المقارنة الخاطئة:
تستخدم المقارنة احيانا في مواضع لا ينبغي استخدامها بل يمكن استخدام موارد وطرق منطقية اخرى مختلفة،او تكون نتيجتها الاستدلالية خاطئة لان طريقة الحساب ليست صحيحة من عدة جوانب،ومن اهمها انها غير دقيقة الحسابات الرقمية او اساس المقارنة هو تأكيد معتقد او رأي وتكون المحاولة هي الدفاع عنه بطريقة متحيزة وغير واقعية ولا تنسجم مع واقع المقارنة الموضوعية التي تستخدم معطيات رقمية ونصية ثابتة لا يمكن التلاعب بها ،ومن المثير للانتباه ان بعض الاستدلالات الخاطئة شائعة الاستخدام والشهرة ويتلقفها الكثيرون دون فحص دقيق لتبيان الصورة الواقعية لها!.
هناك امثلة شائعة على ذلك الاستخدام العشوائي المتعسف والتصديق اللاعقلاني لنتائجه الخاطئة!...
ففي المثال الشائع والمتشعب الجوانب حول المقارنة بين الوضع الاقتصادي لبعض دول الخليج والدول الاخرى...مثلا بين الدول الثلاث:الامارات وقطر والكويت وبين ثلاث مجموعات اخرى،الاولى: السعودية وعمان والبحرين او الثانية مع الدول النفطية الاخرى مثل العراق وايران وليبيا والجزائر بغض النظر عن حالة الاضطراب السياسي،او الثالثة مع بقية الدول العربية الغير نفطية،في مجال الفارق الكبير بين مستويات الدخل الفردي وتطور الاقتصاد المحلي وخدماته المتعددة الخ من المقارنات الشائعة.
اذا اردنا الاستبيان فعلينا التسلسل في تصنيف الشرح للسهولة...ليست هنالك اية معجزة اقتصادية في اي بلد في العالم العربي!...تلك حقيقة ينبغي ان يعتقد بها الجميع!...المعجزة الحقيقية في اي مكان وزمان هي ان تخلق شيء من لا شيء! بمعنى ان تكون في اعلى المستويات وفي كافة المجالات والوصول الى ذلك بوجود امكانيات قليلة او بعدم وجودها اصلا!...كما هو الحال مع اليابان والنمور الاسيوية وبعض البلدان الاوروبية،اما مانراه في العالم العربي فأن ينحصر بين تخلف وفقر في الغالبية وبين رفاهية اقتصادية من جراء انتاج النفط الجنوني في بلاد اخرى لاتملك طاقات بشرية على الاستيعاب، ولا وجود في الحالتين لاية معجزة اقتصادية تختزن في داخلها لتطور حضاري شامل!.
فأذا استبعدنا حالة البحرين لصغر حجمها وقلة مواردها،فأن السعودية وعمان يمتلكان موارد نفطية ولكن في حالة السعودية فأن الانتاج وقد وصل الى 10 مليون برميل يوميا في اعلى مراحله،وكذلك الحال لعمان التي لم تتجاوز المليون برميل في تاريخها،فأن المقارنة لا تصح مع البلدان الثلاثة السابقة لان قسمة الانتاج النفطي على عدد السكان فيهما يقل عما هو موجود لدى الثلاثة السابقين... نعم ان الاستكشافات المستقبلية قد تحمل لنا مفاجآت في المستقبل وتغير لنا طريقة التوقعات، الا ان حجم استيعاب السوق الدولية لا يستحمل نفس النسبة الانتاجية للفرد الواحد الموجود في البلدان الثلاثة التي لم تكف عن الانتاج اللاعقلاني للنفط في تاريخها دون مراعاة الاحتياطي او الاحتياجات الحقيقية لها ودون مراعاة احتياجات المنتجين الاخرين ايضا،وعليه فأن الحساب يكون وفق الترتيب التالي:
كمية الانتاج مقسوما على عدد السكان الاصليين...فأذا اتبعنا مقياس الانتاج اليومي بوحدة البرميل،فأن النتائج تعطينا تصورا كاملا وفق الاحصائيات المتراكمة...والاحصائيات المنشورة لشركة بي بي هي مصدر موثوق يمكن الاستناد اليه حسب فترة الذروة في السبعينات وعام 2008 الذي حدثت به الازمة الاقتصادية العالمية...
فالامارات وصلت في عام 2008الى اقصى رقم وهو بحدود3 مليون ب/ي لسكان لا يتجاوز عدده 900 الف...اي 3.3 ب/ي لكل فرد وهي اقل من فترة السبعينات التي وصلت بحدود 10 ب/ي لكل فرد!...
اما الكويت فقد وصلت الى قمة انتاجها عام 1972 وقدره 3.3مليون ب/ي وكان عدد سكانها بحدود 300 الف! اي 11 ب/ي لكل فرد وهو مقارب لمتوسط تلك الفترة،اما عام 2008 فقد وصل الى 2.8 وهي تخطط الان للوصول الى 4 ب/ي لكل فرد عام 2020!.
اما قطر فقد وصلت في الذروة عام 1973 وهو بحدود 6 ب/ي لكل فرد اما في عام 2008 فقد وصل الى 3.5 ب/ي لكل فرد...
