مواضيع اليوم

المكانة الإستراتيجية للبحر الأحمر منقووول

 

للبحر الأحمر مكانة خاصة في الإستراتيجيات العالمية والإقليمية، خاصة أن نزاعات تنشب فيه وحوله، وأنه يستقطب تنافس القوى الكبرى، ويتصف بسمات خاصة كمسرح حرب، وكموقع إستراتيجي واقتصادي ذي أهمية على مستوى الاقتصاد العالمي والعلاقات الدولية.


1. البحر الأحمر بين الجغرافيا والجغرافيا السياسية

يبدو البحر الأحمر، بالمفهوم الجغراسياسي، أكثر اتساعاً منه بالمفهوم الجغرافي للبحر نفسه. إذ لا يقتصر دوره على الوحدات السياسية، التي تطل عليه مباشرة، بل يتعداها ليشمل الوحدات السياسية، التي ترتبط به سياسياً أو اقتصادياً أو عسكرياً أو إستراتيجياً . وثمة مَن يرى أن منطقة القرن الأفريقي، تدخل ضمن نطاق المفهوم الجغراسياسي للبحر الأحمر. كما أن منطقة الخليج العربي، يمكن أن تدخل في الحيز الجغراسياسي لهذا البحر، باعتبار أن معظم صادراتها النفطية تمر عبره.

وعلى هذا القياس، يمكن القول أيضاً، إن دول أوروبا الصناعية لها علاقة جغراسياسية بالبحر الأحمر، لأنها تعتمد على نفط الخليج اعتماداً رئيسياً. ولا تخرج الولايات المتحدة الأمريكية عن الحيز الجغراسياسي للبحر الأحمر حيث يمر نفط الخليج، الذي تحتكر معظم إنتاجه وتجارته ونقله الشركات الأمريكية.

ويتضح، من ذلك، أن النطاق الجغراسياسي للبحر الأحمر متسع اتساعاً، يمكن أن يشمل معظم الخريطة السياسية للعالم، وذلك لعدة خصائص تميزه، وتدفع به إلى الصدارة من حيث الأهمية الجغرإستراتيجية. لهذا يُصبح من المؤكد أن أي حديث عن إستراتيجية الأمن في البحر الأحمر، يعني الحديث عن إستراتيجية كتلة جغرافية واسعة، تشمل البحر المتوسط والخليج العربي وبينهما البحر الأحمر. ويقتضي هذا أن تؤخذ هذه الكتلة في الحسبان عند تخطيط إستراتيجية الأمن لمنطقة البحر الأحمر.

وللمفاهيم والعوامل الجغراسياسية دور مهم في تقييم البحر الأحمر، سواء من وجهة نظر إستراتيجيات الدول المطلة عليه، أو من وجهة نظر القـوى الإقليمية والعالميـة. ويمثـل البحـر الأحمـر، بسبب كونـه محـور الربط بين قارات العالم القديم (آسيا، وأفريقيا، وأوروبا) والبحر الأبيض المتوسط والخليج العربي والمحيط الهندي، القطب الذي تتلاقى فيه مصالح وأهداف هذه المجموعة الكبيرة من الدول المحلية والإقليمية والعالمية، ذات القدرات العسكرية والسياسية المتنوعة، وذات المصالح المتقاطعة. ولهذا، تعد مجموعة الدول المطلة على البحر الأحمر قلب هذه الشبكة المعقدة من التفاعلات. وتزداد هذه الشبكة تعقيداً، إذا ما نظرنا إلى البحر الأحمر من ناحية ارتباط أمنه ارتباطاً وثيقاً بأمن البحر المتوسط والخليج العربي والمحيط الهندي. ومن ثمّ، فإن البحر الأحمر، بحكم موقعه الجغراسياسي والجغرإستراتيجي، يشكل عنصراً مهماً ومؤثراً في مسار تاريخ هذه المناطق ومستقبلها، إذ إنه محطّ أنظار القوى الكبرى في العالم، ومحور رئيسي تتحرك حوله صراعاتها، تحقيقاً لمصالحها الاقتصادية والسياسية والعسكرية والإستراتيجية بصفة عامة. كما تتلاطم فيه النزاعات الإقليمية حول الحدود البحرية والمطالب القومية. وفي إثر تدفق النفط في منطقة الخليج العربي، اكتسب البحر الأحمر قيمة إستراتيجية كبيرة، جعلته حلبة للتنافس بين كافة القوى المعنية بأمره.

وكانت عروبة البحر الأحمر هدفاً إستراتيجياً للدول العربية المطلة عليه. وفي هذا الإطار، كان هناك تحركات سياسية عربية، تهدف إلى تنسيق السياسات والأهداف لتخطيط إستراتيجية عربية موحدة تجاه البحر الأحمر، بيد أن هذه التوجهات، لم تلقَ نجاحاً، لاعتبارات داخلية وإقليمية، فضلاً عن الوجود العسكري الأجنبي في البحر الأحمر وحوله.

يتميز البحر الأحمر بموقع جغرافي وإستراتيجي مهم، لأنه ملتقى ثلاث قارات، وحلقة الوصل بين ثلاث مناطق إقليمية مهمة هي: الشرق الأوسط والقرن الأفريقي ومنطقة الخليج. وتطل عليه ثماني دول، منها ست دول عربية، هي: المملكة العربية السعودية، مصر، السودان، الأردن، اليمن، جيبوتي، ودولتان غير عربيتين، هما: إسرائيل وإريتريا. وتقع أربع من هذه الدول في قارة أفريقيا، هي: مصر، السودان، جيبوتي، إريتريا. والأربع الأخرى في قارة آسيا، هي: المملكة العربية السعودية، الأردن، اليمن، إسرائيل.

