المفاوضات غير الاستكشافية مرة أخرى
حماده فراعنه
نافذة رآها الرئيس أوباما، وربما هو الذي نجح مع وزير خارجيته لفتحها من أجل استئناف المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية المعلقة المتعطلة منذ تشرين الأول 2010، لإصرار طرفي الصراع، كل على موقفه وأولوياته وصولاً للحفاظ على ما بحوزته، تحقيقاً لأهدافه، والهدف المركزي للطرفين واضح لكل عين بصيرة:
- إسرائيل تسعى نحو إجراءات تراكمية تحفظ بقاء الاحتلال في القدس والغور ومستوطنات الضفة، والباقي تفاصيل، تمارسها أو تفرضها من أجل بقاء الاحتلال واستمراريته.
- فلسطين تسعى نحو إجراءات تؤدي إلى زوال الاحتلال ونيل الحرية والاستقلال واستعادة حقوق الشعب الفلسطيني المنهوبة من المشروع الاستعماري التوسعي الإسرائيلي.
الفلسطينيون يريدون المفاوضات ويسعون لها ويتوسلون من أجلها، لأنها وسيلة، لاستعادة حقوقهم ويرفضون أن تكون غطاء لتشريع الاحتلال وبقائه وتوسعه، على حساب أرضهم وكرامتهم وحقوقهم، هكذا بكل بساطة وبدون فلسفة.
والإسرائيليون لا يريدون المفاوضات ويكرهون اسمها، ومن يدعو لها، كرههم للفلسطينيين سواء كانوا في مناطق الجليل والمثلث والنقب ومدن الساحل المختلطة، أو كانوا في القدس والضفة والقطاع، فهم من طينة واحدة، ثقافة وشعباً وقومية ولهم قضية واحدة توحدهم وتجمعهم.
اسمهم في 48 محمد بركة وأحمد الطيبي وطلب الصانع، واسمهم في 67 محمود عباس وسلام فياض ومصطفى البرغوثي، مطلبهم في 48 المساواة، ومطلبهم في 67 الاستقلال، مثلهم مثل اللاجئين مطلبهم في الشتات والمنافي العودة واستعادة ممتلكاتهم، وعنوان الجميع واحد موحد هو منظمة التحرير تجسيداً للشعب وللقضية والحقوق الثلاثة: المساواة والاستقلال والعودة، ولذلك إسرائيل ترفض المفاوضات، ولكنها لا تستطيع قول ذلك، فتقول: نريد المفاوضات بدون شروط مسبقة، وحقيقتها أنها هي التي تفرض شروطها وشكلها، بل وتحدد مسارها، كي تصل إلى ما تريد وليس إلى ما سوف يجب أن تفعله وتدفعه، وهو زوال الاحتلال وولادة فلسطين من جديد على أرضها وتراثها وتاريخها.
جون كيري يبحث عن عوامل خلاقة جديدة، لبقاء النافذة ومحاولة توسيعها، فلم يجد أفضل من اعتبار "مبادرة السلام العربية" التي صاغتها السعودية ومررتها عبر القمة لتكون عنوان العرب السياسي، كي يجدها الفرصة والغطاء لتمرير فكرة فتح طاولة المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية وهذه المرة في عمان كما حصل في جولة المفاوضات الاستكشافية التي جرت في شهر كانون ثاني 2010 ولم تأت بجديد في حينه سوى المزيد من التصلب والتطرف والعنجهية الإسرائيلية عبر الأسئلة التي قدمها إسحق مولخو في ذلك الوقت، لصائب عريقات في خمس جولات طوال شهر كامل في العاصمة الأردنية بحضور وزير الخارجية ومدير المخابرات.
جون كيري يقول: يجب فتح مبادرة السلام العربية التي تشترط قبول إسرائيل بالانسحاب إلى حدود 1967، مقابل السلام والتطبيع، وجون كيري يقول: هذا كلام جميل واقعي ومنطقي، ولكن فقط عبر تغيير الأولويات فقط بحيث يقبل العرب على السلام والتطبيع ومن ثم نسعى لإقناع إسرائيل بالانسحاب إلى حدود 1967، ولذلك وصف المبادرة العربية في نهاية جولته على أنها "قد لا تكون ملائمة كأساس للمفاوضات في صيغتها الحالية"، فهو يريد مكافأة إسرائيل على تطرفها، ورشوتها للجلوس على طاولة المفاوضات بدون ثمن تدفعه على سياساتها وإجراءاتها وتوسعها واستيطانها وبدون التزاماتها، ولذلك يسعى نحو التطبيع أولاً ومن ثم يسعى لإقناع إسرائيل بقبول الانسحاب إلى حدود 67.
منظمة التحرير ورئيسها ودائرتها التفاوضية يرفضون استئناف المفاوضات بالصيغ الأميركية المقترحة بفتح المبادرة العربية، لا مفاوضات بدون تلبية الالتزامات الإسرائيلية الثلاثة:
1- وقف الاستيطان، 2- إطلاق سراح الأسرى، 3- إقرار حدود 67 كمرجعية للتفاوض، ويقبلون تأجيل التقدم لعضوية بعض المؤسسات الدولية إكراماً للأميركيين وجهودهم وتقديراً للإفراج عن الأموال المجمدة لهم، وغير ذلك سبق وأن تم اختياره بلا جدوى، خاصة وأن ما تم اختياره تم أيضاً برعاية أميركية سواء في عهد بوش الجمهوري أو في ولاية أوباما نفسه الديمقراطي.
أوباما متعاطف مع الفلسطينيين وقد خاطب الإسرائيليين بكلام شجاع حينما قال: "يجب أيضاً الاعتراف بحق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره، وحقه في العدالة. عليكم أن تضعوا أنفسكم مكانهم. عليكم أن تنظروا للعالم من خلال عيونهم. ليس من العدل أن ينمو الطفل الفلسطيني ويترعرع في دولة ليست دولته، ويعيش حياته كلها بعد ذلك في وجود جيش أجنبي يتحكم في تحركاته. ليس فقط تحركات الصغار، وإنما تحركات آبائهم وأجدادهم، كل يوم. ليس من العدل أن يمضي عنف المستوطنين ضد الفلسطينيين من دون عقاب. ليس من العدل منع الفلسطينيين من زرع أراضيهم، أو الحد من قدرة طلابهم على التحرك في مختلف أنحاء الضفة، أو طرد العائلات الفلسطينية من بيوتها. لا الاحتلال ولا الطرد هما الإجابة الصحيحة".
محاولات أميركية تصطدم بالمواقف الإسرائيلية، ولذلك تفشل لسبب جوهري، لأن سياسة أميركا محكومة لإسرائيل بالاتفاق الإستراتيجي الذي لا يستطيع أوباما وإدارته زحزحته أو تغيير مضامينه، ومحكومة بالنفوذ اليهودي الصهيوني الذي يتحكم بالموقف الأميركي نحو منطقتنا العربية خدمة للمشروع الاستعماري التوسعي الإسرائيلي.
التعليقات (0)