من البديهيات أن الدولة تقوم على ثلاثة أركان أساسية هي الشعب والأرض والنظام السياسي . وعنصري الشعب والأرض هما الأساس ويتوجب أن يحقق العنصر الثالث أي النظام السياسي مصلحة الشعب القاطن على تلك الأرض التي تشكل الدولة.وتقوم العلاقة بين الشعب والنظام السياسي على أسس أخرى أيضا من أهمها حصول النخب التي تحتل المواقع الأساسية المؤثرة في النظام السياسي على تفويض سياسي مؤقت ومحدود زمنيا وخاضع للمحاسبة والمراقبة. وكما نعلم فإن تلك الأسس قد تعرضت للتشويه في كافة الدول العربية التي تشكلت في مرحلة ما بعد الاستقلال عن الاستعمار الغربي.
فبدلا من أن يكون النظام السياسي في خدمة الشعب تتعامل نخب الأنظمة السياسية العربية مع شعوبها على أنها مجرد أدوات لخدمتها وتحقيق مصالحها. ويتم التعامل مع كافة موارد الوطن على أنها ممتلكات خاصة لدى تلك النخب . وتنظر النخب السياسية الحاكمة إلى التفويض السياسي الذي تمارس الحكم بموجبه كما لو أنه تفويض أبدي غير مشروط بتحقيق مصالح الشعب، كما تعتبر بأن ذلك التفويض مملوكا لها ملكية مطلقة بحيث يمكنها توريثه دون العودة إلى الشعب الذي لم يمنحها ذلك التفويض من الأصل . والتملك المطلق للسلطة السياسية يجعل من غير المقبول لدى النخب الحاكمة أن تخضع ممارساتها السياسية للمحاسبة ، وتلك المحاسبة أيضا تعد من البديهيات التي تشكل أسس الحكم الديمقراطي .
بذلك يمكن القول بأن الأنظمة السياسية العربية التي تشكلت في مرحلة ما بعد الاستقلال لا تتمتع بالشرعية الشعبية التي تعد من بديهيات الديمقراطية في العصر الحالي وأنها تشبه إلى حد كبير الأنظمة الإدارية - السياسية التي كانت قائمة أثناء مرحلة الاستعمار. والآن وفي ظل ما بات يطلق عليها مصطلح مرحلة الربيع العربي، وحيث تسعى الشعوب العربية إلى تطبيق بديهيات الديمقراطية بأن تكون إرادة الشعب هي أساس الشرعية السياسية قد تكون تلك الشعوب بحاجة إلى انتزاع حقوقها المسلوبة انتزاعا كما توجب عليها ذلك في ظل الاستعمار الغربي وإلا فإن الخيار البديل هو قبول استمرار الوصاية التي تمارسها عليها تلك النخب والتي تدعي أنها الأقدر على تحقيق مصالح تلك الشعوب وإعمار البلاد ، وهذه الفكرة تتطابق مع المبررات التي كانت تقدمها الدول الاستعمارية .
التعليقات (0)