يستمد البحر الأحمر أهميته الإستراتيجية من موقعه الجغرافي، الذي وفر للقوى الإقليمية والدولية إمكانية الوصول إلى المحيطَيْن الهندي والأطلسي والبحر المتوسط. وزاد من هذه الأهمية اكتشاف النفط في منطقة الخليج العربي، المرتبطة به جغراسياسياً. ومنذ حرب 1973، انتقل مسرح الصراع العربي ـ الإسرائيلي إلى جنوبي البحر الأحمر، الذي أصبح يشكل قضية حيوية، تصطرع على مساحته الدول المطلة عليه، بغية السيطرة. وفي العام 1977، دخلت إثيوبيا الماركسية وحليفاها، الاتحاد السوفيتي السابق وكوبا، حلبة التنافس مع الأقطار العربية في شأن المسألة الإريترية ومسائل أخرى في المنطقة. أمّا الولايات المتحدة الأمريكية، فحرصت على ضرورة التواصل المستمر بين قواتها البحرية المرابطة في المحيط الأطلسي، وأسطولها السادس المرابط في البحر المتوسط، وأسطولها السابع المرابط في المحيط الهندي، حماية لمصالحها في منطقة الخليج العربي والقرن الأفريقي والبحر الأحمر والملاحة فيه.

يؤدي البحـر الأحمر دوراً بارزاً في الربط بين الشعـوب التي تعيش على جانبَيـه، من طريق تبادل المنافع فيما بينها، خاصة في مجال التجارة، بالنسبة إلى الأقطار التي لا منفذ لها غيره. ثم إن تركُّز العديد من الدول على المنفذَيْن الشمالي والجنوبي، من شأنه أن يؤدي إلى نشوب صراعات بينها، في ظل مساعي بعضها إلى السيطرة وبسط النفوذ على مقاليد البحر الأحمر، كما هو الحال في الصراع العربي ـ الإسرائيلي، والصدامات التي حدثت بين إريتريا واليمن حول جزيرة حنيش الكبرى. وكذلك التوترات بين جيبوتي وإريتريا حول الحدود، والسودان ومصر حول مثلث حلايب.

ومن ذلك أيضاً، أن البحر الأحمر يقع في مركز الكتلة العربية، جغرافياً وقومياً، ما يجعل الأقطار العربية المطلة عليه شديدة الحساسية لكل ما يؤثر في التوازن البحري المرتبط بالتوازن العالمي. إذ يمكن تهديد أمن هذه الدول، خاصة تلك التي ليس لها منافذ بحرية بديلة، باحتلال منافذها إلى هذا البحر، أو بإغلاق المضايق المتحكمة فيه. كما يؤدي البحر الأحمر دوراً جدّ مهم في الربط بين شطرَي الوطن العربي، في قارتَي آسيا وأفريقيا.

وتتميز منطقة البحرالأحمر بتعايش ثلاث قوميات مختلفة، تعتنق ثلاث ديانات: الإسلام والمسيحية واليهودية. وقد أدت التناقضات في مصالح دول هذه القوميات إلى قيام تكتلات إقليمية، أسفرت عن نشوب صراعات إقليمية وداخلية. وقد أدّى ذلك إلى منع قيام تعاون أمني أو سياسي أو اقتصادي بين هذه الدول، يكون أساساً لنظام أمني إقليمي شامل، يوفر الاستقرار للمنطقة، خاصة أن هناك ترابطاً عضوياً بين أمن البحر الأحمر والأمن القومي العربي بصفة عامة، وأمن الدول المطلة عليه بصفة خاصة. لذلك، أصبح أمن البحر الأحمر لا ينفصل عن هدف تحقيق الأمن القومي العربي.

ونظراً إلى الموقع الإستراتيجي للبحر الأحمر، الذي يربط بين العالمَيْن العربي والأفريقي، فقد وفّر هذا الربط عوامل التقارب والتجاور بين هذين العالَمَيْن عامة، وبين الدول المطلة على سواحله خاصة، كما أوجد تشاركاً في شؤون الأمن وتحقيق الاستقرار. وقد أدى ذلك كله إلى نشوء شبكة من التفاعلات والعلاقات التعاونية أو الخلافية أو التصادمية، تغذت من سياسات وإستراتيجيات القوى الإقليمية الأخرى، والقوى الكبرى ذات المصالح في البحر الأحمر. وهكذا، أصبح البحر الأحمر غير قاصر على علاقات الدول المطلة عليه، وإنما تداخلت في شبكة العلاقات أيضاً تلك القوى التي ترتبط بالبحر الأحمر، إستراتيجياً وسياسياً واقتصادياً وعسكرياً، وهي كثيرة، كمنطقة الخليج العربي، والقرن الأفريقي، والولايات المتحدة الأمريكية، وأوروبا، واليابان، والصين، وغيرها.

2. النزاعات في البحر الأحمر وحوله
تدور في البحر الأحمر وحوله مجموعة متداخلة من النزاعات السياسية، ذات الطابع الدولي أو الإستراتيجي أو الإقليمي أو الحدودي أو الثقافي أو الاجتماعي أو العرقي أو العنصري. وجميع هذه النزاعات تندرج ضمن النزاعات السياسية، وهي النزاعات الرامية إلى فرض السلطة السياسية، المرتبطة بمفهوم الدولة، بغرض ممارسة النفوذ وحماية المصالح القومية المرتبطة به.

وتساعد الجغرافيا السياسية والاقتصادية، ومقاصد القوى الكبرى على فهْم أعمق لطبيعة النزاعات في البحر الأحمر، إذ إن الأهمية القصوى لمنطقة هذا البحر، تنبع من مجموعة الحقائق الثابتة، والمتغيرات الجديدة، وهي حقائق وتغيرات جعلت من البحر الأحمر منطقة جذب إستراتيجي، بكل المقاييس.

