مواضيع اليوم

المــــا ء .... ثورة قديمة جديدة ....

علي المطيري

2008-06-26 17:47:36

0

     المـــــا ء ..... ثــــورة  قــديمة  جـــديدة  ...
 
 
 
منذ نشوء الكون كان للماء دورا أساسيا في الوجود العام للبشر وسائر الكائنات , لذا نرى أن الماء يشكل مانسبته 75%من المساحة الكلية لكوكب الأرض, وقال الله سبحانه, (وجعلنا من الماء كل شئ حي  ) وقالوا عنه ( الماء أكسير الحياة ) أي أن كل ماهو حي مرتبط بوجود الماء , وهذا يعني أنه في غاية الأهمية بل هو الأساس في الوجود .
 
وفي التأريخ قرأنا أن الكثير من النزاعات والخصومات بل الحروب الطاحنة ,يذهب فيها العزيز والغالي ,  والتي كانت تستمر لأيام أو شهور أو سنين , هي بسبب الماء من حيث وجوده في المكان والزمان , وكانت عادة تنتهي بهزيمة طرف أو عدة أطراف متحالفة , وسيطرة طرف أو عدة أطراف متحالفة في الجانب الآخر , وفي أحوال نادرة كان يتم الإتفاق على تقاسم مصادر الماء بين الأطراف المتقاتلة , سرعان ماينتهي الى الصراع والقتال .
 
ومن اجل تقريب فكرة بحثنا هذا, أخذنا الجزيرة العربية مثالا, على كل ماسيرد فيه لاحقا , عادة وكما هو معروف, فإن مصادر المياه في الجزيرة العربية, هي( عبارة عن آبار والقليل من الواحات المنتشرة بشكل عشوائي هنا وهناك ) , والمعروف أيضا أن العرب قبل الإسلام, كانت حياتهم تمتاز بالترحال المستمر , طلبا للماء والكلأ لهم ولأنعامهم , وأحيانا كانت هناك هجرات غير منظمة الى مناطق بعيدة عن الجزيرة آنذاك , هي تحديدا العراق والمحمرة , لوفرة المياه هناك , مما أتاح للكثير من هذه القبائل التوطين والإستقرار .
 
بعد بزوغ فجر الإسلام , والتغير الذي حصل في الحياة الدينية والأخلاقية للإنسان هناك , فرضت هذه المتغيرات الكثير من الأمور الجديدة , وألغت أمورا كثيرة أيضا , مايخص بحثنا هنا هو الماء , فقد إرتأت التشريعات الإسلامية الجديدة , أن تنظم عمليات الإستفادة والإنتفاع من مصادر المياه , وهي عادة كما قلنا الآبار وبعض الواحات , فصدرت القوانين والسنن لتعالج هذا الموضوع , كي لايقع ظلما على أحد ويحرم, من حقه في الحصول على مايروي ظمأه ويكفيه مؤونة العطش , فنظمت عملية حفر الآبار , بحيث كان ممنوعا على احد, أن يقوم بحفر بئر قريبا من الآخر , والسبب في ذلك , لمعرفتهم بأن هذا البئر سيؤثر سلبا على مياه ذلك البئر الآخر الذي حفر بالقرب منه , هذا من ناحية , من ناحية أخرى , جعلت حراسة مشددة وسقاية مدورة على تلك الآبار ,تفاديا لعدم السيطرة عليها وحمايتها من العبث من جهة , ومن جهة ثانية لضمان عملية السقاية العادلة بين الفراد أو الجماعات أو القبائل , وكذا الحال بالنسبة الى الواحات .
 
هذه التشريعات والقوانين المستمدة من الشريعة الإسلامية العادلة , ضمنت حقين أساسيين للإنسان هما ( حق العطش , وحق الري أو السقي  ) وكلاهما حقين مقدسين لايمكن لأحد المساس بهما تحت أي ظرف كان ,,,, وهنا لاننسى أن الأمم السابقة أيضا كانت لها قوانين وتشريعات شملت كل مناحي الحياة ومنها الماء ,,,, أي أن من حق البشر أن  ينتفع من الماء ويجوز له إستخدامه , ولايجوز ويمنع منعا باتا لأحد أن يمنعه هذا الحق , والإسلام جعل من المياه ملكا مشاعا للجميع دون إستثناء , ومنع من أن يمتلكها البشر ويسيطر على مصادرها , بل اكثر من هذا , فرض عقوبات تأديبية وجزائية على كل من يمنع البشر من الإنتفاع بالماء , أو يتلاعب بمصادرها أو منابعها .
 
