منذ عقد من الزمن أصبح جليا بالنسبة لمختلف النظم السياسية، حجم التغيرات الجذرية التي طرأت على مستوى الجسم الإعلامي كسلطة رابعة من حيث نوعية الأداء وكيفيته، حتى شخوص ناشطيه، عندما أضحت كل تلك التغيرات عصية على المتابعة والتحليل، لما تقدمه دائما من مفاجآت نوعية استطاعت تغيير الأحداث وصناعتها في العديد من الدول،ليتخذ الإعلام منحى جديدا،يتجاوز التصنيفات العادية من قبيل: هذا خبر وذاك تقرير صحفي وتلك المادة الإعلامية ريبورتاجا، عندما أصبح بإمكان كل أفراد المجتمع أن يصبحوا صحفيين ومناضلين.
اليوم تقدم الانترنت موادا إعلامية مزلزلة من وحي الواقع وليست من المكاتب الفاخرة، كما أن الإعلام الرقمي يتميز بسرعة الأداء وخفته ومتعته لما يقدمه من فقرات نصية خفيفة و دقيقة،تؤدي المعنى بشكل تام ، ومن صور وفيديوهات ممتعة ومدهشة ، لتصبح قيمة ساعة زمن واحدة على الانترنت ـ تعادل أياما كثيرة من التصفح الملتزم للصحف الورقية التي أصبحت في نظر المواطن لا تسمن ولا تغني من جوع من حيث التزود بالمعلومة.
كما أن الإعلام الالكتروني، يحمل تقديرا نفسيا واهتماما كبيرا بالمواطن من حيث كونه إنسانا يتفاعل مع الأخبار ووجهات النظر،يقرأ ويعلق ويدافع عن نفسه ويبلغ عن الإساءات من خلال نظم التعليق الذكية والمتطورة، وهو ما لم تتحه الصحف الورقية والإعلام التقليدي بمختلف أشكاله على مر السنين.
لنبدأ من الأعلى، الإعلام الرقمي كان جبارا وعصيا حتى على وحدات النظام الدولي لكونه اثر وعدل حتى في التوازنات الدولية. ولكي لا نبتعد كثيرا ،نذكر بالتسريبات الخطيرة التي قام بها جن الويكيليكس ،جوليان آسانج، وما سحبته من آثار على العلاقات بين الدول و النظام الدولي برمته.
ومن هنا يصبح جليا أن المدون على الانترنت،يقوم بعمل نبيل بعيدا عن الايدولوجيا الحزبية المنغلقة على شاكلة الصحافة الورقية.وليسمح لي الأصدقاء الممارسين للصحافة الورقية بالافتراض أنه يصعب أن نعثر على صحافة مستقلة ضمن الصحف الورقية لتبعية هذه المؤسسات لرأس المال الممول والذي غالبا ما يكون حزبا أو مستثمرا يسعى وراء الربح أو جهة غير معروفة قد تكون أكثر رسمية كالمخابرات مثلا.وبالتالي،في اعتقادي الشخصي على الأقل أصبح مفهوم الاستقلالية اقرب إلى الصحافي الرقمي أكثر من غيره،لأنه ينجز تدوينا ته ومواده المصورة بعيدا عن سلطة المدراء الايديلوجية أو المالية وهي تنفذ رغبة صاحب مقص الرقيب المعروف بوزارة الإعلام والاتصال بكل أريحية مستلقيا على أريكته،أو هاويا من خلال تصوير وقائع الشارع اليومية، أوصيادا الكترونيا بارعا للمفسدين والمرتشين و موثقا لحالات الخطأ والظلم التي ترتكبها السلطة عند قمع المظاهرات مثلا،وغالبا ما يكون هذا العمل بدافع نضالي نبيل.
من هنا لم تكن المملكة المغربية بمعزل عن الاستفادة من التداعيات السياسية والاقتصادية والاجتماعية للنضال الرقمي على واقعنا اليومي.فلولا التدوينات النوعية للمدونين للمغاربة على الانترنت، لما ردع الفساد وتراجع إلى الوراء، بعدة أجهزة رسمية للدولة،ولما انخرطت الدولة بشكل جاد في محاربة دور الصفيح، ومعالجة المشاكل الاجتماعية ، ولا عرفنا شيئا عن طاقات المملكة المبدعة المهملة، التي تحتضر إهمالا ليسارع المسؤولون لإنقاذ ما يمكن إنقاذه. كما أن مشروع التنمية البشرية استفاد كثيرا من حركة الشارع والتدوين على الانترنت.
وغير بعيد، وعلى وقع ما يسمونه ربيعا عربيا ، لولا الإعلام الرقمي لما ظهرت حركة عشرين فبراير، التي كانت بدايتها مع فيديو على اليوتوب، وهو فيديو مثل حصانة تستمد قوتها من كون المجتمع المغربي أصبح يعرف هذه الحركة، كما أن العالم بأكمله اطلع على أفكارها المتعلقة بالإصلاح السياسي والاقتصادي، وبالتالي لم يمكن للسلطات حتى أن تغامر في قمعها وتجاهلها، وها نحن اليوم أما حوار ايجابي رسمي مع هذه الحركة أسفر عن دستور جد متقدم والبقية تأتي، ورغم ما حدث من انفلاتات أمنية خلال مظاهرات الحركية، عندما يحتد شكل النضال، وهي فلتات تم رصدها أيضا بتقنيات النضال الرقمي العصية على المراقبة.
كل الأفكار السابقة، تصب في إطار تنبيه أصدقائي المدونين ، وكل الممارسين للإعلام الرقمي ، أنهم في موقع قوة ولا يحتاجون إلى إرسال الخاطبة إلى وزير الاتصال، وأن الانزلاق إلى مستوى سياسات الاستقطاب من طرف وزير الاتصال ، يحمل الكثير من المخاطر أكثر من الايجابيات،خاصة إذا تعلق الأمر بالتمويل والاعتراف الرسمي ، من خلال البطائق الصحفية وغيرها من الوثائق. لكوننا كمدونين نقوم بعمل يتعلق بنشر قيم الديمقراطية وحقوق الإنسان وفضح الفساد وردعه، وهو ما يتقاطع مع السياسيات الرسمية للمؤسسة الملكية، وحتى عندما يتم تنزيل هذه السياسات إلى مستوى العمل الحكومي.
وما دام لا بد من النضال ، وانتزاع مكتسبات للصحفيين الرقميين من الحكومة بشكل قانوني رسمي، فيجب أن يتجه العمل إلى النضال من أجل قوانين الحق في الوصول إلى المعلومة وحماية الأشخاص مصدر المعلومات ،والنضال ضد قمع المدونين وتعطيل المواقع والمدونات وفي الأخير أوجه خطابا مباشرا إلى زميلي الصحفي الالكتروني عادل اقلعي ، ثم إلى السيد المحترم وزير الاتصال إنكما أيها الفاضلان ، إذا زوجتما كعدليين غير مكلفين، كل من السيدة الصحافة الرقمية بوزارة الاتصال، فإنكما بذلك تشهدان زواجا فاسدا ليفرخ الزوجان،مواقع ومدونات أولاد حرام ، نظرا لكثرة الانتهازيين والفضوليين ، وتعطلان بذلك مسار حرية التعبير والديمقراطية وتشوهان الربيع المغربي.
أحمد سالم أعمر حداد
صحفي الكتروني/ باحث مغربي متخصص في تحليل الصراع
التعليقات (0)