ويمكن، من قبيل المثل، حصر حوالي اثني عشر نزاعاً، تدور، في الوقت الراهن، في البحر الأحمر وفي المناطق المتاخمة. ويمكن تقسيم هذه النزاعات إلى فئتين: النزاعات المباشرة، والنزاعات غير المباشرة. وتضم الفئة الأولى مجموعة من النزاعات الدائرة بين طرفين، يعدّان من الدول المطلة على البحر الأحمر، وتشمل:

(1) الصراع العربي ـ الإسرائيلي، بمختلف أشكاله وأنواعه وتفرعاته.

(2) توتر العلاقات المصرية ـ السودانية.

(3) التوتر السوداني ـ الأثيوبي.

(4) مشكلة جنوبي السودان.

(5) مشكلة إريتريا (احتلالها جزيرة حنيش اليمنية، وتوتر العلاقات السودانية ـ الإريترية).

(6) جيبوتي والوجود العسكري الفرنسي فيها.

(7) نزاع أوجادين، بين إثيوبيا والصومال.

أمّا النزاعات غير المباشرة، فهي تلك التي تقع بين طرفَيْن، أحدهما أو كلاهما ليسا من الدول المطلة على البحر الأحمر. وهذه النزاعات تشمل:

(1) حرب الخليج.

(2) العلاقات السودانية ـ الكينية.

(3) العلاقات السودانية ـ الليبية.

(4) العلاقات السودانية ـ التشادية.

(5) العلاقات الصومالية ـ الكينية.


3. النفوذ الأجنبي في البحر الأحمر

للبحر الأحمر، بسبب موقعه، بُعد إستراتيجي، جعله من أهم بؤر الصراع الدولي، خاصة أن دوله ذات درجات متباينة في خصائصها الجغرافية والوطنية والسياسية والدينية، وتتفاوت أوزانها بتفاوت أهميتها في الإستراتيجيات الإقليمية والدولية. وعندما تتضارب هذه الإستراتيجيات وتتعارض، تنشب الصراعات والحروب. لذلك، كان البحر الأحمر ومضايقه وخلجانه وجُزره، جزءاً من الحروب العربية ـ الإسرائيلية (1956ـ1967ـ1973)، وذا علاقة مباشرة بحربَي الخليج الأولى (1980ـ1988) والثانية (1990ـ1991).

ولمّا كان البحر الأحمر يمثل طريقاً نفطياً، في الدرجة الأولى، إذ يُنقل عبْره النفط الخليجي من مناطق الاستخراج إلى مراكز الاستهلاك في أوروبا، ولمّا كان يؤدي الدور نفسه في الحركة العكسية لنقل السلع المصنعة من أوروبا إلى أكبر سوق لها في آسيا وأفريقيا، أصبحت أوروبا داخلة، تلقائياً، في دائرة البحر الأحمر الجغراسياسية، التي تشمل أيضاً كلاًّ من الصين واليابان والهند، باعتبارها قوى اقتصادية عالمية مؤثرة، وقوى عسكرية إقليمية.

وكان للاتحاد السوفيتي السابق، قبل انهياره، موانئه على البحر الأسود، وأسطوله البحري في المحيط الهندي، ذي الأهمية البارزة في إستراتيجيته البحرية. وكانت كلها ترتبط بالبحر الأحمر، فضلاً عن محاولات الاتحاد السوفيتي السابق، تكريس وجوده في منطقتَي الشرق الأوسط والقرن الأفريقي، لأغراض سياسية واقتصادية وعسكرية وأيديولوجية. أمّا الولايات المتحدة الأمريكية، فقد سيطرت شركاتها على عمليات استخراج النفط وتسويقه، ما ساعد على تكثيف وجودها السياسي والاقتصادي والعسكري في المنطقة، ودخولها في صراعات منطقتَي الخليج العربي والقرن الأفريقي.

وثمة قوى أخرى متعددة، مطلة على البحر الأحمر وشرق أوسطية وعالمية، تسعى إلى حماية مصالحها في البحر الأحمر. وليست سياسات هذه القوى، بالضرورة، متطابقة أو غير متصادمة أو غير متعارضة. فهي قد تلتقي، وقد تختلف وقد تتنازع وتتصادم. فإذا كان البحر الأحمر يشكل عمقاً إستراتيجياً لدوله المطلة عليه، فإن الدول المستهلكة لنفط الخليج، خاصة أوروبا، تعدّ البحر الأحمر جزءاً مكملاً لعملية تأمين النفط ووصوله إليها. ولهذا، فإن القوى الكبرى في العالم، تجد من مصلحتها أن تحصل على قواعد وتسهيلات عسكرية، سواء في البحر الأحمر أو في ما حوله من بحار ومناطق، وأن تجـد لها حلفاء إقليميين. وقـد أثر ذلك كلـه في معادلات القوى وموازينها في البحر الأحمر. وفي التاريخ الحديث أمثلة كثيرة على سعي الدول الأوروبية، خاصة في مرحلة الاستعمار، كفرنسا وإيطاليا وبريطانيا وروسيا، إلى الحصول على محطات بحرية لها على شواطئ البحر الأحمر، لتأمين ملاحتها بين الشرق والغرب. وقد نجحت هذه الدول في التمركز على بعض السواحل والقواعد، مثل ما فعلت بريطانيا في مصر وعدن، وفرنسا في "أبوخ" (جيبوتي)، وإيطاليا في "عَصَب" (إريتريا).

ولأن البحر الأحمر، لا يصلح لتمركز القطع البحرية الثقيلة، كحاملات الطائرات والغواصات، التي تشكل القوة الضاربة للبحرية الأمريكية، لجأت القوات البحرية الغربية إلى التمركز في المياه القريبة منه، كالبحر المتوسط، والمحيط الهندي والخليج العربي.

