتح الله الحمداني

2009-05-13 00:17:48

0

تنتشر الأمية بنسبة مخيفة بالمجتمع المغربي رغم الخطاب الرسمي الذي يسوق منذعقود طويلة ل"المجهودات الجبارة " التي تبدل في مجال التعليم، فالحقيقة أن مؤامرة حقيقية تم حبك خيوطها في الخفاء ضد الشعب المغربي، هدفها حجب المعرفة عنه وتفويت فرصة التعليم والتعلم على أبنائه، لذلك تعرض المغاربة للتجهيل و"التكليخ" عبر طرق مختلفة كما سنعرض لذلك لاحقا ، وبالتالي فنسب الأمية المرتفعة وتهالك البنية التحتية للمؤسسات التعليمية والهدر المدرسي وكل كوارث التعليم الأخرى بالمغرب ليس من وحي الصدفة وإنما من تدبير وتخطيط إرادي للمخزن الذي يرى في التعليم خطرا عليه، فالتعليم ولا شك من شأنه أن يفتح أعين المغاربة على واقع الفساد الذي تغرق فيه كل مؤسسات الدولة ويصنع مواطنا قادرا على طرح الأسئلة التي تضع الأصبع على الجرح، وطبعا فمحاولة الإجابة العملية على هذه الأسئلة من طرف الشعب لن ترضي أذرع الفساد الملتفة حول مائدة السلطة التي تريد أن يطول جهل المغاربة حتى يخلو لها المجال لمزيد من النهب والفساد، والتحكم في عقولهم وأرزاقهم ومستقبلهم.
إن هذه السياسة المشؤومة شكلت ومازالت، عصب تفكير وتخطيط رجال المخزن المتعاقبين على خدمة "الأعتاب الشريفة" منذ الاستقلال، منفذين لتوجيهات "سيدْنا " المطاعة، فالملك الحسن الثاني مثلا كان لا يخفي توجسه من انتشار المعرفة والتعليم بين رعاياه حيث قال للصحافي الفرنسي جون دانييل مصرحا : "كل من علمناهم صاروا إما ثوريين أو إسلاميين"، هكذا فالملك الراحل كان يعتبر التعليم شرا لن ينتج إلا الرافضين لحكمه والتواقين للثورة عليه، لذلك ففي نظره، ماذا يمكن أن يصنع بهذا "الفيروس" الذي سيخترق عقول أبناء شعبه ويجعلهم يجلبون المآسي لحكمه ومملكته غير دفعه عنهم وإبعاد "شره" عن حياتهم؟
خطة التجهيل هذه تجلت بوضوح في المخططات التعليمية و"الإصلاحات " المتتالية التي يدل تتابعها على الاهتمام الخاص الذي يوليه المسؤول الأول بالمغرب لحقل التعليم، لكن هذا الاهتمام تأتي أهدافه الحقيقية على عكس ما هو معلن… فإذا أخذنا الميثاق الوطني للتربية والتكوين مثلا، فلن يحتاج المطلع على بنوده لكبير جهد لاكتشاف أوجه المؤامرة التي تهدف لجعل التعليم حكرا على فئة ضيقة من الشعب دون باقي أفراده المشكلين للأغلبية "المسحوقة"، وهذا ينطبق على مايسمى ب"المخطط الاستعجالي" الذي ينتظر الشروع في العمل به قريبا، حيث لن يشكل هو الآخر إلا حلقة أخرى من مسلسل الإجهاز على تعليم المغاربة باعتباره محاولة جديدة لتنزيل بنود الميثاق الوطني وتحقيق "أهدافه"، بعد أن أوصل تقرير البنك الدولي حول التعليم بالمغرب الميثاق إلى نهايته قبل تمام عشريته الأولى ليعترف المسؤولون ب"فشله "، دون توضيح معنى "الفشل" هنا، هل يقصدون فشل أهدافهم أم أهداف الشعب ؟

سياسة التعليم بالمغرب لا يجب فصلها عن باقي السياسات المتبعة في جميع القطاعات الأخرى، حيث يبقى القاسم المشترك بينها هو الوقوف ضد مصلحة الشعب والسعي لتهميشه و سحقه وتوسيع حجم الاستغلال في حقه أقصى ما يمكن، فالحسن الثاني مثلا كان ينهج سياسة التفقير كما هي مستمرة في مملكة "العهد الجديد" عملا بمقولة "جوّعْ كلبك يتبعك"، أي اترك كلبك جائعا واقذف له من حين لآخر بعض الفتات حتى يتبعك معتقدا أن عطفك وشفقتك هي مصدر استمراره، لذلك فما عليه سوى الطاعة والانقياد حتي لا يلاقي غضبك… هذه السياسة يستفيذ منها نظام الحكم عبر عدة أوجه.

أولا: يستغل المسؤلون جهل وفقر الناس لتقديم بعض الحقوق البسيطة وكأنها إنجازات عظيمة ومبررا كافيا لتصوير المغرب جنة الفردوس في الأرض، أو تسوق كأنها هبات وصدقات ما كانت لتحقق لولا "العطف" الملكي وحرصه على أحوال شعبه، بشكل يجعل الناس يلتفون حول "جلالته" معتقدين أنه مصدر "الخير والنماء"، وهذا الالتفاف ما كان ليتم بهذا الشكل لو كان المواطنون متعلمون ومستوعبون أن الحق ليس هبة أو صدقة، وكان يتمتع كل فرد بكافة حقوقه التي تكفلها له الشرائع السماوية والوضعية.

ثانيا : يلعب الفقر دورا محوريا في استمرار الوضع القائم وتسلط الحكم دون معارضة، لما له من أثر على المواطنين، حيث ينشغل أفراد الشعب بالبحث عن لقمة العيش و ينصرفون عن التفكير في كل ما من شأنه أن يفضي إلى انتفاضتهم بهدف تغيير أوضاعهم المزرية ورفع الظلم الواقع عليهم، والسلطة إذ تنهج هذه السياسة تعمل بالمثل القائل " الكرش عندما تشبع تقول للراس غني "، والمسؤولون يخافون أن تشبع "كرش" الشعب فيغني برحيلهم وضرورة تغييرهم، وطبعا نجاح سياسة التفقير رهين بنجاح سياسة التجهيل، وإلا صار للفقر مفعول عكسي وأصبح حكامنا في مواجهة بركان غضب شعبي هائج، عندها لن تفلح آلة القمع في الصمود أمام حرارة حمم البركان القادرة على صهر الأغلال الملتفة حول أعناقنا منذ قرون.




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

من صوري

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي صورة!

فيديوهاتي

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي فيديو !