وبعد إتساع الرقعة الجغرافية للسكان في الجزيرة العربية , مع إنتشار الإسلام بين ربوعها , وزيادة الطلب على الماء , والنقص الحاصل فيها بما لايوازي الزيادة المضطردة التي ساهمت بشكل مباشر بالطلب عليه , شرعت قوانين جديدة , لتعالج هذا ألأمر المستجد , فعمدت الى مجاميع واجبها نقل الماء الى بقية السكان , ممن لايملكون وسيلة لنقلها , أو لبعدهم عنها , وهذه ممارسة شرعية وإنسانية وأخلاقية وقانونية , فرضتها الحياة الجديدة على الشارع المقدس المسؤول حينذاك .
 
بعد تكون الدولة الجغرافية , وظهور التجمعات السكانية الكبيرة , ورسم الحدود السياسية والإدارية بينها , كانت قضية المياه من المشاكل المستعصية التي واجهت تلك الدول , فعمدت الى تشريعات جديدة أخرى غير تلك القديمة , لكنها مرتكزة عليها من حيث المبدأ , فبما ان التشريع الأول يقول, بل ركز على موضوعة  ( وقفية المياه ) ,لذا بقي هذا التشريع ساري المفعول, ولم يتغير لحد الساعة وسيبقى, على إعتبار أن المياه حق مشاع للجميع , ولا يمكن التلاعب به أو الإنتقاص من اهميته  أو التفريط به.
 
في عام 1926 وبداية نشوء الدولة التركية بحدودها الإدارية المعروفة حاليا, أي بعد سقوط الإمبراطورية العثمانية وإندحارها في الحرب مع بريطانيا ومن تحالف معها آنذاك , شرعت قوانين جديدة سميت ( القوانين المدنية التركية ) وخصص منها بالذات فصلا تشريعيا يعالج فيه ملف مياه( نهري دجلة والفرات ), على اساس أنهما ينبعان من الأراضي التركية حصرا , ويمران في الأراضي السورية , نزولا الى الأراضي العراقية , ثم الى البحر تاليا .
 
 
في هذه القوانين , تعتبر المياه , وقفية , مشاعة , من حق الجميع , الإنتفاع بها وإستخدامها للاغراض المتعددة , التي لها علاقة مباشرة بحياة البشر وإستمراره حق مضمون , لايجوز شرعا ولا قانونا , أن تستعمل , كوسيلة ضغط او إستفزاز , ضد الاخرين من أجل تحقيق مكاسب دينية , سياسية , إقتصادية , ولا يجوز أن تكون فزاعة يلوح بها ضد من تختلف معه , يحرم منعها , أو العبث بها أو تبذيرها أو حتى بيعها .
 
 
إن مياه النهرين , هو من حق الدول ( المتشاطئة )عليه , تركيا , سوريا , العراق , وقد نظمت عمليات الإنتفاع من المياه بطريقة تضمن حقوق كل بلد على حد سواء , وممنوع على تركيا أن تمنع سوريا والعراق من التمتع بحصتهما من المياه مثلا ,وممنوع على تركيا وسوريا أن يتحدا ضد العراق ويمنعاه حقه في المياه , وممنوع على سوريا أن تمنع العراق من التمتع بحصته منهما , وممنوع على العراق أن يمنع أقطار الجزيرة العربية من المياه لو ارادت أن تنتفع بها , إذن , المياه حق للجميع وإن الله أوجدها من اجل الجميع .
 