ولا يقتصر الوجود الأجنبي في البحر الأحمر على الوجود البحري فقط، إذ حرص بعض القوى، من منظور مصالحها الإستراتيجية، على دعم وجودها بأشكال أخرى في الدول المطلة على البحر. وبرز هذا التنافس في فترة الحرب الباردة بين المعسكرين الغربي والشرقي. ولم يتغير الاهتمام الأمريكي والغربي بالمنطقة، بعد انتهاء الحرب الباردة، بل تصاعد ليشكل دوراً أكثر فاعلية. وقد كان للاتحاد السوفيتي السابق، وجود أيضاً، إمّا بري أو جوي، أو بشكل خبراء في بعض دول المنطقة، مثل اليمن الجنوبي، وإثيوبيا، والصومال.


4. البحر الأحمر كمسرح حرب

يعدّ البحر الأحمر، بكل المعايير الجغرافية والسياسية والاقتصادية والعسكرية، أحد الاتجاهات الإستراتيجية الحيوية للدفاع البحري العربي. فهذا البحر، كمسرح حرب، يحتوي على عدد من الأهداف الإستراتيجية والاقتصادية والإدارية لستّ دول عربية تطل عليه، وتتوزع بالتساوي على الساحلين الآسيوي والأفريقي، مثال ذلك: الأماكن المقدسة القريبة من الساحل في المملكة العربية السعودية، وقناة السويس، ومضيق ثيران، وباب المندب، وبعض الجُزر، والثروات الاقتصادية في البحر، وخطوط الملاحة. ولا شك في أن الطبيعة الجغرافية، قد جعلت هذا البحر يتميز بدلالة خاصة، إذ يمكن أن يتحول إلى بحيرة مغلقة، قد تعكس العديد من المميزات، بالنسبة إلى الأمن القومي العربي.

ولا شك في أن إعداد مسرح البحر الأحمر للعمليات الدفاعية، بشكل فعّال ومؤثّر، يجعل الجُزر الكثيرة فيه ركائز أساسية في عملية التجهيز، نظراً إلى الدور الذي يمكن أن تلعبه هذه الجُزر، سواء على المستوى الإستراتيجي أو العملياتي أو التكتيكي، ووفقاً لموقع كل جزيرة من هذه الجُزر في المسرح، وخصائص كل منها وطبيعتها.

ونظراً إلى أن البحر الأحمر، من الناحية الجغرافية، يتميز بامتداد طولي كبير، فعلى عاتق الدول العربية تقع مسؤولية الدفاع عن سواحل، يزيد طولها على 4200 كم، سواء في السلم أو الحرب. ويصعّب هذه المسؤولية ظاهرة تخلخل الكثافة السكانية ومراكز العمران على طول هذه الجبهة الساحلية، إضافة إلى الافتقار إلى الطرق الرئيسية العرضية، التي تربط بين الساحل ومناطق العمق، وهو ما يحتاج إلى توافر أعداد كبيرة من الوحدات البحرية، التي يمكنها تغطية هذه السواحل بشكل مكثف، خاصة أثناء العمليات العسكرية.

ومن العوامل الجغرافية الأخرى، التي تصعّب مسألة الحسابات الإستراتيجية في البحر الأحمر، انتشار الحوائط الصخرية العالية، التي يراوح ارتفاعها بين 70 و 100 متر، على الساحل الأفريقي، وأعلى من ذلك على الساحل الآسيوي. وتمثل تلك الحوائط عقبة بين الساحل والبحر، تؤدي إلى تقليل إمكانات توافر وسائل الإنذار المبكر بالهجمات الجوية على الوحدات البحرية، المنتشرة في البحر الأحمر.

وباستثناء مصر واليمن والمملكة العربية السعودية، تفتقر بقية الدول العربية، المطلة على البحر الأحمر، إلى منافذ بحرية أخرى تجاه العالم الخارجي، الأمر الذي يهدد أمن تلك الدول، في حالة نجاح أي دولة معادية في فرض الحصار البحري على تلك المنافذ البحرية، أو شلّ حركة تجارتها.

وعلى الرغم من أن الطبيعة الهيدروجرافية والأحوال الجومائية، السائدة طوال العام في البحر الأحمر، تسمح باستخدام جميع أنواع الوحدات البحرية، إلاّ أن طبيعة سواحله وجُزره المحاطة بالشعاب المرجانية، وعدم توافر المساعدات الملاحية، أدّيا إلى تحديد طرق الملاحة، التي تتبعها السفن أثناء الإبحار، وهو ما يحدّ من قدرة المناورة أثناء العمليات العسكرية البحرية. كما أن نجاح الخصم في إغلاق هذه الممرات الملاحية المحددة، من شأنه أن يحدّ من إمكانات امتلاك السيطرة البحرية. وفي الوقت نفسه، يؤثّر تفاوت درجة حرارة الماء والملوحة في كفاءة عمل أجهزة الاستماع تحت سطح البحر، إضافة إلى أن شفافية المياه، التي تصل إلى 50 متراً، تحدّ من إمكانات استخدام الغواصات.

وقد أثبت التاريخ العسكري للبحر الأحمر، أنه يمكن اعتبار هذا البحر بحيرة شبه مغلقة، بسبب وجود اختناقات رئيسية، تتحكم في مداخله الشمالية والجنوبية، يمكن لمن يسيطر عليها أن يسيطر على حركة الملاحة في البحر كله. وتبقى لهذا الدرس المستفاد من التاريخ العسكري للبحر الأحمر، قيمته، على الرغم من التطورات التقنية الكبيرة في مجال التسليح.

ثمة ظاهرة نجمت عن انتهاء الحرب الباردة، وانهيار الاتحاد السوفيتي، وحرب الخليج الثانية، وبدء عملية التسوية للصراع العربي ـ الإسرائيلي، وهي تخلخل موازين القوى في منطقة البحر الأحمر. وإذا كانت الأرقام الدالة على القوى بأنواعها وأعدادها، تفسر تفوّق إحدى هذه الدول في مجال من مجالات القوى على الدول الأخرى، فإن هذا التفسير لا يعني، بالضرورة، تفوّق تلك الدولة، إذا ما وقع صدام مسلح. ذلك أن عوامل أخرى كثيرة، تؤثّر في ميزان القوى، وتدخل في مكونات كفّتيه. كما أن التحالفات التي يمكن أن تنشأ بين بعض الدول المطلة على البحر الأحمر ـ في حال قيام تلك التحالفات ـ لا تعني أيضاً، بالضرورة والحسـم، تفوّق تحالف على آخر، إذا كانت أرقام الميزان العسكري ترجح كفة ذلك التحالف.

