المقاومة الشعبية السلمية
عادل عبد الرحمن 3/4/10 م ....
المقاومة الشعبية السلمية لا تقل أهمية عن شكل الكفاح المسلح. تلجأ لها الشعوب عندما تستشعر ان شكل النضال العنفي يحصد نتائج عكسية، لا تخدمها ( الشعوب ) وتؤثر سلباً على الاهداف الوطنية في لحظة سياسية محددة.
والطابع السلمي للمقاومة الشعبية لا ينتقص من دور المقاومة أو يسيء لها. لان التحول في طابع وسمة المقاومة ناتج موضوعيا عن معطيات جديدة نشأت في هذا البلد او ذاك، مما استدعى اعادة نظر في شكل النضال ومجابهة العدو القومي او الاجتماعي. والمقاومة السلمية لا تقل أهمية عن شكل الكفاح المسلح، لا بل انها في لحظة سياسية محددة تكون أكثر أهمية ونجاعة في الاقتراب من الهدف. وتوقع خسائر أخلاقية وقانونية واقتصادية وثقافية وسياسية فادحة تؤثر في موقع ومكانة العدو أمام جمهوره ومحازبيه أو على النطاقين الاقليمي والدولي. وتصبح معركة كسب الرأي العام المحلي والدولي، معركة كسر عظم تضعف عضد العدو، وتزيد من عملية الضغط عليه في المنابر والمحافل الاقليمية والدولية، كما وتفتح الافق لفرض عقوبات اقتصادية وقانونية وسياسية عليه ترغمه على الاستجابة لمشيئة الرأي العام، التي تصب مباشرة في الاهداف الوطنية او الاجتماعية. ولا تنفع عندئذ عنجهية وغرور وغطرسة هذا العدو او ذاك. كما ترتد قوتة عكسيا عليه، لانها لا تفيده من قريب او بعيد.
اذا الانتقال من النضال المسلح الى النضال السلمي لا يعني استسلاما، ولا خنوعاً لارادة العدو، ولا تساوقا معه أو مع أهدافه. لانه لو كان الامر كذلك لماذا يستمر النضال من أصله سلميا أم غير سلمي ؟ وبالتالي، النضال السلمي شكل أساسي من اشكال النضال لا تستطيع قوة في الارض مهما حاولت او ادعت الانتقاص منه أو استصغار شأنه في معركة الحرية والاستقلال الفلسطينية.
وتعميقا للفكرة الواردة أعلاه وبالعودة للتاريخ وتجارب الشعوب، فان كل القادة العسكريين والسياسيين والمفكرين الذين عالجوا مسألة المقاومة والحرب، أكدوا على مر التاريخ القديم والوسيط والمعاصر، ان اهم واعظم الحروب والمقاومات، هي التي تحقق الاهداف دون دماء وبأقل الخسائر الممكنة. لان الهدف من الكفاح ليس نزيف الدم، وايقاع الخسائر في الشعب ومصالحه الاقتصادية والثقافية والاجتماعية، بل نيل الاستقلال السياسي والاقتصادي والانعتاق من الاستعمار او النظام السياسي الديكتاتوري او البوليسي.
