ما إن أعلن المغرب حربا على خطر التغلغل الشيعي بين مواطنيه خلال الشهور القليلة الماضية، إذ لا تزال السلطات المغربية تتعبأ إلى حدود الأمس القريب لاجتثات خطر التشيع في صفوف مواطنيها، بعدما كشفت تورط السفارة الإيرانية في أنشطة وتحركات وصفت حينها بـ "الأنشطة المريبة" تتوخى تشيع المغاربة، وإخراجهم عن المذهب السُني المالكي، حتى كشفت تقارير حكومية رسمية وأخرى غير رسمية أن حملات تنصير المغاربة قد تضاعفت بشكل غير متوقع، بل أن هذه الحملات باتت تتحدث عن تنصير 20 في المائة من المغاربة في أفق 2020 كرهان استراتيجي توفر له مختلف الوسائل الإعلامية والمادية لبلوغه.
ولقد لفت تنامي الحركات التبشيرية بدول المغرب العربي عموما اهتمام الكثير من وسائل الإعلام المحلية والعالمية، حيث نشرت حوله عدة تقارير رصدت الحركة التبشيرية بكل من المغرب وتونس والجزائر، وأشارت أن قرابة ألف مغربي اعتنقوا المسيحية، فيما قدر عدد التونسيين الذين تنصورا ب 500 فرد، وأن ما بين 4000 – 6000 من منطقة القبائل الجزائرية تنصروا سنة 1992، وعليه فإن عددهم اليوم قد يتضاعف إلى عشرات الآلاف.
وإذا كانت ظاهرة التبشير بالمغرب ظاهرة قديمة ارتبطت باستيطان المبشرين في عدد من المدن والقرى والمداشر المغربية في عهد الحماية، وقاموا بنشر المسيحية بين الناس تحت مظلة الحماية، إلا أن هول ما يسجل من أرقام للمنصرين اليوم صار يثير قلق السلطات المغربية، إذ كيف أمكن لهذه الظاهرة أن تعاود نشاطها بهذه القوة في الوقت الراهن؟.
ففي الوقت الذي كانت تتستر فيه الاحصائيات الرسمية المغربية من أنه لا وجود للمسيحية في صفوف المغاربة، سواء من الأصول العربية أو الأمازيغية، طلع مؤخرا تقرير الحرية الدينية الذي تصدره وزارة الخارجية الأمريكية وتقارير منظمات حقوقية دولية يشير إلى وجود "أقليات مسيحية مغربية، تعاني من الاضطهاد الديني، ولا يسمح لها بممارسة حقها في حرية التدين والاعتقاد بشكل علني".
وكانت مصادر إعلامية قد كشفت بناء على تقرير حكومي صدر سنة 2005 عن وجود ما يقارب 800 منصِّر يزاولون أنشطة تنصيرية داخل المملكة، وأنهم يتخذون من بعض الجمعيات ستارًا لإخفاء أنشطتهم التبشرية، وأردف التقرير ذاته أن هؤلاء المنصرون قد تمكنوا من تنصير ما يزيد عن ألف فرد من المغاربة.
في حين أعلنت وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية المغربية عن وجود 150 منصر غربي فقط يمارسون أنشطتهم بالمغرب في حوالي 50 كنيسة متفرقة على مدن مغربية منها: الدار البيضاء، طنجة، تطوان، فاس، مكناس، أكادير، والرباط...
ولذلك رجحت إحصائيات التقارير غير رسمية أن عدد المنصرين المغاربة قد بلغ عددهم السنة الماضية 35 ألفا، فيما ذكرت تقارير إعلامية أن عددهم يناهز ال50 ألفا.
وحسب رأي عدد من علماء الدين المغاربة، فإن ظاهرة التنصير في المغرب لا يمكن فصلها عن توجهات عالمية مسيحية يمينية متطرفة، حيث سبق لعدد من القساوسة التأكيد على أن غايتهم من التنصير إخضاع العالم الإسلامي، وفق ما كان الاستعمار يقوي قبضة على المستعمرات بالتعاون مع الارساليات التنصيرية.
وبرروا هذا الرأي بوضع "مركز الولايات المتحدة للبعثات التنصيرية العالمية" مشروعا يحمل اسم "مشروع جوشا" شعاره "الكنائس لكل الشعوب، وإنجيل لكل فرد"؛ وذلك غداة تفجيرات 11 شتنبر 2001، الغاية منه نشر المسيحية على نطاق واسع في دول المغرب العربي منه في باقي دول لشرق الأوسط.
كما أن هناك من يتحدث على أن تزايد وثيرة التنصير بالمغرب هي ضريبة للوضع المتقدم لدى الاتحاد الأوربي، وذهبوا إلى أن الشراكة المغربية الأوربية لن تنتهي عند هذا الحد، بحيث أبدى عدد من الدارسين بأن التنصير في السنين القادمة قد يصبح علانية، في إطار التعريف بقيم التسامح في الدين المسيحي أو على الأقل في إطار التعامل بالمثل، وأن المغرب حينها سيكون مطالبا إلى حذف النصوص القانونية التي تجرم نشر التعاليم المسيحية، من منطلق حق المواطنين في الانتماء الديني والعقدي.