وهنا نطالب تركيا الجارة المسلمة , بالإلتزام بما ألزمت نفسها به أولا , وبما انها دولة مسلمة , عليها أن تطبق التشريعات الإسلامية فيما يخص موضوعة المياه , أي أنها لايجوز لها ان , تبني السدود الكبيرة والتي بدورها تعطل وصول المياه الى سوريا والعراق , ولا يجوز لها ان تغلق مصادرهما او تجفف منابعهما , لايجوز لها أن تبيع المياه الى قبرص أو الكيان الصهيوني , من اجل تحقيق مكاسب سياسية او إقتصادية , لايجوز لها تلويث المياه من خلال تحويل بعض النفايات الصناعية اليها مثلا , لايجوز لها التخلص من مياه الصرف الصحي, من خلال ربطها مع مجرى النهرين , وبالتالي لايجوز لها وممنوع منعا باتا شرعا وقانونا وأخلاقا , ان تستعمل المياه وسيلة ضغط لتحقيق أي مكسب كان ,وينبغي أن يبقى موضوع الماء بعيدا عن التجاذبات السياسية , والإختلاف في الرؤى أو المواقف,وكذلك الإملاءات الخارجية ونحوها, وبغض النظر عن كل الظروف المساعدة لذلك .
 
بخلافه , سيتعرض الأمن القومي للمنطقة الى هزات وثورات شعبية عارمة , نتائجها كارثية مزمنة , لايمكن التخلص منها حتى على المستقبل البعيد , لأن هذا الأمر يدخل ضمن مفهوم الرزق ( قطع الأعناق ولا قطع الأرزاق ) , أي أن البشر لو تعرضت حياته للهلاك , سيعمل بكل مابوسعه من أجل دفع ذلك الهلاك وبأي ثمن كان , ونحن نعتقد أن حال الدول الإسلامية بغير هذا لايحسد عليه , فما بالك لو حصل مثل هذا الأمر لاسمح الله .
 
نعتقد , لو ان الجهود تضافرت من اجل تحقيق سياسات مائية مشتركة بين الدول المتشاطئة على نهري دجل والفرات , لتحقق الكثير من النجاحات , سواء على مستوى الحاجة لمياه الشرب أو الري والسقي , ولا بد من وجود ناظم مشترك بينها , عليه فإن تلك الدول مدعوة اليوم الى عقد عدة إجتماعات , ولقاءات متواصلة , للبت في الإتفاق الذي من خلاله يتم العمل على إنتهاج سياسة مائية تضمن الحق لبعضعها البعض في توزيع الحصص المائية , معطوفا على الكثافة السكانية أولا , ونوعية التربة , وتنوع الزراعة, ودرجة الحرارة . آخذين بنظر الإعتبار عملية التكامل الإقتصادي , من خلال التبادل التجاري في مجمل المحاصيل الزراعية والثروة الحيوانية والسمكية , وتسهيل عملية إنتقالها وإنسيابة وصولها .
 
نعتقد أيضا , لو ان هذه الدول مجتمعة عملت على المشاركة في بناء السدود الضخمة ذات طاقة إستيعابية كبيرة , من اجل ضمان حصر المياه للاجيال القادمة , ومنها تحصل على الطاقة أيضا , ولو عملت على بناء محطات ارضية مغلفة لتجميع مياه الأمطار ,,,علما ومعروف ان مياه الأمطار تحتوي على نسبة عالية من النقاوة الميكروبية ,,, والعمل على تصفيتها وتكريرها وهي لاتستلزم من المال والوقت والجهد الكثير, وضخها عبر القنوات لتصلح للإستهلاك البشري لاحقا , ولو عملت على الإكثار من الأنهر والروافد المتفرعة من النهرين وتغليفها ,ونصب المضخات القوية الشفط والسريعة الدفع , وذلك لضمان عدم تسرب المياه الى باطن الأرض وسرعة وصولها , وعدم تبخرها بفعل الحرارة  , ولو إعتمدت طريقة التنقيط في عمليات الري والسقي , من اجل سياسة مائية إقتصادية , لتوفر أكبر كمية لري مساحات واسعة من الأرض الصالحة للزراعة ,ولو أنها حفرت المبازل خصوصا تلك التي في الأراضي المنخفضة أو التي تزرع الرز , وقامت بتغليفها لمنعت من أن تتسرب الملوحة الى بقية الأراضي , وهذه عملية إستصلاحية من حيث لاتشعر بها .
 
