المكارثية على الطريقة المصرية
أما المكارثية فهى نسبة إلى السيناتور الأمريكى جوزيف مكارثى Joseph McCarthy والذى قد قاد حملة مغرضة ـ وتوصف أخيانا بإنها كانت إرهابية ـ وذلك ما بين عام 1950 وحتى عام 1954 ، ضد كل من زعم أنهم كانوا شيوعيون أمريكيون . وكانت حملته تلك لم تقتصر فقط على خصومه السياسيون ، ولكنها تعدت ذلك لتشمل حتى أولئك الذين كان يحمل لهم كراهية أو أحقاد خاصة كالمثقفين ورجال الدولة أنفسهم ، وذلك حتى وصل به الأمر إلى إتهام الرئيس الأمريكى إيزنهاور ذاته بالشيوعية . وقد أسفرت التحقيقات التى أجراها معه رجال الدولة الأمريكيون ، وفى نهاية المطاف ، إلى أن الدافع الحقيقى وراء قمع وإتهامات مكارثى لخصومه مردها إلى حقد طبقى ضد الأثرياء ، أو حتى الأغنياء الأمريكيون بصفة عامة .
بيد أن المكارثية كفكر وسلوك مغرض ومدمر لم تتوقف فقط عند حد ، أو حدود ، الولايات المتحدة الأمريكية ، بل تعدتها أيضا وإجتاحت شتى بلدان العالم تقريبا ، تماما كأنفلونزا الطيور ، أو الخنازير ، أو حتى الكلاب .
وقد وجدت المكارثية سوقا رائجة لها ، وتربة خصبة ، فى بلدان العالم الثالث بصفة عامة ، وعالمتا العربى بصفة خاصة ، ومصرنا العزيزة على وجه الخصوص ، وخاصة بعد أن اعتصرتها و إعتصرتنا ـ أو بالأحرى إستنزفتنا ـ جميعا عدة موجات ثورية متتالية ، نأمل أن تفضى بمصر وبنا ، وقفى نهاية المطاف ، إلى جل ـ إن لم يكن كل ـ ما نتمناه لأنفسنا كشعب ولمصر كدولة دور وإقليم ، ومكانة جيوسياسية .
والمكارثية قد بدأت ، أو وفدت على مصر فى إستحياء ، ومنذ عهد عبد الناصر ، حيث انه وعلى الرغم من تبنيه النظام الإشتراكى ، إلا انه كان مناهضا للشيوعية والشيوعين فى مصر ، وكذا الإخوان المسلمين . وكان مخبريه وزوار الفجر من العسعس وغيرهم يقبضون على كل من يريد أن يتخلص منه النظام بإتهامه بإحدى التهمتين ـ وهو الإنتماء للشيوعية أو تنظيم الإخوان ـ وقد استمر الأمر نسبيا فى عهد السادات حيث قد إقتصر فقط ـ وإلى حد ما ـ على اليسار المصرى بصفة عامة ، وحزب التجمع الوطنى بصفة خاصة . وقد اتهم السادات كل من يريد أن يتخلص منه من خصومه السياسيين بالشيوعية ، وقد وصل أوج ذلك الاضطهاد لليسار المصرى عام 1979 غداة توقيع السادات لاتفاقيات الصلح المنفرد مع إسرائيل ، والمعروفة باتفاقيات "كامب ديفيد".
والآن ، وبعد الموجة الثانية من ثورة 25 يناير فى 30 يونيو 2013 ، فإن كل من يريد أن يتخلص من أى خصم له ـ وليس بالضرورة أن تكون أداة التخلص هنا هى جهة رسمية ، أو شخص ذا طابع رسمى ، أو سياسى ، أو سيادى ـ لأى سبب كان ـ وسواء كان وراء ذلك حقد طبقى ، أو حقد وظيفى ، أو حتى خلاف شخصى ـ فانه يتهمه بأنه إخوانى وينتمى لتنظيم الإخوان المسلمين ، ويكون هذا الاتهام ـ وفى أحيان كثيرة جدا ، وبكل أسف ـ سببا كافيا ، وكفيلا إما بالقبض على هذا الشخص أو ذاك وتوقيفه بدون وجه حق ، أو عزله من منصبه الذى كان يشغله ـ و إذا كان يشغل منصبا هاما ـ أو حرمانه من الترقى لأى من المناصب القيادية ، حتى ولو كان المتهم فى هذه الحالة ، هو شخص مستقل ، أو ليبرالى ، أ حتى علمانى ، ولا ينتمى بالفعل إلى تنظيم الإخوان أو غيره من الحركات والتنظيمات الإسلامية والسلفية الأخرى ..!
فى عهد مكارثى ، قد أمكن تبرئة العديد ممن طالت إتهاماته البطالة شخوصهم ونالت من حقوقهم ، وفى خلال سنوات معدودة ـ لم تتعد أربعة سنوات ، وهى مدة بقاء السيناتور مكارثى لفترة واحدة وأخيرة فى مجلس الشيوخ بالكونجرس الأمريكى ـ أمكن حصار وإنحسار كل من المكارثية ومكارثى ذاته فى الولايات المتحدة ، و قد أمكن كذلك رد إعتبار كل من أساء إليهم مكارثى . ولكن السؤال هو متى سيتم وقف ، أو انحسار الموجة المكارثية الانتهازية ، وعلى الطريقة المصرية ، هنا فى مصر ، خاصة بعد أن كادت تطال أحد المقربين إلى ، وحرمانه ، من ثم ، من الترقي إلى منصب قيادى هذه الأيام ، وذلك بعد أن أوشى به ، وعلى خلاف الواقع والحقيقة ، بطبيعة الحال ، المسؤل الأمنى ـ والذى يكون مسؤلا عادة أمام جهات سيادية أخرى ، ومن ثم فانه يأخذ بكلامه عادة على محمل الجد والمسؤولية ، والأهم ، والأخطر من ذلك ، الصدق والمصداقية ـ فى أحد المصالح الحيوية والهامة بالدولة بأنه إخواني وينتمي إلى تنظيم الإخوان المسلمين ..!
والسؤال الأخر هو ، كم من الأبرياء قد نالت من شخوصهم وحقوقهم مثل تلك الاتهامات الباطلة والظالمة ، ومتى سترد إلى هؤلاء حقوقهم ـ ناهيك عن رد اعتبارهم ـ كما ردت حقوق كل من أساء إليهم مكارثى بالولايات المتحدة ..؟!
مجدى الحداد
التعليقات (0)