أشكال الكفاح السلمي :
كما أشير سابقا كل الاشكال ما عدا الكفاح المسلح والديبلوماسي تندرج تحت راية وبند المقاومة السلمية بدءا من المظاهرة والاعتصام وكتابة ورفع المذكرات للهيئات والقيادات الاقليمية والدولية لادانة وفضح وتعرية العدو وقادته ومؤسستة العسكرية، ورفع الدعاوي أمام المحاكم والمنابر القضائية الاقليمية والدولية حتى بما في ذلك محاكم العدو نفسه ومؤسساته ذات الصلة طالما تسمح بقبول الدعاوي على الشعب الواقع تحت نير الاحتلال اللجوء لها، وانتزاع الحقوق مهما كان حجمها وبالتدريج جزء من معركة الكفاح السلمي. المشاركة في الندوات والفعاليات المتعددة الابعاد محليا واقليميا ودوليا جزء من النضال السلمي. الصلوات في الاماكن المقدسة المسيحية والاسلامية وفي الساحات العامة، الكتابة على الجدران وعلى النت وحيث أمكن ذلك ضد العدو واحتلاله لارشاد المواطنين على طبيعة المعركة في لحظة كتابة الشعار. التصدي لجرافات وجنود وآليات جيش الاحتلال والعدوان الاسرائيلي أثناء الهدم لمنازل المواطنين أو البناء في المستوطنات او بناء جدار الفصل العنصري. زراعة الارض وحماية المحصول والمشاركة مع الفلاحين في حصاده. بناء مدرسة او مؤسسة مهما كانت صغيرة وفي أي بقعة من الارض الفلسطينية المحتلة شكل من اشكال النضال السلمي. حفر الابار الارتوازية وايصال الكهرباء للقرى النائية. علاج وشفاء المصابين والجرحى جزء من النضال السلمي. تطوير المؤسسات الصحية وأداء الاطباء والممرضين ايضا. الفنون بصنوفها المختلفة : المسرح، السينما والموسيقى والغناء والرقص الفلكوري والتعبيري، الفن التشكيلي، الكتابة الابداعية، الرواية، القصة القصيرة، ونظم الشعر، الترجمة، الكتابة السياسية في وسائل الاعلام المختلفة، الاحتفاء بالمناسبات الوطنية واستحضار التاريخ الوطني في المناسبات، وتمجيد دور القيادات والرموز التاريخية، النماذج البطولية لكفاح الشعب. حماية التراث والاثار والصناعات التقليدية ، وحماية الرواية التاريخية من التبديد والضياع. تطوير المنهاج التعليمي جزء من معركة النضال الوطني، لا بل جزء هام وأساسي. الدفاع عن الاسرى والمعتقلين السياسيين، وحماية حقوق المرأة والطفل وتطوير مشاركتهم في النضال وتعميق الخيار الديمقراطي في المجتمع، وحماية النسيج الوطني والاجتماعي من التصدع والانقسام، وصيانة الوحدة الوطنية والمكتسبات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والقانونية والثقافية والاكاديمية والاعلامية والرياضية... الخ
التصدي الدوري والمستمر لاجراءات وجرائم العدو الاسرائيلي بشكل منظم ووفق رزنامة وبرنامج وطني، واستنادا الى تكتيك واستراتيجية وطنية موحدة في معركة مفتوحة على المدى لكسر شوكة العدو وتعريتة أمام نفسه وأنصاره وامام العالم، واستخدام كل المنابر والمؤسسات المحلية والمعادية والاقليمية والدولية لفضح جرائم المحتل واماطة اللثام عن وجهه العنصري الفاشي، وفي المقابل كسب معركة الرأي العام العالمي وحشد القوى لتطبيق مواثيق وقرارات الشرعية الدولية.
هناك اشكال عديدة لا يمكن حصرها، لان كل عنصر من عناصر المجتمع على صلة مباشرة بالنضال السلمي، ان كان يتم مباشرة مع جنود او مؤسسات العدو الاسرائيلي او يتم في نطاق التطوير لادوات وعناصر الصمود داخل المجتمع الفلسطيني ومؤسساته وهيئاته ومنابره الحكومية والقانونية والاقتصادية والتعليمية والصحية والثقافية - الفنية والاعلامية والزراعية والدينية والتراثية والسياسية، جميعها تصب في قناة النضال السلمي لحماية الاهداف الوطنية والعمل للوصول لها.
أما المفاوضات وان كانت شكلا مكملا للنضال السلمي وتندرج فيه، فان لها طابعا مغايرا نسبيا. وتحتاج الى كل جهد وطني ممكن لدعم المفاوض الفلسطيني في مواجهة الصهيوني - الاسرائيلي. شرط ايضا أن تكون هناك شفافية عند المفاوض الفلسطيني، ويقوم بين الفينة والاخرى بوضع الشعب امام التطورات التي بلغتها المفاوضات، وما هي المعيقات والاستعصاءات والاستكلابات المعادية. حتى لا تغيب القوى السياسية ولا الشعب عما يجري على طاولة المفاوضات. ومن الاهمية بمكان تشكيل مرجعية وطنية حقيقية لا شكلية من فصائل المنظمة والمستقلين لحماية المفاوض الفلسطيني وتصويب أخطائه في حال تجاوز الخطوط الحمر الوطنية.
الموضوع يحتمل النقاش والتطوير والاغناء لانه واسع وكبير، ولا يمكن للمرء أن يدعي بأنه ألم بكل عناصر الموضوع، ولكن ما عرضه ليس أكثر من اسهام الهدف منه فتح الافق امام بعض القوى السياسية العاكفة على وضع اسس للمقاومة السلمية، ولتسليط الضوء على الموضوع المطروح - المقاومة الشعبية السلمية
التعليقات (0)