لا شك أن الوجود العسكري للقوى الكبرى في البحر الأحمر، سواء بشكل مباشر أو غير مباشر، في المناطق المجاورة، كالقرن الأفريقي والخليج العربي والمحيط الهندي، يؤثّر في ميزان القوى فيما بين دول منطقة البحر الأحمر، إلاّ أن قوة هذه الدول نفسها، هي التي تشكل الأساس لتقويم الوضع الإستراتيجي، خاصة أن وجود القوى الكبرى، يتركز خارج البحـر الأحمر أكثر منه داخله، وأن دعوتها إلى المنطقة، عادة، تتم من جانب القوى المحلية، الأمر الذي أحال المنطقة، خاصة في فترة الحرب الباردة، إلى ساحة للصراع والتنافس. وعلى العموم، فإن موازين القوى في المنطقة تشير، بوضوح، إلى عدة دلالات، من أهمها أن المملكة العربية السعودية ومصر وإسرائيل، تعدّ من أبرز القوى العسكرية في المنطقة، وأكثرها تسلحاً وتطوراً (أُنظر الملحق ـ د ـ).

اتضحت أهمية البحر الأحمر، كمسرح للحرب، عندما تعرض الأمن فيه للاختبار، في صيف العام 1984، حين زُرع فيه 190 لَغَماً بحرياً متطوراً، على عمق 3 ـ 4 أمتار تحت سطح الماء، في المسار الذي تأخذه السفن المبحرة فيه. وأدى التلغيم إلى إصابة أكثر من 16 سفينة بأضرار. وقد أثار ذلك الرعب في أوساط النقل البحـري الدولي، ولدى الدول المطلة على البحر الأحمر والقوى الكبرى. وكانت مصر الطرف الأكثر تضرراً، بسبب ارتباط الملاحة في البحر الأحمر بشريان قناة السويس. وقد أشير، في الأوساط الإعلامية، إلى أن إيران ذات مصلحة في عملية التلغيم، إذ تم ربط العملية في البحر الأحمر باستخدام إيران الألغام البحرية في مياه الخليج، في أثناء الحرب العراقية ـ الإيرانية (1980ـ1988)، ما أدى إلى تهديد مصالح الدول الكبرى، التي سارعت إلى تعزيز وجودها العسكري البحري في الخليج. وقد أوضحت عملية التلغيم هذه عجز الدول العربية عن حماية أمن البحر الأحمر، وأن حماية الملاحة في البحر الأحمر ليست قضية سهلة، وأن هناك مصادر عديدة محتملة لتهديد سلامة هذه الملاحة. كما ظهر أيضاً أن الدول العربية المطلة على البحر الأحمر ـ لكونها الأكثر عدداً ـ كانت الطرف الأكثر تضرراً من أي عمليات من هـذا النوع، ومن ثمّ، فإن العبء الأكبر يقع عليها في حماية الملاحة في هذه المنطقة الحساسة.

ونظراً إلى ضآلة الإمكانيات العربية، تم استدعاء القوى البحرية للدول الكبرى، لعمل مسح بحري في المجرى الملاحي، للتأكد من نظافته من الألغام الزمنية وإعادة الطمأنينة للسفن المدنية التي تستخدم هذا المجرى. وقد أمكن، بالفعل، البحريات الأمريكية والسوفيتية والفرنسية والبريطانية القيام بهذه المهمة. وقد أثار هذا التهديد من جديد مسألة البحث في صيغـة للتعاون الإقليمي بين الدول العربيـة، وبوجه خاص توفير عناصر الأمن للملاحة في البحر الأحمر. وقد بدأت إثارة هذه المسألة ببيان أصدرته لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشعب المصري، في منتصف أغسطس 1984، جاء فيه: "إن أمن البحر الأحمر مسؤولية عربية أولاً. وقد آن الأوان لوضع إستراتيجية عربية واضحة، تشارك فيها الدول العربية المطلة على البحر الأحمر، لحماية هذه المنطقة من التهديدات والأخطار". وقد تبنّى السودان هذه الدعوة، ووجّهها، يوم 30/8/1984، إلى 8 دول، هي،: المملكة العربية السعودية، مصر، الأردن، اليمن الشمالي (الجمهورية العربية اليمنية)، اليمن الجنوبي (جمهورية اليمن الديموقراطية الشعبية)، جيبوتي، الصومال، إثيوبيا، لعقد "مؤتمر إقليمي خاص بأمن البحر الأحمر". وقد انعقد المؤتمر في الخرطوم، على مستوى وزراء الخارجية. ولم يصدر عن المؤتمر بيان أو قرارات توضح نتائج الاجتماع، وإنما قالت أجهزة الإعلام إن المؤتمر بحث في إنشاء منظمة، أو هيئة عربية، أو مجلس عربي، لحماية أمن البحر الأحمر. وعلى هامش المؤتمر، قال وزير الدولة للشؤون الخارجية المصري، إنه يجب إنشاء نظام إقليمي قوي للبحر الأحمر، يرتكز على توثيق التعاون الأمني والاقتصادي، بين الدول العربية المطلة على البحر الأحمر، وأن مصر ترى أن عملية زرع الألغام هي مجرد تحذير وإنذار وأن هناك احتمالات بتكرار العملية، مستقبلاً، وهو ما يستدعي التعاون الكامل بين جميع القوى.


