مع بدأ ربيع الديمقراطية العربية و مسلسل اسقاط الانظمة تحت العنوان الكبير "الحرية و الكرامة قبل الخبز", سارعت السلطة السياسية بالمغرب الى العمل على الانخراط في سلسلة من الاصلاحات و ذلك درء لأي مضاعفات و تداعيات يمكن ان تحملها رياح الربيع اذا ما خرج الشارع مطالبا بتحقيق مفهوم الارادة الشعبية في ضرورة الانكباب على احداث الاصلاحات الجذرية بدء بالوثيقة الدستورية, و بالفعل شكل خطاب 9 مارس بداية القطع مع "الاصلاح الفوقي" الذي ميز ممارسات السلطة في تدبير الشأن الدستوري و السياسي منذ الاستقلال و ردا كذلك على الشارع الذي خرج في 20 فبراير تلقائيا بعيدا عن اي اجندات أيدولوجية او سياسية او مناطقية.
قد نختلف حول ما جاء في الوثيقة الدستورية لكننا نعترف و نتفق اننا لمسنا نوايا جدية و حقيقية من طرف "من يهمه الامر" في بلورة دستور جديد قادر على استيعاب ضرورات المرحلة و الاستجابة لكثير و ليس لكل الشعارات سواء التي طرحت خلال فترة ازمة الشرعية او التي رفعت في مظاهرات 20 فبراير, و قد برزت هذه النوايا في تشكيلة اللجنة المكلفة بإعداد الدستور الجديد التي انفتحت على مختلف المشارب السياسية و الفكرية و منحت لها سلطات واسعة في اجراء مشاورات مع مختلف الهيئات السياسية و النقابية و فعاليات المجتمع المدني بل حتى فتح قنوات التواصل و الحوار مع التيارات الاكثر راديكالية بغية جرها الى الدخول في اللعبة الديمقراطية, و هكذا خرجت الوثيقة الى الوجود بعد مخاض طويل من النقاش و السجال الذي اثمر انتقالا حقيقيا و قطعا مع المرحلة القديمة في كيفية اعداد الدساتير التي عرفها المغرب خلال بداية ستينيات القرن الماضي, و لعلنا اليوم يمكن ان نقول اننا فعلا نعيش الارهاصات الاولى في بناء الديمقراطية و تكريس دولة الحق و القانون و اطلاق الحريات من خلال دسترة الكثير من البنود التي تستجيب لإشكالية خصوصية و كونية حقوق الانسان.
رغم تفاؤلنا الذي نبديه ازاء الاشارات الايجابية الصادرة عن السلطة السياسية في حصول الاصلاحات الحقيقية المنتظرة فإننا في خضم هذا التفاؤل ينتابنا الكثير من القلق من التطورات التي يعرفها البلد سواء الداخلية او الخارجية في مستقبل الشهور القادمة, فداخليا يمكن ان نقول ان حركة 20 فبراير لم تعد تلك الحركة العفوية التي تمثل احلام المغاربة في بناء الدولة بل تحولت الى أيدولوجية عرفت جماعة العدل و الاحسان المحظورة كيف توظفها في صراعها مع الدولة المغربية فباتت تلك الخطوط الحمراء التي استنزفت البلد منذ بداية الاستقلال الى غاية انتخابات 14 نونبر 1997 و ما افرزته من دخول المعارضة في تدبير الشأن الحكومي تعاود للظهور من جديد برفع شعار " اسقاط النظام " , و قد ازداد هذا الزخم في سلوك و اداء الجماعة بقوة اليوم بعد تصريحات وزيرة خارجية امريكا في استعداد البيت الابيض للتعاون مع اي حكومة ستقود دولة مصر و ان كانت اسلامية و هذا يطرح علامات استفهام كبيرة عن اللقاءات السرية التي تجري بين جماعة العدل و الاحسان و السفارة الامريكية بالرباط, هذا المعطى الداخلي ليس الوحيد الذي يفتح باب التوجس بل ان دخول المنطقة الاقليمية في تغيرات جيوسياسية بالعودة الاكيدة للحزب الشعبي اليميني الى الحكم في اسبانيا و دخول العامل الايراني في نزاع الصحراء المغربية و ابتلاعه للحديقة الخلفية- موريتانيا- للرباط مع تداعيات سقوط النظامين التونسي و الليبي و الاهم من ذلك و قبل ذلك الترهل الذي يعرفه النظام الجزائري و الذي سيعمل بالتأكيد على تجاوز ازمته الداخلية بفتح جبهة خارجية بدأت قبل ايام اولى استعداداتها برفع ميزانية التسلح, هي متغيرات ستشكل ضغوطا و تحديا للسلطة السياسية في التعامل مع هذه التطورات و هي بالتأكيد تطورات مفتوحة على كل الاحتمالات.
الاكيد ان المغرب يعيش اليوم ظروفا استثنائية بالغة التعقيد لتداخل العامل الداخلي و الخارجي و اي قراءة خاطئة لمختلف الاحداث ستتيح الوقوع في المحظور, و لعلنا نرى ان اولى خطوات الخروج من عنق الزجاجة هي الانتخابات البرلمانية ليوم 25 نونبر القادم و التي سنختبر فيها النوايا الاصلاحية التي عبرت عنها السلطة السياسية و كيفية تدبيرها للاستحقاق الانتخابي التي يجب ان تكون بمقاربات و ادوات جديدة تفرز برلمانا سياسيا حقيقيا قادرا على تحمل مسؤوليته التاريخية خلال هذه المرحلة الاستثنائية, و اي تخلف عن هذا الموعد يعد بمثابة جرس انذار خاصة و ان التجربة المصرية خلال انتخابات مجلس الشعب لسنة 2010 و افرازها لبرلمان بوجوه قديمة احتكرت المجال السياسي لسنوات طويلة دون اتاحة المجال لمن يمثل الاحتقان المجتمعي في التعبير داخل المؤسسة التشريعية شكل النقطة التي افاضت الكأس و ذلك بمظاهرات خرجت يوم 25 يناير و هي الهدية التي تنتظرها جماعة العدل و الاحسان و من يلف لفها فيما تسميه الجماعة في أدبياتها " بالقومة " التي ستشكل مفتاح بناء الدولة على منهاج دولة الرسول.
التعليقات (0)