من إحصاء الضحايا إلى مؤشرات الاقتصاد:
الملف الأمني "ثانوي" في العراق..والاقتصاد والإعمار يتقدمان ببطء!
بقلم/ ممدوح الشيخ
في تحول لافت في الشأن العراقي أعلنت وزارة الداخلية العراقية أن الملف الأمني أصبح ثانويا ليحل محله الملف الاقتصادي وملف الإعمار، وهو ما يختصره مصدر أمني عراقي بقوله: إن العناصر الأمنية كانت مطاردة من قبل المجاميع المسلحة ما بين عامي 2007 و2008 وأن المعادلة تغيرت وأصبح رجال الأمن هم من يطاردون تلك المجاميع في هذا العام، وأن الملف الأمني أصبح اهتماما ثانويا للحكومة بعد أن سيطرت عليه تماما. لكن هذا التصريح المتفائل ترافق مع مخاوف من غلق معسكر بوكا الذي تديره القوات الأميركية جنوب البلاد لاحتمال عودة المفرج عنهم لممارسة الإرهاب، كما أن قانون العفو أطلق سراح وزيرين في ما يسمى (دولة العراق الإسلامية). وفي الحقيقة فإن بعض السجناء السابقين أعادوا ميليشيات طائفية في البصرة وبغداد وعلى طول نهر الفرات حتى الأنبار، وفقا لمصادر أمنية عراقية.
كان العام 2008 عمليات تسليم الملف الأمني للقوات العراقية حيث شكلت لجنة وفقا للمادة 23 من الاتفاق الأمني لتنفيذ هذه المهمة. ويقوم الاتفاق الأمني على أربع مراحل الأولى نقل الملف الأمني للمنطقة الخضراء ثم تسليم المعتقلين في السجون الأميركية للحكومة العراقية ثم الانسحاب الكامل من المدن بحلول يونيو 2009، ثم في المرحلة الأخيرة جلاء جميع القوات الأميركية من العراق في 2011. وستتسلم قوات الشرطة الملف الأمني في بغداد حال انسحاب القوات الأميركية المقرر نهاية يونيو المقبل.
وتزامنا مع هذه التطورات أعلن الجيش العراقي في فبراير الماضي انخفاض العمليات المسلحة في بغداد بنسبة 90 % كما اختفت ظاهرة الجثث المجهولة الهوية بشكل تام بعد عامين على تنفيذ "خطة فرض القانون"، وهو ما سيتلوه رفع الحواجز الأسمنتية التي أقيمت داخل بغداد وإعادة افتتاح عدد من الشوارع المغلقة وخفض أعداد نقاط التفتيش المنتشرة في عموم شوارع بغداد ورفع حظر التجول الليلي بصورة نهائية.
وقد كانت العلاقة بين الوضع الأمني المتدهور والصعوبات الكبيرة التي تواجه الاقتصاد العراقي موضوع اهتمام داخلي وخارجي كبير خلال العام 2008 بتأثير تحسن الوضع الأمني وتدهور أسعار النفط معا، فخلال الفترة السابقة ألقى تفاقم الأزمة الأمنية بثقله على الوضع الاقتصادي، وبالتالي على رفاهية المواطن، فموازنة عام 2008 مثلا تجاوزت الـ 48 بليون دولار خصص منها للقوى الأمنية نحو 9 بلايين دولار (19 %)، لكن سيادة الأمن والقانون هي من ناحية أخرى من مستلزمات الاستثمار والنمو الاقتصادي. وبسبب غياب الأمن تأخرت مشاريع لإعادة الإعمار وإعادة التأهيل لها أهمية اقتصادية كبيرة، فنقص الكهرباء والوقود وتدني مستوى الخدمات الحكومية أديا لتردي الوضع الاقتصادي.
بل إن النقص في الطاقة شكل العامل الأول في ارتفاع معدل التضخم، ومن ثم انخفاض القيمة الحقيقية للعملة، وعليه تم تخصيص حوالي 1،3 مليار دولار لتطوير قطاع الكهرباء. ويتوقع استمرارا استمرار أزمة الكهرباء أكثر من ثلاث سنوات.