5. الأهمية الإستراتيجية للبحر الأحمر
يمكن تلخيص الأهمية الإستراتيجية للبحر الأحمر في النقاط التالية:

أ. يمثل قناة وصل بين البحار المفتوحة شمالاً، عبر البحر المتوسط وقناة السويس، والبحار المفتوحة جنوباً، عبر باب المندب إلى خليج عدن فالمحيط الهندي. وتزيد وظيفته هذه من أهميته الإستراتيجية، خاصة من الناحيتين العسكرية والاقتصادية.

ب. يمكن اعتباره في منزلة خط أنابيب لنقل النفط الخام من مصادر إنتاجه على الخليج العربي إلى أوروبا وأمريكا. ويتضح من ذلك أن الخليج العربي، وإن كان يعد مركز ثقل، من الناحية الاقتصادية، إلاّ أن أهميته تلك تعتمد على باب المندب والبحر الأحمر. فإن كان حل أزمة الطاقة، من ناحية الإنتاج، يكمن في الخليج العربي، فإن حلها، من ناحية التسويق والنقل، يعتمد على باب المندب والبحر الأحمر وقناة السويس. وإذا تأثرت الحركة خلال هذا المضيق، فإن نتائج خطيرة تترتب على ذلك، منها توقف معامل التكرير في ميناء روتردام الهولندي، والأنابيب التي تنقل النفط المكرر منه إلى بلدان أوروبا الغربيـة. كما ينقطع عن أوروبا أيضاً خـط أنابيب النفط "سوميد" (SUMED, SUez-MEDiterranean) ،الذي يمتد من "السخنة" المصرية على البحر الأحمر، إلى سواحل البحر المتوسط. وتتأثر الملاحة في قناة السويس، وتنهار الموارد الاقتصادية للدول العربية وغيرها، التي تطل على هذا البحر، أو تتصل به بأي نوع من أنواع الاتصال. كل هذا يثبت ارتباط الأمن الدولي بأمن البحر الأحمر.

ج. للبحر الأحمر أهمية كبرى من ناحية الأمن: الأمن القومي العربي بصفة عامة، وأمن البلاد المطلة على البحر الأحمر وأمن القرن الأفريقي بصفـة خاصة. وهذه الدوائر الأمنية متصلة ومتداخلة، ومركز ثقلها الإستراتيجي هو البحر الأحمر.

د. للبحر الأحمر أهمية خاصة، بالنسبة إلى عاملَي الوقت والمسافة. فهو يختصر المسافة والزمن، إذا قورن بحركة الملاحة عبر رأس الرجاء الصالح. فعندما تعطلت الملاحة في البحر الأحمر، نتيجة لإغلاق قناة السويس في إثر حرب 1967، تعذرت مساعدة الاتحاد السوفيتي لفيتنام الشمالية، إلاّ بواسطة الطريق البري، الذي يمر عبر الصين الشعبية. ولذلك، حرصت الإستراتيجية الأمريكية على استمرار تعطيل الملاحة في القناة والبحر الأحمر، ريثما تنهي تورطها في فيتنام. وكان من نتيجة ذلك أيضاً، أن ارتفعت نفقات نفط الخليج، وطالت مدة نقله بسبب طول المسافة، التي كان على الناقلات قطعها، وهي تدور حول رأس الرجاء الصالح.

هـ. متاخمة البحر الأحمر لوحدات سياسية مختلفة، وهي وحدات ليست سياساتها متطابقة بالضرورة، بل هي متضاربـة في أغلب الأحيان، إضافة إلى مجاورة البحـر الأحمـر لكثير من المناطـق الحساسة ذات التأثير الحيوي، مثل منابع النيل وروافده، والأماكن المقدسة الإسلامية، ومنطقة الإنتاج النفطي. ويزيد ذلك كله من الأهمية الإستراتيجية للبحر الأحمر.

و. تحوّل البحر الأحمر إلى منفذ لنقل النفط رديف لمنفذ الخليج العربي (البحر) أو بديل منه في حال الاضطرار. ومن مظاهر هذا التحول:

(1) إنشاء العـراق خطـين للأنابيب: أولهما من حقـول نفـط الشمال في "كركوك" نحو الجنوب العراقي، ثم إلى ميناء "ينبع" السعـودي على البحر الأحمر. وثانيهما من حقـول الجنوب نحو ميناء "أم قصر" في العراق، ثم إلى "ينبع" على ساحل البحر الأحمر.

(2) إنشاء المملكة العربية السعودية خط "الجبيل ـ ينبع"، لتنويع مراكز التصدير.

(3) تنفيذ مصر مشروعاً لتوسعة قناة السويس وتعميقها، ليسمح المشروع، في مراحله النهائية، بمرور ناقلات النفط العملاقة (ربع مليون طن)، عبر قناة السويس، نحو البحر المتوسط وموانئ أوروبا.

إضافة إلى المكانة الإستراتيجية للبحر الأحمر نفسه، فإن للعناصر التي يتكون منها أهمية إستراتيجية أيضاً، كالمضايق والخلجان والجُزر:


(1) مضيق باب المندب: يمتد مضيق باب المندب إلى المياه الإقليمية لثلاث دول، هي اليمن وجيبوتي وإريتريا. ويستمد أهميته من أنه المنفذ الوحيد المتحكم تماماً في البحر الأحمر، من الناحيتَيْن العسكرية والتجارية، خاصة مرور ناقلات النفط. وباب المندب هو المعبر الرئيسي لنفط الخليج العربي إلى أوروبا. وخير دليل على الأهمية الإستراتيجية لهذا المضيق، ما نفذته البحرية المصرية، بالتعاون مع الدول العربية المطلة على المدخل الجنوبي للبحر الأحمر، في حرب 1973، حين حرمت إسرائيل من المرور عبر المضيق، مما كان له أثر في نتائج تلك الحرب، محلياً ودولياً.

