مرة أخرى تفضح الدراسات الدولية المتخصصة حقيقة الواقع الإجتماعي و الإقتصادي بالمغرب، و تؤكد عمق الأزمة التي تعرفها بلادنا بالمقارنة مع أمم الدنيا. التقرير الأممي للتنمية البشرية الذي صدر برسم سنة 2011 وضع المغرب في الرتبة 130 عالميا في التصنيف الدولي لمؤشرات التنمية من بين 187 دولة. و بذلك يكون هذا التقرير أكبر دليل على أداء حكومة عباس الفاسي أياما قليلة قبل موعد انتخابات 25 نونبر.
الحكومة المغربية عمدت كما جرت العادة إلى رفض هذا التصنيف الأممي، و الذي تراجع المغرب بموجبه 16 مرتبة بالمقارنة مع سنة 2010، حيث كان في الرتبة 114 عالميا. و هكذا خرج الناطق الرسمي باسم الحكومة متحدثا عن " تشبث المغرب بضرورة تغيير المعايير المعتمدة في التصنيف الدولي لمؤشرات التنمية البشرية". لكن السيد الوزير لم يشرح لنا طبيعة المؤشرات التي يقترح اعتمادها حتى نرى بلدنا مستقبلا في مصاف الدول المتقدمة على هذا المستوى... طبعا موقف الحكومة ليس مفاجئا فقد أدمنت لغة الخشب، و بدل أن تعترف بفشلها الذريع في حل المشاكل المستعصية في مختلف المجالات، ها هي تقدم نفسها للرأي العام الوطني في ثوب المظلوم، حينما تعتبر أن الأرقام الواردة في التقرير" لا تعكس المجهودات التي بذلتها للإستجابة لمطالب المواطنين". لكن الرد الحكومي على التقرير لا معنى له و لا يمكن أن ينطلي على أحد... ففي دليل القارئ الذي ورد في مقدمة " التقرير الأممي " الجديد نقرأ ما يلي: " مكتب تقرير التنمية البشرية هو مستخدم للإحصاءات و ليس منتجا لها. يعتمد على البيانات الصادرة عن الوكالات الدولية ذات الإختصاص التي تملك الأدوات و الخبرات اللازمة لجمع البيانات الدولية و تجهيزها حول المؤشرات المحددة". و هذا يعني أن الأرقام التي يتضمنها التقرير على درجة عالية من الدقة و الموضوعية لأنها صادرة عن مؤسسات متخصصة بمعايير علمية. و لمزيد من الشفافية و الوضوح يطالعنا الدليل على هذه الهيئات و المنظمات التي يستند إليها التقرير الأممي في إعداد إحصائياته، و يتعلق الأمر باليونسكو و اليونسيف و البنك الدولي و صندوق النقد الدولي و إدارة الشؤون الإقتصادية و الإجتماعية التابعة للأمم المتحدة بالإضافة طبعا إلى بعض الإحصائيات الوطنية التي تعدها الجهات المتخصصة داخل كل بلد. و من تم فإن التشكيك في مصداقية هذه الأرقام يعد تشكيكا في كل هذه الهيئات الدولية المذكورة، و التي يعتبر المغرب عضوا فيها و يتعامل معها على مستويات مختلفة.
لقد تعودنا في المغرب على سياسة " قولوا: العام زين". فلو وضع التقرير الأممي بلدنا في مرتبة أفضل مما كان عليه في السنة الماضية، لهللت حكومتنا الموقرة و احتفلت بهذا الإنجاز خصوصا و أنه يأتي في سياق السباق حول استقطاب الأصوات الإنتخابية. لكن يبدو أن هذه الحكومة لا تسمع إلا ما يروق لها، و ما دون ذلك لا تلتفت إليه إلا على سبيل الرفض و الإستنكار حتى و لو كان عين الصواب (كما هو الشأن طبعا بالنسبة للتقرير الأممي حول التنمية البشرية). و عندما يشير التقرير إلى هذا الحجم من التراجع في التصنيف الدولي خلال سنة واحدة، فإن ذلك يثبت بالملموس العمل الجبار الذي بذلته حكومة عباس الفاسي في الرفع من المستويات الإقتصادية و الإجتماعية للمغاربة. و لا حاجة لنا بعد ذلك للأرقام التي تعد في مطابخ الوزارات المعنية بالتعليم و الصحة و التشغيل و التجهيز و غيرها من القطاعات الحيوية. و باحتلاله للرتبة 130 عالميا يكون المغرب ضمن مجموعة من 47 بلدا يصنفها التقرير في درجة متوسط، لكنه يقترب كثيرا من التصنيف الأخير ( منخفض) الذي سيؤهلنا للإنضمام إلى مجموعة من الدول مثل الصومال و أفغانستان و بنغلادش و جيبوتي.... و لسنا ببعيدين عن هذا التصنيف إلا ب11 رتبة. و احتلال المغرب لهذه المرتبة ليس غريبا، ذلك أن الأرقام الواردة في التقرير في الجدول رقم (5) و التي تستند إلى إحصائيات وطنية لسنة 2007 تشير إلى أن 10.6 في المئة من السكان في المغرب يعيشون في فقر متعدد الأبعاد، كما أن نسبة المعرضين لخطر الفقر تبلغ 12.3 في المئة، بينما يعيش 3.3 في المئة من المغاربة في فقر مدقع. أما في الجدول رقم (7) و المتعلق بالمخاطر البيئية على التنمية البشرية فيطالعنا التقرير على أن 39.1 في المئة من السكان يعيشون على أراض متدهورة( أي أنها لا تتوفر على الشروط البيئية اللازمة و ذلك من حيث سلامة التربة و كمية المياه و التنوع الإحيائي...). بينما نقرأ في الجدول رقم (9) الخاص بالتعليم و الصحة أرقاما من قبيل: 43.9 في المئة كنسبة للأمية في الفئة العمرية من 15 سنة فما فوق تبعا لإحصائيات بين ( 2005 و 2010). في حين لا تتجاوز النسبة الإجمالية للذين ولوجوا التعليم العالي 12.9 في المئة ( من خلال إحصائيات بين 2001 و 2010). كما نقرأ ايضا أن 38 طفلا من كل ألف طفل من المواليد الأحياء يموتون قبل سن الخامسة. و في ذلك إشارة واضحة إلى طبيعة الرعاية الصحية المتوفرة للمغاربة....
التقرير الأممي للتنمية البشرية يأتي في سياق انخراط الحكومة المغربية منذ عدة سنوات في ما يسمى ب" المبادرة الوطنية للتنمية البشرية". لذلك فإن علامات استفهام كثيرة تطرح نفسها بخصوص الجدوى من هذا المشروع و أشكال الدعم التي يقدمها للمعوزين إذا كان المغرب يتراجع سنويا في سلم التنمية مقارنة مع دول أخرى. و بدل أن يتهم الناطق الرسمي باسم الحكومة معايير التقرير باللاعلمية، يجدر بالجهات المعنية أن تجعل هذه الأرقام دافعا للعمل الحقيقي من أجل تنمية حقيقية. أما "التبراح" فلن يغير من واقعنا شيئا. محمد مغوتي.04/11/2011.
التعليقات (0)