وكانت أوضاع الاقتصاد العراقي موضوع تقارير اقتصادية دولية عديدة، وفي دراسة الدراسة أعدتها وحدة التحليل والمعلومات لدى الأمم المتحدة أعلنت الشهر الماضي جاء أن نحو نصف العراقيين (43 %) يعملون في وظائف حكومية ويشكلون عبئاً ثقيلاً على كاهل الميزانية، حيث تضاعفت أعداد العراقيين العاملين في القطاع العام منذ عام 2005. ويعد هذا أحد مؤشرات ضعف هيكلي خطير في بنية الاقتصاد العراقي نتج فيما يبدو عن محاولة الحكومة تحقيق الأمن مهما كان الثمن.
أفاد التقرير أن المشكلة الأكبر التي تواجه الاقتصاد العراقي تتمثل في الانخفاض الحاد لأسعار النفط أهم مصدر للدخل الحكومي. ويعاني 18% من العراقيين من البطالة المنتشرة خصوصاً بين الشباب في البلد الذي مزقته الحرب، يشكل الذكور الذين تتراوح أعمارهم بين 15 و29 عاماً 57 % من إجمالي العاطلين. وهناك انخفاض ملحوظ في عدد النساء العاملات، حيث يمثلن 17 % من القوى العاملة، وهي نسبة منخفضة بالمقارنة مع معظم الدول المجاورة للعراق.
وحسب الدراسة فإن القطاع العام الذي يؤمن وظائف مضمونة بمرتبات عالية نسبياً، يقوض الجهود الرامية لإنشاء شركات قابلة للاستمرار تقدم وظائف بديلة، بينما يكافح المستثمرون للحصول على تمويل. وقيما يتعلق بتحليل القوى العاملة العراقية بين 2003-2008 فإن الانخفاض الحاد الأخير في أسعار النفط وعدم وجود مصادر أخرى في الميزانية تجعل هذا المستوى المرتفع من الوظائف العامة غير قابل للاستمرار. في المقابل، أشار التقرير لانخفاض معدل وظائف القطاع الخاص من 25 % عام 2003 إلى 17 % عام 2008. وخفض العراق بالفعل ميزانيته مرتين بسبب انخفاض أسعار النفط العالمية، حيث خفضت النفقات التي تقررت في يوليو 2008 من 80 مليار دولار إلى 67 مليار دولار في ديسمبر، ثم إلى 62 مليار دولار.
وحذر التقرير من أن القطاعين الخاص والعام في العراق غير مهيئين لتوفير 450 ألف وظيفة للمتقدمين الجدد إلى سوق العمل سنوياً. كما تمثل رواتب القطاع العام والتقاعد 35 % من مجمل النفقات الحكومية عام 2009، وهي بذلك تشكل عبئاً كبيراً على الميزانية في مناخ من الضغوط المالية الناجمة عن انخفاض أسعار النفط. من ناحية أخرى اعتبر التقرير التضخم من بين العوامل التي جعلت من الصعب إطلاق شركات جديدة، لأنه يعني الإبقاء على أسعار الفائدة عند مستويات مرتفعة مما يجعل الاقتراض لأجل الاستثمار أكثر تكلفة.
ورغم خطورة التحذيرات والنبرة المتفائلة بالتحول من الأمن إلى الإعمار والاقتصاد فإن هذا التحول تواجهه عقبات كبيرة أخطرها الفساد المستشري في الجهاز الإداري للدولة، والنتائج الاقتصادية الوخيمة لسياسة المحاصصة الطائفية، كما أن تداعيات الأزمة المالية العالمية ستكون لها بلا شك تأثيرات سلبية على قدرة العراق على اجتذاب الاستثمارات الأجنبية. ولا يعني مجرد انخفاض وتيرة العنف ازدهار الاقتصاد بشكل آلي، بل يحتاج العراق حل الكثير من المشكلات السياسية والقانونية المعقدة التي يسببها تضارب مصالح الأطراف المختلفة في العملية السياسية.
التعليقات (0)