انخفاض النسبة لكل فرد من ذروة السبعينات الى ربع مستواه الحالي لا يعود الى التشبع بالفوائض المالية المتراكمة التي تكفي التنمية بمعدلات عالية او الحرص على اطالة عمر الاحتياطي او التنازل لبقية المنتجين في تمويل احتياجاتهم الملحة...كلا! فالامر يعود الى ان السوق الدولية لا تسمح بكميات ضخمة تؤدي الى انهيار الاسعار اما السياسة الانتاجية الفائضة فهي على حالها باقية!.
المجموعة الاولى للمقارنة،تفترض اخراج البحرين لعدم امتلاكها لانتاج معتبر للمقارنة العادلة...اما السعودية ورغم انتاجها النفطي الضخم الا انها دون البلدان الثلاث في حصة كل فرد من الانتاج!...ففي ذروة السبعينات كان المتوسط هو بحدود 2 ب/ي لكل فرد اما في عام(2008) فهو بحدود نصف برميل لكل فرد.
اما عمان ففي الحقبة الاولى هو دون برميل واحد يوميا اما عام 2008 فهو بحدود نصف ب/ي...اذا الفارق كبير بين المجموعتين!.
اما المجموعة الثانية فقد وصلت الذروة عام 1970 في حالة ليبيا ومقداره 2 ب/ي اما العراق فالذروة كانت عام 1980 بحدود ثلث ب/ي وايران لم تتجاوز20% من البرميل الواحد والجزائر 5% للبرميل الواحد لكل فرد...اما في عام 2008 فالارقام بين ثلث برميل في حالة ليبيا وبين 20 فرد لكل برميل في حالتي ايران والجزائر اما العراق فبحدود 10 افراد لكل ب/ي..
والمجموعة الاخيرة لاتقارن بتلك النسب، فمثلا مصر بحدود 100 فرد لكل ب/ي وسوريا 60 لكل ب/ي!.
من الارقام السابقة نستدل ان الانتاج العالي لكل فرد في البلدان الخليجية الثلاث هو سبب الوفرة المالية،وهو بذلك يمحو صفة المعجزة الاقتصادية عنها وصفة الفشل الاقتصادي عن البقية،ففي الحالتين هنالك فشل ولكن السبب مختلف!...لان الفئة الاولى لا تستطيع ان تبقى على نفس المستوى الاقتصادي بكميات اقل تتناسب والوفرة المتوفرة لها والاحتياجات الحقيقية التي يمكن اعتبارها ضرورية كما انها لا تستطيع الوقوف على اقدامها دون الاستعانة بالعمالة الخارجية الرخيصة او التنازل حتى عن نسبة الكميات المنتجة من النفط والتي تكون حافزا كافيا للنمو مثل حالة النرويج،بينما الفئات الاخرى فأنها لم تستفد من الكميات القليلة المنتجة في تحفيز النمو كما في حالة بريطانيا من بحر الشمال وكذلك لم تقم ببناء صناعات انتاجية وتحويلية للاستفادة من المصادر الموجودة او المجاورة لها...ولكن تبقى حالة المقارنة خاطئة بين الجميع لان النسب الانتاجية لكل فرد مختلفة بشكل لا يسمح بالمقارنة حتى لو كانت الكميات كبيرة لان عامل حجم السكان مؤثر الى درجة يضعف المقارنة ويجعلها غير ملائمة!.
الامثلة النموذجية للتقدم الحضاري وعلى كافة المستويات وبخاصة بناء قاعدة اقتصادية متينة تتيح لها بناء مستقبل مشرق لا يعتمد على الغير او يبقى تحت رحمة اسعار السوق الدولية للمواد الاولية،هي عديدة وتستحق الاشارة وتتبع خطواتها للحاق بها كما فعلت هي ذاتها عندما تسابقت فيما بينها للحاق بالعالم الغربي وهي تستعد الان للتفوق عليه،من يدري فالمستقبل لا يؤتمن شره!...وتبقى حالة الدول الاسيوية الصاعدة والدول الكبرى الجديدة (الصين والهند وروسيا والبرازيل وجنوب افريقيا) هي نماذج مثالية تستحق الدراسة والمتابعة...نعم انها لا تخلو من اخطاء في مسيرتها ولكن لا تقارن بأخطاء الدول العربية والافريقية الكارثية والتي جعلتها في اخر التصنيفات الدولية على مختلف الاصعدة...
لنجعل من المقارنة مع الاخرين مدخلا لمعرفة احجامنا الحقيقية بدلا من النفخ والتهويل فيها الى درجة اصبحت قيمنا المعاصرة هي نتاج ثقافة الصراخ والعويل والتكفير والتحقير والاستعباد والاستكبار!.
اذا عرفنا قيمتنا الحقيقية في العالم المعاصر وتعاملنا معها بصورة واقعية تناسب المحدودية فحتى لو كانت ضئيلة فهي ليست عيبا والعكس صحيح، فأن التكابر والاستعلاء والتغافل والاستهانة بالاخطاء ستؤدي لامحالة الى نكسات دائمة وليست مؤقتة!.
التعليقات (0)