رادوبيس" إمرأة جميلة فاتنة ،حسنة الصوت، عاشت في عهد الملك الفرعوني " مرنرع الثاني، "رادوبيس" ساحرة فتنت بسحر جمالها كل من قاده حظه العاثر إلى رؤيتها، ألهبت خيال شعراء عصرها، كما سياسيه و رساميه بل قادته العسكريين أيضاً.
كانت تمنح جسدها كل ليلة لأحدهم بعد أن تشعل خيالهم برقصها، جعلت من قصرها منتدى يتنافس فيه علية القوم على الظفر ببعض عطفها، فمنحتهم الجسد و إستبقت قلبها إمعاناً في إذلالهم، و قد قادتها الظروف للقاء بمرنرع نفسه فوقع في قلبها كما وقعت في قلبه و منذ ذلك الحين آلى فرعون على نفسه ألا يصرفه عنها شيء ففوض شؤون الحكم و السياسة لأتباعه و غرق في بحر الهوى و الملذات و احتجن من أموال الرعية ما شاءت له رغائبه أن يحتجن، ينفقها بين يدي أهوائه، و إستيقظت رعيته ذات يوم على الحقيقة المؤلمة. فرعون الذي ملكوه رقابهم لا ينظر إلى آلامهم و معاناتهم و يقدم على كل تضحياتهم لأجله، رضى "رادوبيس" ولا شيء قبل "رادوبيس".
ثار الشعب و طلب رأس فرعون وكان له ما أراد فقتل فرعون شر قتلة و ذكر تاريخ المصريين اسمه مقروناً بلقب "الملك العابث" ولم يكن العابث الوحيد في الدولة فكل قادته قبله كانوا من مرتادي قصرها ولكنه القربان الذي يفترض أن تخمد الثورة بسقوط رأسه.
فما أشبه اليوم بالبارحة أطاحت الثورات العربية لحدود الساعة بالقذافي و بن علي و مبارك و صالح، قرابين الثورات هؤلاء لم يكونوا العابثين المنفردين في أنظمتهم، فالنخب التي مالأتهم و الشعوب التي صنعت جبتهم بصمتها لها حظها كذلك من مسمى العبث ولكن قضت طبيعة الأشياء أن يقبل العامة بأي نصر مهما كان تافهاً.
فإسقاط هؤلاء على الحقيقة لم يكن نصرا ذا قيمة لشعوبهم لأنه ليس من المقبول إختزال نظام برمته مهما كان متجبراً في فرد واحد.
إن معركة الشعوب الثائرة لم تبدأ بعد، فلا يتغير نظام برحيل فرد أو بضعة أفراد. يكفي أن نتابع أخبار البلدان التي جرفها المد الثوري لتتجلى لنا الحقيقة المؤلمة.
صراع رهيب ينخرط فيه الجميع بلا هوادة لأجل الظفر بالسلطان، البلدان الثائرة تتمزق الواحدة تلو الأخرى و هذا عين العبث، فالأمة التي لم تتخلص بعد من سلطان الأهواء لا تستحق أن تتخلص من سلاطينها العابثين، حين تدرك أمتنا أن معركة البناء ليست أقل شأنا من معارك الهدم تضع رجلها الأولى في طريق الثورة السليم، فالثورة التي تطيح برأس السلطان و تترك صوره البشعة ماثلة في النفوس ليست ثورة...
دعونا نسأل أنفسنا أسئلة محرجة تعكس إجاباتها حقيقة صورتنا :
حين يملك الواحد منا بيتاً ويرزقه الله ذرية، ماذا يكون شأنه في سياسة بيته ؟!
أتراه يقبل نقد الزوجة -وهي فرد من رعيته ـ و يسهر على تربية أبنائه، أم أن سلطان "رادوبيس" -و دعوني أسمي كل هوى مطاع رادوبيس- يصرفه عن كل ذلك نحو المقهى و الأصدقاء و الإستفراد بالرأي في اتخاذ القرارت ؟
حين ينعم الله على أحدنا و يبسط له في الرزق فيملك شركة أو ضيعة
ويحكمه الله في أرزاق ثلة من الخلق يزيد عددهم أو ينقص، ماذا يكون شأنه في تدبير رزقه الذي هو بالضرورة مرتبط بأرزاقهم، أيعطي كل ذي حق حقه أم أن سلطان "رادوبيس" ينفث في نفسه أنهم ما وجدوا إلا لخدمته وأنهم دونه أضيع من الأيتام في مأدبة اللئام؟
حين يتولى أحدنا منصبا صغيرا أو كبيرا مرتبطا بمصالح الناس أيحرص على الالتزام بوقت عمله وقضاء مصالح الناس أم أن سلطان "رادوبيس" سينفث في قلبه أن راتبه دون راتب فلان وعلان وأنه يكدح ليجني غيره ثمرة كدحه غافلا عن كدح هؤلاء الذين تعطلت مصالحهم؟
حين يخلو أحدنا بنفسه ويذكر أنه آذى فلانا بلسانه وجار على علان في حق من حقوقه، أيقهر سلطان رادوبيس طالبا الصفح أم تأخذه العزة بالإثم فيسوغ لنفسه جورها وظلمها؟
كلنا ذلك الملك العابث ننصت لداعي "رادوبيس" في حدود ما نملك فلا تكون كل ثوراتنا ذات قيمة بغير استئصال جذور سلطانها من دواخلنا قبل أن نستأصلها من الخارج ، لا أسوغ بذلك طغيان من تقدم ذكرهم و لكني أومن أن من سيخلفهم و نحن على هذه الحال من الاحتكام لداعي الذات و الملذات لن يكون بأحسن حالا من ذلك الفرعون المصري القديم (مرنرع الثاني) الملك العابث
التعليقات (0)