مواضيع اليوم

المغرب يراهن على الجهوية لتقوية جبهته الداخلية وصيانة وحدته الترابية

شريف هزاع

2010-01-23 16:54:28

0

 

    لا يزل موضوع الجهوية بالمغرب التي أعلن عنه العاهل المغربي محمد السادس يستقطب الكثير من الاهتمام المحلي والدولي، باعتباره إطارا غريبا في محيطه، حيث تنظر إليه عدد من الدول الإفريقية المجاورة بشيء من التوجس والخوف، وخاصة الجارة الجزائر، التي ترى في المقترح المغربي انتقال العدوى إلى أقاليمها للمطالبة بالاستقلال الذاتي عن السلطة المركزية بالجزائر العاصمة، مما يجعلها تتقاسم عائدات النفط، والتدخل في تدبير عائدات الثروات الطبيعية للجزائر.
    وقد جاء التفاعل سريعا حينما وصف "فرحات مهني" زعيم الحركة من أجل الحكم الذاتي بمنطقة القبائل الجزائرية مقترح الجهوية المتقدمة / الحكم الذاتي بأنه مقترح حكيم يمنح الجهة فرصة توجيه جهودها نحو بناء اقتصادياتها وثقافاتها وهوياتها، كما اعتبر أن المقترح المغربي مطبوع بالحكمة أكثر من الموقف الجزائري تجاه ملف نزاع الصحراء الذي وصفه بالمتصلب.
     وإذا كان المغرب يراهن على ورش الجهوية الموسعة باعتبارها تكملة لمبادرة الحكم الذاتي التي تقدم بها المغرب من أجل تسوية ملف الصحراء الغربية بشكل نهائي، كإطار ملائم لصون وحدته الترابية وبلورة إستراتيجيته البديلة للتنمية الاقتصادية والاجتماعية والمحلية، فإن الجارة الجزائر ترى فيها تهديدا لمصالحها الاستراتيجية وأمنها القومي، لذلك تبدي كثيرا من التشدد تجاه الدعوات المطالبة بالاستقلال عن الجزائر، لأن من شأن الحكم الذاتي أن يفقد السلطة المركزية هيمنتها على العائدات الطاقية، حيث يزاحمها التدبير الجهوي في المطالبة بالعائدات للتسيير المحلي.
    وقد تجسدت بوادر تأثير المقترح المغربي الأولى في خروج الآلاف من المتظاهرين بمنطقة القبائل إلى شوارع مدينة تيزي وزو بمناسبة الاحتفال برأس السنة الأمازيغية للمطالبة بمنح المنطقة الحكم الذاتي، وهو ما ردت عليه قوات الأمن الجزائرية بعنف شديد، خوفا من أن تمتد هذه المطالب إلى باقي مناطق التراب الجزائري.
    وتلك هي غايات الاستراتيجية المغربية في الكيل بمكيالين للجزائر التي تدعم انفصال جبهة البوليساريو فيما تقمع المطالبين بالحكم الذاتي في منطقة القبائل، وعليه تكون الخطة المغربية القائمة على خلق حراك بنيوي داخل الجزائر بإعلانه عن الشروع في تنفيذ الجهوية المتقدمة في كامل جهاته بشكل طوعي، وتوافق جماعي، لم تستطع الجزائر أن تدبره داخليا مما يشكل لها عبئا وتحديا داخليا يكشف عن تناقضاتها في دعم انفصالي البوليساريو ورفض استقلال القبائليين، وهو ما يشكل لها إحراجا على المستوى الدولي. كما أن استراتيجية إعلان المغرب عن تطبيق جهوية متقدمة على الميدان من شأنها أن تخلط أوراق الهدوء السياسي الجزائري، بارتفاع أصوات تتظاهر لتمنح حكما ذاتيا في التسيير ومراقبة عائدات الطاقة، وهذا هو مربط الفرس الذي لا يمكن للسلطات الجزائرية التنازل عنه.
   ويرى عدد من الخبراء في العلاقات الدولية أن إعلان المغرب عن تطبيق الجهوية المتقدمة / الحكم الذاتي باعتباره تنازلا عن سيادته المطلقة على الأقاليم الجنوبية، بل إن خيار الجهوية الموسعة يأتي متناغما وأجندته السياسية في الإصلاحات الداخلية تجاه مواطنيه وتجاه شركائه في الاتحاد الأوربي الذي يمنحه وضعا متقدما ولدى الولايات المتحدة التي تعتبره حليفها الاستراتيجي الأول في المنطقة.
   وعليه فإن إعلانه عن تطبيق الجهوية الموسعة لم يكن مرتبطا بالنزاع حول الصحراء بل كان مشروعا مجتمعيا تريده الدولة وأثرت أن تتريث عن إعلانه في انتظار أن تركب البوليساريو قطار الحكم الذاتي.
