اختتمت بغرناطة (جنوب إسبانيا) نهاية الأسبوع الماضي أشغال القمة الأولى بين المغرب والإتحاد الأوربي التي وصفها بيان مشترك بالناجحة، وعبر الطرفان عن ارتياحهما لنجاح قمة غرناطة التي دشنت لعهد جديد غير مسبوق من الشراكة.
وسمحت القمة بوضع خارطة طريق لتعزيز الوضع المتقدم الذي منحه الاتحاد الأوربي للمغرب سنة 2008، تضمنت في البيان المشترك، كالاتفاق حول القضايا الدولية الكبرى (الأزمة المالية العالمية، والوضع في الشرق الأوسط والمغرب العربي، والاتحاد من أجل المتوسط، وتطورات قضية الصحراء، والوضع الأمني في منطقة الساحل الإفريقي).
وتميزت هذه القمة، الأولى من نوعها بين الاتحاد الأوربي وبلد من الضفة الجنوبية للبحر الأبيض المتوسط، بمشاركة الوزير الأول المغربي عباس الفاسي الوزير الأول، والوفد الوزاري المرافق له، وهرمان فان رومبوي رئيس المجلس الأوربي، وخوسي لويس روردرغيز ثابتيرو رئيس الحكومة الإسبانية الذي تتولى بلاده الرئاسة الدورية للإتحاد الأوربي، وخوسي مانويل ديراو باروزو رئيس اللجنة الأوربية، والمندوب الأوربي المكلف بسياسة الجوار.
وأكد عباس الفاسي أن هذه القمة غير المسبوقة في تاريخ العلاقات بين المغرب والاتحاد الأوربي تدشن "لبداية عهد جديد من التعاون وتعزيز المكتسبات" الجلية التي تحققت في مجال الشراكة المغربية-الأوربية.
وأشار من جهة أخرى، إلى تقارب وجهات النظر بين المغرب والاتحاد الأوربي على أكثر من صعيد، وتطرق، بالخصوص، للتطورات التي سجلها المغرب على المستويات السياسية والديمقراطية وفي مجال حقوق الإنسان، مسجلا أن المملكة تبنت القيم الكونية في هذه المجالات.
واعتبر خوسي لويس روردرغيز ثابتيرو رئيس الحكومة الإسبانية، بصفته الرئيس الدوري للاتحاد الأوربي، عند البعد غير المسبوق لهذه القمة بين بلد عربي والاتحاد الأوربي.
وأكد أن هذه القمة تمثل "خطوة كبيرة على درب تمتين الشراكة مع بلد من بلدان الضفة الجنوبية، بلد استراتيجي بالنسبة لأوروبا، نأمل أن يحقق أفضل تطور لمواطنيه".
وأعرب رئيس المجلس الأوروبي، هيرمان فان رومبوي، عن ارتياحه لهذا اللقاء الأول من مستوى عال، الذي "لم يسبق عقده" مع المغرب. وقال أن الاتحاد الأوروبي "مهتم بنجاح المغرب في إصلاحاته من أجل تحقيق مزيد من التقدم والحرية وحقوق الإنسان لفائدة كافة مواطنيه".
وفي نفس السياق، أعرب رئيس اللجنة الأوروبية باروزو عن ثقته في "قدرة المغرب على مواصلة الدينامية التي بدأها سواء في المجال الاقتصادي أو في مجال القضاء وصيانة حقوق الإنسان".
واعتبر أن هذه القمة كانت "ناجحة"، وقال إن الطرفين سيشرعان منذ الآن في العمل معا على وضع "استراتيجية تلاقي" مع شريك "اختار قيم الديمقراطية".
ويروم المغرب بعد نجاح قمته مع الاتحاد الأوربي إلى تعزيز شراكته مع المجموعة الأوربية لتصبح شراكة تفضيلية، بعد انطلاق المفاوضات حول اتفاق التبادل الحر الشامل بين المغرب والاتحاد الأوروبي في أفق سنة 2012.
وتوقف عدد من المراقبين على المغزى الذي يستفاد من قوله العاهل المغربي: "إن المغرب عاقد العزم على توطيد توجهه، سواء لتحقيق تقارب أمثل مع الاتحاد الأوروبي، أو للسير في شراكته مع الإتحاد إلى أبعد الحدود الممكنة".
وأضاف العاهل المغربي أنه ولتحقيق هذا الهدف الأسمى، فإن المغرب، إذ يتطلع إلى ما هو أرحب من مجرد إقامة منطقة للتبادل الحر ليدعو إلى الرفع من حركية تدفق الاستثمارات، وتعزيز أساليب التكامل والتجانس في المجالين الزراعي والصناعي، وإعادة انتشار الأنشطة الخدماتية، وتطبيق سياسات مشتركة في مجالات البحث من أجل التنمية، واقتصاد المعرفة.
وفي هذا الصدد، ونظرا للأهمية التي تكتسيها الاتفاقية الزراعية الجديدة المبرمة مؤخرا، وللفرص التي تتيحها، فإن المغرب، إذ يؤكد حرصه على التعجيل بأجرأتها، وفاء بتعهداتنا المشتركة، فإنه يأسف للتأخير الحاصل في دخولها حيز التنفيذ.