ولقد كُتِب لإرساليات التنصير في المغرب أن تتوسع بشكل لافت، مستغلة فاقة المادية للمغاربة في كثير من الأحيان، أوتماهيا مع رغباتهم في الحصول على أوراق الإقامة بالدول الأوربية، وهو ما عزز التحاق عدد كبير بالبعثات التبشيرية على غير عادة المغاربة. إذ تبث أن هناك من يتنصَّر لقاء مبلغ من المال أو وعود بالرعاية الصحية المختلفة أو تأشيرة دخول إلى بعض الدول الأوروبية.
ويفسر الانتشار المتزايد لنشاطات المبشرين بعدد الحالات الكثيرة التي ضبطت فيها السلطات الأمنية المغربية مبشرين في حالة تلبس، يحملون الآلاف من نسخ الإنجيل، كانوا يهمون بالتوجه نحو مناطق محددة بكل دقة، خاصة القرى والمداشر البعيدة والفقيرة لتوزيعها هناك بالمجان.
بل أن الحركات التبشيرية تأكد أنها تجاوزت مرحلة البداية إلى التغلغل القوي في خلق تنظيمات للمنصرين، حيث تم بمدينة مراكش اكتشاف تنظيم سري لمجموعات إنجيلية ومدارس للتلمذة الروحية بمراكش، وتأكد من خلال الوثائق التي تم العثور عليها بشقة أحد الأجانب أواسط سنة 2005، منها قانون أساسي لمجلس المدينة للمجموعات الإنجيلية باللغتين العربية والفرنسية.
ويتوجه المبشرون إلى الشباب الذي تتراوح أعمارهم ما بين 18 و34 كفئة مستهدفة استراتيجيا، تحت شعار: "إذا لم تستطع تنصير مسلم فلا تمكنه من أن يكون مسلماً حقيقياً"، وأن هذه الحملات التنصيرية المنظمة والمحكمة، قد تمكنت من عقول وقلوب عدد من الشباب المغاربة الذي أعلنوا ارتدادهم عن الإسلام واعتناق المسيحية والتحقوا بخلايا تباشر حملات التنصير.
ويتأكد تزايد اهتمام المغاربة بالتنصير بما كشفت عنه منظَّمات تنصيرية من أن نحو 150 ألف مغربي يتلقون دروسا عبر المراسلة في النصرانية يشرف عليها مركز التنصير الخاص بالعالم العربي، أو من خلال برامج إذاعية وتليفزيونية دولية لنشر الإنجيل، والتي تبث باللهجة المحلية وموسيقى دينية ومواعظ تنصيرية وهي قناة "الحياة" و"المعجزة" و"سات 7"، إضافةً إلى 635 موقعًا تنصيريًّا على شبكة الإنترنت تديرها منظمات تنصيرية.
ويتوضح أن الحملات التبشيرية تطور من أدائها عبر اعتماد وسائل الاتصال الحديثة لفعالياتها وقدرتها على الوصول إلى شريحة أوسع في استقطاب المزيد من المنصرين المغاربة، ولأن هذه التقنيات لا تطالها المراقبة الأمنية.
وبالفعل يتأكد من خلال غرف الدردشة الجماعية وجود شبان مغاربة من أصول أمازيغية يقيم جزء كبير منهم في دول أوربية قد اعتنقوا المسيحية وباتوا يلتقون بانتظام في غرف للدردشة على شبكة الانترنت.
كما أن مصادر صحفية أشارت إلى عدد من ارتباطات التبشير بمختلف المجالات، ذلك أن هذه الحركة قد نشطت بقوة في مدينة ورزازات، بحكم احتكاك أهالي المدينة بالمسيحيين حين المشاركة في لعب أدوار كومبارس في أفلام دينية مسيحية تحكي قصص الأنبياء، حيث يستغل فقرهم وجهلهم فيدعون إلى اعتناق المسيحية.
وقد رأى عدد من المتتبعين للشأن الديني في تدشينات الملك محمد السادس لبناء عدد من المساجد بالمدينة رد غير مباشر على مخاطر التبشير المصاحبة للأعمال السينيمائية التي تصور بالمنطقة، ودلالة قوية على سعي المؤسسة الملكية في تقوية الوازع الروحي بالمدينة.
ومعلوم أن المغرب كان إلى حدود الأمس القريب على موعد مع تغلغل المد الشيعي، وظهور بوادر لتشيع المغاربة، إذ نشطة حركة دعاة التشيع في استغلال لاحترام وتعاطف المغاربة مع آل البيت، وكانت السفارة الإيرانية قد تورطت في أنشطة تتوخى إخراج المغاربة من عقيدتهم السنية الأشعرية؛ مما فجر أزمة دبلوماسية بين البلدين، ودعت السلطات المغربية حينها إلى قيادة حرب بلا هوادة لاجتثاث منابع الفكر للشيعي، فصادرت الآلاف من الكتب والمنشورات والأقراص المدمجة والأشرطة السمعية. كما أغلقت المدرسة العراقية، بعدما تبين أنها كانت تقدم دروسا حول التشيع للتلاميذ، وأغلقت قسم اللغة الفارسية من كلية الآداب والعلوم الإنسانية جامعة محمد الخامس أكدال بالرباط.
Elfathifattah@yahoo.fr
التعليقات (0)