اثارت التجربة النووية الأخيرة اللتي قامت بها كوريا الشمالية عاصفة من الشجب والأستنكار في جميع انحاء العالم . وحتى العواصم اللتي تعتبر صديقة لنظام بيونغ يانغ مثل بيكين استنكرت التجارب النووية الكورية الشمالية وضربها القرارات الأممية عرض الحائط .
وبالرغم من ان نظام بيونغ يانغ هو واحد من اعتى الأنظمة الددكتاتورية في العالم واكثرها قسوة واجرام في حق شعبها اللذي يعيش مجاعة مستمرة منذ عقدين من الزمن , الا ان الولايات المتحدة والغرب اللذين استصدرا عدة قرارات دولية ضد بيونغ يانغ لم يستطيعا فرض عقوبات دولية مؤثرة على هذا النظام تمنعه من المضي في نهجه الداخلي وفي مساعيه النووية ولم تستطع حتى تهديده باستخدام القوة لأرغامه على تطبيق هذه القرارات . والسبب في ذلك يعود الى الحماية الصينية لهذا النظام اللذي ينتهج الخط الشيوعي الصيني اولا . ولأمتلاك كورية الشمالية قوة ردع نووية لايستهان بها ثانيا . والدليل على ذلك ما صرح به وزير الفاع الأمريكي روبرت غيتس بعيد التجارب النووية الشمالية حيث قال .
الى ذلك، اعلن وزير الدفاع الاميركي روبرت غيتس الجمعة، ان الولايات المتحدة لم تلاحظ تحركات للقوات في كوريا الشمالية، ولا تنوي زيادة قواتها المسلحة في كوريا الجنوبية، رافضا تعبير "ازمة". وقال غيتس في طائرة تقله الى سنغافورة قبل محطة في غوام لست على علم بتحركات للقوات في كوريا الشمالية خارجة على المألوف واعتقد اننا لا نحتاج الى تعزيز وجودنا العسكري في الجنوب" حيث ينتشر حوالى 28 الف جندي اميركي .
واكد غيتس"لا ننوي التحرك عسكريًا ضد كوريا الشمالية ما لم يقوموا بشيء يتطلب ذلك"، محذرًا من انه اذا ما فعل الكوريون الشماليون شيئًا ينطوي على استفزاز كبير على الصعيد العسكري، فلدينا الوسائل لمواجهته . وفي تلميح الى التجارب النووية والبالستية التي اعلنت عنها بيونغ يانغ هذا الاسبوع، اكد غيتس"اعتقد ان لا احد في هذه الادارة يعتبر ان ثمة ازمة، لكننا نتعامل مع حدثين استفزازيين جدا ترافقا مع لهجة عدائية .وقال غيتس ان واشنطن تتخوف ايضا من الانتشار النووي. واضاف ان "تصديرهم للتكنولوجيا النووية والصواريخ مصدر حقيقي للقلق". ويشتبه في ان كوريا الشمالية نقلت في السابق هذا النوع من التكنولوجيا الى سوريا . واوضح غيتس "في الوقت نفسه، اعتقد ان ذلك يمكن ان يوفر فرصا للتعاون المتعدد الاطراف واشار الى ان الردود الممكنة هي "اقتصادية ودبلوماسية" في الاساس، فيما يناقش مجلس الامن في الوقت الراهن مسألة فرض عقوبات جديدة على بيونغ يانغ .
www.elaph.com/Web/Politics/2009/5/445488.htm
اذا فالولايات المتحدة ترى كل ما فعلته كوريا الشمالية امرا عاديا ومقبولا وترفض ان تسميها ازمة . وان النظام الكوري الشمالي اللذي لايقل اجراما عن نظام صدام حسين وشاه ايران وبينوشيه بل ويفوقها جميعا في سجل القمع , لم يخلق ازمة تستحق اتخاذ اجراءآت عسكرية حتى ولو شكلية .
اما المشكلة الحقيقية واللتي تثير القلق والخوف في نفس الأدارة الأمريكية فيتمثل بجملة غيتس ((وقال غيتس ان واشنطن تتخوف ايضا من الانتشار النووي. واضاف ان "تصديرهم للتكنولوجيا النووية والصواريخ مصدر حقيقي للقلق". ويشتبه في ان كوريا الشمالية نقلت في السابق هذا النوع من التكنولوجيا الى سوريا )) .
فهل سنجد بعد هذا التصريح من سيتشكك في ان القضية اللتي تتصدر اولويات السياسة الأمريكية هي حماية الكيان الصهيوني , وان كل الأخطار المحدقة بالعالم وحتى المحدقة بامريكا ذاتها تأتي في الدرجة الثانية والثالثة والتاسعة . وان كل النكت اللتي تطلقها الأدارات الأمريكية المتعاقبة عن حقوق الأنسان والديمقراطية واللتي اشعلت بسببها عشرات الحروب منذ الحرب العالمية الثانية والى الآن ماهي الا غطاء للهيمنة على العالم ولحماية الطفل المدلل اللذي يحتل ارضنا ومقدساتنا .
بالطبع انا لا اشك ولو للحظة واحدة بان هناك من سيجد التبريرات تلو التبريرات للولايات المتحدة فالبشر بشر اينما كانوا . وكما نجد من يدافع عن مقابر صدام الجماعية وضربه حلبجة بالأسلحة الكيمياوية ونجد من يدافع عن قتل الأطفال الفلسطينيين اللذين يرمون دبابات الميركافا بالحجارة على مرأى ومسمع من العالم كله وتعذيب السجناء واغتصابهم في ابو غريب وغوانتانامو . سنجد من يختلق التبريرات للولايات المتحدة لأطلاق اكاذيبها وتطبيق ازدواجية معاييرها على الملف النووي الكوري .
وانا اريد ان اسأل هنا . الا يعطي تصريح غيتس هذا شحنة تشجيعية لأيران للمضي قدما ببرنامجها النووي والأسراع في صنع القنبلة النووية الأيرانية لكي تكون رادعا لأمريكا واسرائيل كما اثبتت ذلك الترسانة النووية الشمالية ؟؟.
وماذا سيكون رد الفعل الغربي على تجربة نووية ايرانية مماثلة ؟. هل سيقول غيتس ( اعتقد ان لا احد في هذه الادارة يعتبر ان ثمة ازمة ) .
الموضوع اصبح واضحا وضوح الشمس فاذا كان التهديد يمس الكيان الصهيوني فان الأجراءات الدوبلماسية والعسكرية تأتي تباعا وبسرعة مذهلة حتى لوكلف الأمر حربا عالمية ثالثة , اما اذا كان التهديد لا يمس الكيان الصهيوني من قريب ولا من بعيد فهنا سيكون التدخل العسكري ممكنا اذا كانت التكلفة بسيطة جدا , اما اذا كانت التكلفة باهضة فسيكون التدخل الدبلوماسي كافيا طبعا .
التعليقات (0)