مواضيع اليوم

المقالة الاجتماعية: العتبة الفكرية في المجتمع

Sami Kazour

2016-01-05 00:17:00

0

ربما لن تصدم كثيرا إذا علمت أن الدول العربية مجتمعة تنتج سنويا كتابا واحدا فقط لكل 13000 مواطن ، في حين أن ألمانيا -التي تعادل بالمساحة 2% من مساحة الوطن العربي و 19%من حيث عدد السكان- تنتج كتابا واحدا سنويا لكل 600 مواطن ، وأن اسرائيل -الكيان الصهيوني- تساهم بـ 1% من الانتاج العالمي من المعارف الانسانية  

وكذلك لن تنصدم إذا علمت أن سبب ذلك أن متوسط القراءة الفكرية السنوية للمواطن العربي ليست سوى ست دقائق في السنة ، وأنه أقرب إلى أن يكون شعب يعيش في العالم الافتراضي الذي صنعه له الغرب

لا ريب في أن الصراع الأساسي الذي يعيشه العالم اليوم هو صراع فكري وأن كل ما تعيشه الدول من حروب ما هو إلا نتاج للصراع الفكري العالمي ، وأكبر دليل على ذلك ما يشهده المجتمع السوري الذي تعرض لغزو فكري صفوي

فكل ما يحصل هناك في الحقيقة ليس إلا نتيجة خلاف في قضية فكرية عمرها 14 قرنا يريد المحتل الصفوي أن ينشر حولها أفكاره في المجتمع السوري ، وعندما قاوم المجتمع السوري هذا الغزو الفكري تمخض عن ذلك صراع عسكري ودموي فظيع

بالعودة لمجالنا فقد كنا قد وصلنا سابقا لمفهوم العتبة الاجتماعية للفرد في المجتمع ، وفي الواقع سأطرح نفس المفهوم في العتبة الفكرية لأفراد المجتمع 

واذا أخذنا مثالا في الإسلام أن الشرع طالب كل مسلم بمجموعة معلومات لم يعذر أحدا فيها ، وسماها كما يقول العلماء "ما عرف من الدين بالضرورة" كتعلم الوضوء والصلاة والصوم.... ، وجعلها حدا أدنى لصحة إسلام الفرد وبالتالي يمكن تسميتها بالعتبة الإسلامية في المجتمع ولا يصح إسلام كل من كان دون هذه العتبة 

في الحقيقة وبنفس القياس كل من لم يصل إلى مستوى العتبة الفكرية لا أهمية له في هذا الصراع الفكري إلا أنه يشكل عائقا وعبئا ثقيلا على المجتمع وتطوره ، ويمكن ببساطة أن نعرف هذه العتبة الفكرية بأنها مالا يعذر الفرد في معرفته وتعلمه حول المجتمع الذي يعيش فيه والمجتمعات التي يصارعها

كل ما يخص ذلك من تركيبة ثقافية وقومية وعرقية دينية وعادات وتقاليد ، وترتيب مجتمعه في قائمة المجتمعات ، واحتياجات مجتمعه في استدراك المجتمعات المتحضرة والمتطورة والمجالات المطلوب خوضها لتطوير المجتمع... وغيرها

وأهم ما يجب أن تعلمه ولا تستريب فيه هو أن مجموعة الأفراد الفاعلين فكريا -المتواجدين على خط العتبة الفكرية وما فوق- يمثلون الأمن الفكري للمجتمع ضد أي غزو فكري محتمل من قبل المجتمعات التي تتصارع فكريا معه

ونذكر على سبيل المثال -لا الحصر- جهل الكثير من أفراد المجتمع العربي للمجتمع الصفوي الشيعي وعدم تواجد أمن فكري ضد هذا المجتمع الذي يمثل المصارع الأكبر في المنطقة للفكر العربي

كل ذلك جعل هذه المجتمعات العربية لقمة سائغة للغزو الصفوي الفكري الذي تغلغل في داخل هذه المجتمعات حتى صار جزءا منها ، ولما استفاقت نخبة ثقافية ضد هذا الغزو كان الأمن الفكري الذي تشكله غير قادر على مواجهة هذا الفكر المتمدد  

ولعل هذا ما تسبب في انتاج نوع جديد من الصراع وانتقاله من المستوى الفكري إلى المستوى العسكري والصدام المسلح ولذلك قيل : درهم وقاية خير من قنطار منه في العلاج ، وهذا ما تعانيه مجتمعاتنا في علاج هذا الفكر المتغلغل في المجتمع

وبالنهاية : يجب أن تعلم أن الوظيفة الفكرية داخل المجتمع تقع على عاتق النخبة  الفكرية -كل فرد ضمن العتبة الفكرية- وتتمثل بشكل رئيسي في تأهيل الأفراد العاطلين فكريا ونقلهم نحو العتبة الفكرية لتحصين المجتمع وزيادة أمنه الفكري ضد أي غزو فكري محتمل




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

فيديوهاتي

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي فيديو !