ودعا العاهل المغربي إلى التعجيل بإجراءات الرفع من حركية تدفق الاستثمارات، وتعزيز أساليب التكامل والتجانس في المجالين الزراعي والصناعي، وإعادة انتشار الأنشطة الخدماتية، وتطبيق سياسات مشتركة في مجالات البحث من أجل التنمية، واقتصاد المعرفة".
واعتبر عدد من المراقبين أن المغرب وبعد نجاح قمته مع الاتحاد الأوربي قد أفشل مخطط الحملة الإعلامية التي تقوم بها جبهة البوليساريو بمساندة الجزائر باتهام المغرب بارتكاب انتهاكات حقوقية خطيرة داخل الأقاليم الصحراوية، وأعلن المحللون أنه لو كان الوضع الحقوقي كما كانت تدعي جبهة البوليساريو لما أصر الاتحاد الأوربي على عقد القمة مع المغرب.
ومعلوم أن المغرب قد تأتى له خلال القمة الأوربية المغربية أن ندد على لسان الوزير الأول المغربي عباس الفاسي بالحصار المفروض على المغاربة المحتجزين بمخيمات تندوف، واستنكر عدم السماح للمنظمات الأممية بإحصائهم وبالتالي معرفة إن كانوا يقيمون بهذه المخيمات منذ أزيد من ثلاثين سنة بشكل طوعي أم أنهم مجبرون على ذلك بالقوة.
وأضاف عباس الفاسي أن المغرب ما فتئ ينبه المنتظم الدولي إلى أن هؤلاء المواطنين محرومون من أبسط حقوقهم الأساسية كالحق في الحصول على بطاقة الهوية وحق التنقل وحرية التعبير والتجمع. واستنكر حديث وسائل الإعلام الأوربية عن مواقف عدد قليل من الأفراد في الصحراء، الذين يدعون أنهم مناضلون في مجال حقوق الإنسان، في الوقت الذي تبين فيه للجميع أن تحركاتهم تخضع ل"أجندة سياسية".
وأعاد تأكيد رغبة المغرب في حل نزاع الصحراء المغربية بناء على مقترح الحكم الذاتي الموسع، الذي تقدم به المغرب.
وفي الوقت الذي كانت البوليساريو تجيش لتظاهرات حاشدة من أجل ممارسة الضغط على المغرب والاتحاد الأوربي خلال أشغال القمة، سجل المغرب حضورا قويا داخل الإتحاد الأوربي، حيث قام مواطنوه المقيمون بأوربا تنظيم تظاهرة حاشدة مضادة، وكانت الأضخم، حيث تجاوز عددهم أزيد من 11 ألف نفر من بإسبانيا وفرنسا وايطاليا والبرتغال وآخرين قدموا من المغرب، للتعبير عن دعمهم لقمة الاتحاد الأوربي- المغرب، وللمقترح المغربي بمنح حكم ذاتي موسع للأقاليم الجنوبية، الذي يشكل حلا لتسوية نهائية للنزاع حول الصحراء.
ورفع المشاركون شعارات حول مغربية الصحراء، وأكدوا أن تظاهراتهم الكبرى تهدف إلى فضح الروايات الكاذبة لجبهة البوليساريو والجزائر، والتنديد بالانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان من قبل البوليساريو فضلا عن المطالبة بإطلاق سراح المحتجزين المغاربة في مخيمات تندوف.
سجل المراقبون أن إعلان الطرف المغربي والأوربي أن قمتهما قد تكللت بالنجاح حسب تصريح مشترك صدر عنهما، أحدث ذلك صدى موديا في وسائل الإعلام التابعة لجبهة البوليساريو والجزائر. حيث أبان تحليل مضمونها أن خطابها بعد القمة حمل نفسا منكسرا، بعدما كانت قبيل انعقاد القمة تنتشي بدعوة الاتحاد الأوربي وإسبانيا إلى تعليقها تحت طائلة الانتهاكات التي تقول أن المغرب يقوم بها في حق المواطنين الصحراويين في المحافظات الجنوبية.
وأوردت قول الانفصالية امنتو حيدار بغرناطة على هامش قمة الاتحاد الأوربي- المغرب أن القمة "تبيض التاريخ الدامي للمملكة المغربية... تستفز ما أسمته بالشعب الصحراوي الذي هو ضحية جهاز القمع المغربي".
وسجل تحليل مضمون وسائل الإعلام التابعة لجبهة البوليساريو والجزائر أن خطابها انعطف من نبرة التهديد والوعيد إلى الالتماس أو التوسل للاتحاد الأوربي ليجعل مسالة الحقوقية في الصحراء "جزءا أساسيا وملزما" بالنسبة للوضع المتقدم للمفاوضات بين المغرب والاتحاد الأوروبي، وإبعاد الصحراء الغربية عن إطار تطبيق اتفاقات الصيد البحري واستغلال الثروات الطبيعية الموقعة بين المغرب والاتحاد الأوربي.
واعتبرت أن الاتحاد الأوربي بمنحه المغرب للوضع المتقدم يكون بحسبها قد أدار ظهره للمبدأ الحق في تقرير المصير، وخضع لما أسمته الدعاية المغربية، كما وصفت الموقف الاسباني بـ: "غير الودي" الذي يثير إحباطا كبيرا لدى أغلبية الصحراويين.
Elfathifattah@yahoo.fr
التعليقات (0)