(2) خليج السويس: يعتبر خليج السويس ممراً ملاحياً مهماً. وهو الامتداد الطبيعي لقناة السويس من الجنوب، وحلقة الاتصال بين البحر الأحمر والقناة والبحر المتوسط. وبذلك، يتحكم في الطرق البحرية المؤدية إلى القناة. وتعتبر السيطرة على الملاحة فيه سيطرة على قناة السويس نفسها.

وتقع في خليج السويس معظم حقول وآبار النفط المصرية، إذ يوجد فيه أكثر من 20 حقـل نفط، تشكل 90 % من إنتاج النفط في مصر. ويعدّ خليج السويس من المناطق الغنية بالأسماك، وفيه عدة مصايد.

ويشكل خليج السويس أهمية عسكرية خاصة، بالنسبة إلى إسرائيل. ففي حرب 1967، فرضت إسرائيل سيطرتها على الضفة الشرقية للخليج، واستولت على حقول النفط، واستخدمت الناقلات لنقل النفط من حقول خليج السويس إلى ميناء إيلات.

(3) مضيق جوبال: يعدّ مضيق جوبال المدخل الرئيسي إلى خليج السويس. وتكمن أهميته في تحكمه التام في الخليج، الذي تنتشر فيه حقول النفط، ويقع في شماليه ميناء السويس. وقد تمكنت مصر من التعرض للملاحة الإسرائيلية في خليج السويس، بتلغيم ممر جوبال في حرب 1973، وأغرقت لها ناقلتَي نفط. وبذلك، حرمت إسرائيل من نقل النفط من آباره في خليج السويس إلى ميناء إيلات.

(4) خليج العقبة: يشكل خليج العقبة أهمية إستراتيجية للأردن، فهو منفذها الوحيد إلى البحر. وتمارس من خلاله تجارتها مع العالم الخارجي. وعليه يقع ميناؤها الوحيد وهو ميناء العقبة.

أمّا بالنسبة إلى إسرائيل، فعلى الرغم من أنها تملك منافذ أخرى إلى البحر المتوسط، لكنها تعتبر خليج العقبة موقعاً حيوياً لها، من الناحية الإستراتيجية، لتحقيق تجارتها مع الدول الأفريقية. وكان أمر تحقيق الملاحة في خليج العقبة، وتأمين تجارتها وتوسيعها في البحر الأحمر من خلال هذا الخليج، سبباً غير مباشر في شن إسرائيل حربها على مصر، في العام 1956 (العدوان الثلاثي على مصر)، وسبباً مباشراً في شنها حرب 1967 على مصر وسورية والأردن.

ويشكل خليج العقبة أيضاً أهمية إستراتيجية، بالنسبة إلى مصر، إذ يقدّر طول ساحلها عليه بحوالي 200 كم. وزاد من أهميته الخط الملاحي بين ميناء نويبع وميناء العقبة. أمّا بالنسبة إلى المملكة العربية السعودية، فلها على الساحل الشرقي للخليج 132 كم. ويقع ميناء حقل السعودي في الطرف الشمالي من الخليج، علاوة على عدة مراسٍ. ويوجد في المدخل الجنوبي للخليج جزيرتا ثيران وصنافير، اللتان وضعتهما المملكة العربية السعودية تحت الحماية المصرية، بموجب اتفاق بين الدولتين، في العام 1949.

(5) جُزر المملكة العربية السعودية: تقع جُزر المملكة العربية السعودية على مسافة بعيدة من الخطوط الملاحية الرئيسية الطولية في البحر الأحمر. ولا تشكل تهديداً مباشراً للملاحة فيه، نظراً إلى عدم تحكمها في مضايق أو نقط اختناق. ويمكن استغلال هذه الجزر كمواقع أمن متقدمة للدفاع عن الساحل السعودي.

(6) جُزر السودان: تمتد الشعاب المرجانية بالقرب من مجموعات الجُزر المواجهة للساحل السوداني، وتشكل مانعاً طبيعياً ضد أي عمليات هجومية قادمة من البحر، إذ تحدّ هذه الشعاب من اقتراب السفن من الساحل، فيما عدا بعض الممرات التي تؤدي إلى موانئ السودان. ولا تشكل هذه الجُزر تهديداً للملاحة البحرية، نظراً إلى بعدها عن الخطوط الملاحية. كما أنها لا تصلح لإقامة قواعد عسكرية فيها.

(7) جُزر جنوبي البحر الأحمر: تشكل الجُزر، جنوبي البحر الأحمر، أهمية إستراتيجية خاصة، على الرغم من أن معظمها غير مأهول بالسكان. ولكن استخدامها عسكرياً يعدّ أمراً وارداً. وتزداد قيمة هذه الجُزر حسب موقعها من المضايق البحرية ونقط الاختناق الرئيسية. فلجزيرة "بريم" اليمنية، مثلاً، أهمية إستراتيجية، لأنها تتحكم في المدخـل الجنوبي للبحر الأحمر. وكلما اتجهنا شمالاً، تقلّ هـذه الأهمية، كما هي الحال بالنسبـة إلى جزيرتَي زقر وحنيش، اليمنيتَيْن، اللتين تتوسطان المدخل الشمالي لمضيق باب المندب. وتعدّ جزيـرة دوميرا الإريترية أقـرب الجُزر مـن مدخـل باب المندب. ويليها فـي الأهميـة الإستراتيجيـة، كلما اتجهـنا شمالاً، جُزر فاطمـة وحالب ودهلك الإريترية، على الساحل الجنوبي الغربي للبحر الأحمر. ومن البديهي، أنه كلما ازدادت الأهمية الإستراتيجية للجُزر، ازدادت الرغبة في السيطرة عليها من جانب القوى المختلفة. ويعني هذا زيادة الأعباء الدفاعية على الدول التي تتبعها هذه الجُزر. ونظراً إلى أن معظم هذه الجُزر غير مأهولة بالسكان، فإن ذلك يشكل عبئاً إضافياً على هذه الدول.

