المقابلة بين المؤمن والكافر . للمفكر/ إبراهيم أبو عواد .
لا شك أن الأشياء تُعرَف بأضدادها . فلا يمكن معرفة النور وأهميته إلا إذا عُرف الظلام لتحصل المقارنة . إذ إن المقارنات بين الأضداد تعمل على تمييز الحق من الباطل عبر إحداث نوع من المقابَلة تؤدي إلى تأصيل المعرفة .
وفي هذا المقام تأتي المقابَلة بين المؤمن والكافر لتقود إلى معرفة الفروقات بين الطرفين ، وتمييز النور من الظلام .
قال الله تعالى : (( وما يستوي الأعمى والبصير والذين آمنوا وعملوا الصالحاتِ ولا المسيء قليلاً ما تتذكرون )) [ غافر : 58] .
فالأعمى هو الكافر الذي لا يبصر الدربَ الذي يسير فيه ، والبصيرُ هو المؤمن الذي يرى ببصره وبصيرته، ويعرف نقطتَي البداية والنهاية في طريقه. وهما لا يستويان بأية حال من الأحوال. كما لا يستوي المؤمن الذي يعمل الصالحات مع مقترف الإساءة . فلا يوجد عاقل يؤمن بتساوي النور والظلام ، أو المحسن والمسيء .
وقال الله تعالى : (( أَفَمَن اتبع رضوانَ الله كمن باء بسخط من الله ومأواه جهنم وبئس المصير )) [ آل عمران : 162] .
وتتوالى المقابَلة بين المؤمن والكافر واستحالة التساوي بينهما ، فلا يمكن أن يتعادل المؤمن الذي اتبع رضوانَ الله تعالى ، وقام بالتزاماته الإيمانية على أكمل وجه ، وبين العائد بسخط الله تعالى وغضبه لأنه خالف التعاليمَ الإلهية ، وتجاوز حدودَه .
وقال الله تعالى : (( أَفَمَن وعدناه وعداً حسناً فهو لاقيه كمن متعْناه متاعَ الحياة الدنيا ثم هو يوم القيامة من المحضَرين )) [ القَصَص : 61] .
(( أفمن وعدناه من خلقنا على طاعته إيانا الجنة ، فآمن بما وعدناه وصدق وأطاعنا فاستحق بطاعته إيانا أن ننجز له ما وعدناه فهو لاقٍ ما وُعد وصائر إليه، كمن متعناه في الحياة الدنيا متاعها فتمتع به ونسي العمل بما وعدنا أهل الطاعة وترك طلبه ، وآثر لذة عاجلة على آجلة ، ثم هو يوم القيامة إذا ورد على الله من المحضَرين ، يعني من المشهدين عذاب الله وأليم عقابه )) .[ تفسير الطبري ( 10/ 92 ) .].
وقال الله تعالى : (( أَفَمَن يُلقَى في النار خيرٌ أم من يأتي آمناً يومَ القيامة )) [ فُصلَتْ : 40] .
وتتوالى الصور القرآنية التي توضِّح استحالة التماثل بين المؤمن والكافر . فالكافر الذي يُلقَى في النار بكل خزي وعار لا يمكن مقارنته بالمؤمن الذي يأتي يوم القيامة بطمأنينة ربانية آمناً ، فائزاً برضا الله تعالى وجنته .
وقال الله تعالى : (( أَفَمَن كان على بينةٍ من ربه كَمَن زُينَ له سوءُ عمله واتبعوا أهواءهم )) [ محمد : 14] .
وتتوالى المنهجيةُ القرآنية في بيان الفرق بين المؤمن والكافر . فالآيةُ تقول : أفمن كان على حُجّة وبرهان من ربه تعالى ، فيعبده على بصيرة وعلم وأدلة شرعية معتمدة كمن زيّن له الشيطانُ سوءَ عمله فرآه حسناً . واتبعوا ميولَ النفس في معصية الله تعالى كالشرك وعبادة الأصنام دون امتلاكهم للبرهان أو الدليل . إذ إن اتباع الهوى يعمي ويصم بسبب غياب المنهج الإيماني العقلاني الذي ينير الطريقَ للإنسانية .
وقال الله تعالى : (( أَفَمَن يمشي مُكِباً على وجهه أهدى أمن يمشي سَوِياً على صراطٍ مستقيم )) [ الْمُلْك : 22] .
وهذا مثلٌ دقيق وواضح ضربه اللهُ تعالى لبيان حال الكافر الذي يمشي منحنياً في طريقه غير مبصر لا يعرف أين يذهب لأنه اتخذ من الضلالة منهجاً حياتياً ، وبيانِ حال المؤمن الذي يمشي في درب واضح مستقيم منتصب القامة يعرف نقطتَي البداية والنهاية ، ويبصر الطريقَ بوضوح .
ومن الملاحَظ أن سياقَ القرآن الكريم لم يورد جواب الاستفهام الإنكاري ، لأن العقل يعرف أن الأهدى هو الذي يمشي سوياً على صراط مستقيم . وفي هذا دلالة واضحة على دفع السامع إلى التفكر والتفكير ، ومعرفة الفروقات بين المؤمن والكافر عبر استحضار الأمثلة القرآنية في ذهنه وتحليلها ، وربطها بالواقع ، ليكون التأثير بالغاً وبليغاً في آن معاً .
وكل هذه المقابَلات بين المؤمن والكافر إنما تهدف إلى تمييز الصالح من الطالح ، والتفريق بين أهل الإيمان ( النور ) وأهلِ الكفر ( الظلمات ) . وكما قال الشاعر : وبضدها تتبين الأشياء .
http://www.facebook.com/abuawwad1982
التعليقات (0)