هذا مايخص الدول إجمالا , نذكر إخوتنا في العقيدة , الأقربون أولى بالمعروف , فبدلا من ان تركيا تحمل يوميا مئات البواخر محملة بالمياه النقية العذبة من نهري دجلة والفرات , الى الكيان الصهيوني , وهي تعلم ان الفلسطينيين لاينتفعون منها , فالأجدر بها أن تحملها الى الأردن الشقيق المسلم , أو الصومال أو اليمن أو دول الخليج الإسلامي , لتعوضها عن المبالغ الطائلة التي تذهب الى محطات تحلية مياه البحر , نقول , ماذا لو تضافرت الجهود بين تركيا وسوريا والعراق , وقامت بحفر نهر كبير ومغلف من أقرب نقطة جغرافية في نهر الفرات المار عبر سوريا وبالقرب من الاردن , من إيصاله الى الأراضي الأردنية لينتفع به الشعب الأردني المسلم الشقيق , أليس هذا من الواجب الإسلامي , أليس للاردن الحق في المياه الإسلامية , وهي بالعرف التشريعي كما أسلفنا وقفية ومشاعة للجميع ؟ .
 
ماذا لو قامت دول الخليج الإسلامية , بــــ الإستثمار في مجالي الري والزراعة في الدول التي توجد لديها ثروة مائية , ماذا لو ساهمت في شق النهر الى الأردن ,وماذا لوساهمت ببناء سد الملك عبد الله والذي تعطل ,( والصراحة لاندري ماهي الأسباب لكننا إفترضنا أنها مادية ),  من أجل زيادة المسطحات الخضراء , وزراعة النخيل وبعض المحاصيل المهمة ,  وإنقاذ الثروة الحيوانية ,خصوصا في المفرق ,  وماذا لو  شاركت العراق ببناء عدد من السدود على ملتقى نهري دجلة والفرات في منطقة القرنة, وهي قريبة من البصرة في الجنوب العراقي , والعمل على تحويل المجرى للنهرين الى تلك الدول , وعدم السماح لتلك المياه العذبة بالذهاب الى البحر ,وضياعها سدا ,ومعروف أن تلك الدول تفتقر الى أهم عنصر غذائي وهو الرز , وهذا المحصول بحاجة الى كميات كبيرة من المياه , فلو وصلت المياه لها لتمكنت من زراعته , ولإستغنت عن إستيراده من أمريكا أو الهند أو غيرها , وهنا تحقق إكتفاءا لابأس به ,  وماذا لو عملت على مساعدة سوريا, في حفر وشق وتغليف الأنهر من نهر الفرات المار بأراضيها , من اجل إرواء أكبر مساحة من الأراضي, وجعلها زراعية بدلا من ان تبقى بورا , وتأسيس شركات زراعية مشتركة لتؤمن على الأقل, غذائها الوطني القريب, بعيدا عن إبتزاز الدول المنتجة والمصدرة , ماذا لو عملت على الإستثمار في زراعة النخيل , ونقل النوعيات الجيدة الى بعضها .
 
وكذا الحال ينطبق على مصر والسودان , فهما في نفس المعاناة , على إعتبار أن نهر النيل ينبع من الحبشة , ونحن نعتقد أن الإستثمار في الجانب الزراعي والإروائي مربح جد , لأنه مرتبط بحياة البشر وديمومته في الحياة , فلو أن تلك الأموال وضعت في تطوير ضفتي النيل , لزادت المساحات الصالحة للزراعة , ولم يبقى مسلم يقف طابورا طويل من أجل الحصول على رغيف الخبز , ولو وصلت المياه الى جنوب السودان مثلا , لتحقق الأمن الغذائي لكل الوطن العربي اولا والإسلامي تاليا , وذلك لوجود الأراضي البكر والصالحة للزراعة , والتي من الممكن أن تعطي إنتاجا وافرا وقد يزيد عن الحاجة لو توفرت المياه الكافية لها .
 
كل هذا , ينبغي أن يكون بنيات طيبة وخالصة لوجه الله تعالى , لإنقاذ فقراء المسلمين , وحفظ ماء وجوههم , وأنتم أيها الحكام , إن كنتم فعلا رعاة وتهتمون برعاياكم , فإن الله أوصى بحفظ النفس من الجوع والعطش , وهما حقان شرعهما الله للبشر كافة , والنفس إذا احرزت قوتها إطمأنت وانتجت , فلا تضيعوا أموال المسلمين فيما لاينفعهم .
 
علي المطيري
26  /  6  /  2008
 
 
 



التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

من صوري

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي صورة!

فيديوهاتي

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي فيديو !