ويتحكم في مضيق باب المندب قاعدة عدن، على الساحل الآسيوي، وميناء جيبوتي، على الساحل الأفريقي. ومفاتيح باب المندب موزعة على عدد من الجُزر، وتعدّ جزيرة بريم اليمنية أهمها جميعاً. وهي تشطر الممر المائي إلى قسمين: أحدهما شرقي، ولا يستخدم، غالباً، للملاحة، والآخر غربي، وهو الممر الرئيسي للملاحة البحرية.

ويعدّ أرخبيل دهلك الإريتري مانعاً طبيعياً، يصعب اختراقه، وترجع أهميته الإستراتيجية إلى أن معظم جُزره صالحة للزراعة (دهلك الكبيرة والصغيرة). ويقال أن فيها مخزوناً نفطياً. كما أن المنطقة غنية بالأسماك. وكان يتمركز في دهلك، حينما كانت تابعة لإثيوبيا، وفي فترة الحرب الباردة، قوات سوفيتية بحرية وجوية. وكانت الجزيرة مركز مراقبة، فيها أجهزة مراقبة واستطلاع سوفيتية.

وتستمد جزيرة دوميرا أهميتها من أنها أقرب الجُزر الإريترية إلى المدخل الجنوبي للبحر الأحمر. فهي تبعد عن جزيرة بريم حوالي 27 كم، وتبعـد عن الممـر الملاحـي للسفـن 13 كم. لذلك، تشـكل تهديـداً مباشـراً لجزيرة بريم اليمنية. أمّا جزيرتا حالب وفاطمة، فتقعان داخل الخليج، جنوبي ميناء عَصَب. وترجع أهمية حالب إلى أنها تصلح لاستخدامها كميناء عسكري، ولإنشاء مطار ورادارات بحرية فيها. وقد أشارت مصادر إلى أن إثيوبيا، كانت قد سمحت لإسرائيل ببناء قاعدة جوية في جزيرتَي حالب وفاطمة.


خامساً: الأهمية الاقتصادية للبحر الأحمر

ازدادت الأهمية الاقتصادية للبحر الأحمر، وأصبحت أكثر وضوحاً، بعد افتتاح قناة السويس، حين فرض البحر الأحمر نفسه كشريان مهم للمواصلات بين الشرق والغرب. وقد تزايدت هذه الأهمية، بعد التقدم الكبير في التقنية الملاحيـة البحرية، وبعد توسيع قناة السويس وتعميقها، ما انعكس إيجابياً على تجارة الدول العربية المطلة على البحر الأحمر، خاصة تجارة النفط.

إن اختصار زمن الرحلات الملاحية، وتقليل ما نسبته 50 ـ 75 من استهلاك الوقود (تبعاً للحمولة) للسفن عابرة البحر الأحمر، فضلاً عن سهولة إمداد هذه السفن بالوقود والسلع، أثّرَت في مستوى الأسعار، وفي انسياب التجارة الدولية. كما شجعت هذه العوامل على مدّ أنابيب لنقل النفط من منطقة الخليج العربي إلى موانئ البحر الأحمر. وقد أثر ذلك إيجابياً بمستوى الدخل في الدول المطلة على سواحله.

ويعيش في البحر الأحمر ما يزيد على 300 نوع من الأسماك والحيوانات البحرية، التي يمكن أن تساهم إسهاماً فعّالاً في توفير الغذاء، فضلاً عن الجلود والسماد والأصداف والحليّ والحيوانات المرجانية والإسفنج والطحالب. وهذه كلها يمكن أن تساهم في إنشاء صناعات متعددة، على السواحل العربية المطلة على البحر الأحمر.

ولئن كان باطن البحر مملوءاً بالثروات، فإن الأرض المتاخمة لسواحله، لا تقلّ عنه في أهميتها، من حيث الثروات المعدنية والنفطية.

إن وجود الأيدي العاملة والمهارات الفنية العربية، في بعض الدول المطلة على البحر الأحمر، يمكن أن يحدِث تكاملاً اقتصادياً، في عدة قطاعات، مع رأس المال العربي الموجود في دول أخرى منها، على نحو يحقق المصالح الاقتصادية العربية في البحر الأحمر، ويساهم، من ثم، في تطوير التنمية الاقتصادية والاجتماعية في هذه الدول العربية على وجه الخصوص. وينعكس، بعد ذلك، بما يشكله من نواة اقتصادية متماسكة، على إحداث تكامل اقتصادي إسلامي، في مراحل لاحقة.

وتستمد الدول المطلة على البحر الأحمر أهميتها من حقيقـة أن بعضها، يعدّ من أكبر منتجي النفط (المملكة العربية السعودية)، ولدى بعضها الآخر إمكانات زراعية ومائية ضخمة (السودان) أو رأس مال بشري ضخم ومتقدم (مصر).

ويحتوي البحر الأحمر على ثروات ضخمة. فقد شهدت الفترة من العام 1948 حتى إغلاق قناة السويس في العام 1967، الاهتمام الفعلي بثروات هذا البحر. ففي تلك الفترة، أجرت سفن البحث دراسات في البحر لتعرّف خصائصه، فيما يتعلق بدرجات الحرارة، ومستوى العمق، ومدى وجود الثروات المختلفة في القاع. وقد أثبتت هذه الدراسات وجود ظاهرة انبثاقات وتكوينات حديثة لطبقات من الماء المالح الأجاج الساخن، أمكن تحديد مواقعها في أربعة منخفضات، تتراوح أعماقها بين 2047 و 2167 متراً، وتعدّ من أغنى مراكز الثروة المعدنية البحرية في العالم. ويحتوي هذا الماء الساخن الأجاج على نسبة مركزة من الأملاح المعدنية، الضرورية لكثير من المعادن الثقيلة، كالحديد والذهب والفضة والنحاس والرصاص والمغنسيوم والكادميوم.

منقول بتصرف




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

من صوري

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي صورة!

فيديوهاتي

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي فيديو !