   ولذلك يخلف إعلان المغرب عن إطلاق مبادرة الجهوية المتقدمة نقاشات سياسية وطنيا ودوليا، حيث أكد المركز الأورو-متوسطي للتعاون والدبلوماسية المواطنة الذي يوجد مقره ببروكسيل، أن المشروع المغربي للجهوية الموسعة سيمكن المغرب من إصلاحات مؤسساتية عميقة في التدبير الإداري والسياسي والاقتصادي لتحسين شراكته في المجموعة الأوربية.
    وتقوى هذا الرأي في كون دوافع إعلان المغرب عن الشروع في تطبيق الجهوية الموسعة كان مدعاة لدوافع سياسية داخلية ترمي إلى دعم اللامركزية ودمقرطة المؤسسات الجهوية عبر دعم مبدأ الحكامة الترابية الجيدة كمدخل لتحقيق التنمية المستدامة، لأنها كانت مطلبا لبعض الحركات الأمازيغية المغربية، وكما أن دوافعا إدارية دفعت في اتجاه اقتراح الجهوية الموسعة ترتبط بدعم سياسة القرب وتقريب الإدارة من المواطنين كسبيل لتحقيق التنمية المحلية والنهوض بالجهات.
   وتشير توقعات المراقبين أن المغرب ومن خلال الإعلان عن تطبيق الجهوية الموسعة فإنه عزز عناصر ثقة إجماعه الوطني حول ملكية حيوية ونشطة، وقوى جبهته الداخلية، حينما بوُّء الأقاليم الصحراوية "صدارة الجهوية المتقدمة"، كخطوة استباقية تتجاوز أيضا تعثر المفاوضات حول مقترح "الحكم الذاتي"، وتجعل منه أمرا واقعا ينخرط فيه طواعية سكان الصحراء، في أفق انفجار جبهة البوليساريو داخليا بعد تنامي التأييد الدولي للمقترح المغربي.
   في وقت اقتنع فيه الجميع أن الواقع على الأرض يؤكد يوما بعد يوم أن جبهة البوليساريو لا تمثل غالبية الصحراويين وأنها فقط جزء بإمكانه الاندماج ضمن توجه عموم أبناء جلدتها، ويتعزز هذا الواقع بالنزيف والتآكل الداخلي التي تعيش عليه الجبهة بعدما غادر مخيماتها عدد هائل من السكان للاشتغال كأيدي عاملة باسبانيا فاستقروا هناك نهائيا وهجرها آخرون للعمل في التجارة شمال موريتانيا أو في بشار الجزائرية، وينضاف إليهم عودة الكثيرين إلى المغرب ومنهم أعضاء مؤسسون لجبهة لبوليساريو، وبالتالي فإن خطاب الجبهة تجاوزه الزمن فلم يعد يمتلك مبررات وجوده، خصوصا وأن مشروعه ورهاناته السابقة فشلت أمام المتغيرات الواقعية الحالية، ولذلك فإن خيارات البوليساريو محدودة بين القبول بالحكم الذاتي كحل للقضية أو مزيد من النزيف والتآكل الداخلي، ومنه الالتحاق بجماعات الإرهاب.
   ويتوقع عدد من المحللين أن يعرف المشهد السياسي المغربي في الشهور القريبة حراكا سياسيا للتوافق مع المؤسسة الملكية على مطالب دستورية باتت ضرورية لأن بدونها لا يستقيم مشروع المغرب في تطبيق الجهوية المعلنة، واعتبر عدد منهم أن المغرب من المرتقب أن يتوجه فاعلوه السياسيون إلى مناقشة القضايا التي تتطلب إصلاحات دستورية، وذلك بالتزامن مع انعقاد اللقاء الأول من نوعه الذي يعقده الاتحاد الأوربي مع أول شريك يحظى بصفة الوضع المتقدم، وذلك بالعاصمة الاسبانية في مارس القادم، ويرتقب أن يطالب الأوربيون المغرب بالمزيد من الإصلاحات التحديثية.
    وأكد ملاحظون دوليون أن الإصلاحات التي قام بها المغرب ويقوم بها تبقى أقل اقناعية لدى شركائه ما لم تتوج بإصلاحات دستورية، ولذلك يتوقعون قرب الإعلان عن إصلاحات دستورية تتناسب والتحولات التي عرفها المغرب في الفترة الأخيرة وتتلاءم وموقعه المتقدم مع الاتحاد الأوربي، وهو الأمر التي تؤكد كل المؤشرات أن المؤسسة الملكية بالمغرب مقتنعة به، حيث يستعد المغرب حسم توجهاته الأساسية في السير قدما بشراكته مع الاتحاد الأوربي نحو مستويات متميزة، في وقت لم يسجل فيه أي تحول في الموقف الجزائري في قضية الصحراء وفتح الحدود البرية، والاتحاد المغاربي.

Elfathifattah@yahoo.fr




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

فيديوهاتي

LOADING...

المزيد من الفيديوهات